رداً على ياسر سعيد عرمان ..
عادل شالوكا
في مؤتمره الصحفي الذي نظَّمه (ياسر عرمان) يوم الخميس 22 مايو 2020 بعد
إتفاقهم مع الحكومة الإنتقالية على بعض بنود التفاوض، خرج كعادته ليُبشِّر السودانيين بإنهم تحصَّلوا على نسبة (40%) من “عائدات الإقليمين” ..لصالح الإقليمين .. !!. و إنهم إتَّفقوا على إنشاء مفوضية مُستقلة للحُرِّيات الدينية …. إلخ.
هل ما تفعلونه الآن سيقود “حقاً” إلى سلام حقيقي في البلاد – فنحن نهنئكم على هذا الإتفاق الذي لا نعلم حتى الآن كيف، و أين سيتم تنفيذه ؟ و نحن نشكُّ إن هنالك ما يُحاك في الظلام .. و عندما تحاولون ذلك، فستجدون من هم على إستعداد للتضحية بحياتهم و أرواحهم. و ليس أمامهم غير الموت بشرف و كرامة من أجل مستقبل جيِّد لأبنائهم و للأجيال القادمة .. و الأيام القادمة ربما تكشف الكثير.
و لماذا تتركون إتفاقكم و تركِّزون على إعادتكم للحركة الشعبية وفق المشروع الذي تسمُّونه (التوحيد) برغم إنكم تبنيتم مشروع جديد (الميلاد الثاني) و أسَّستُم تنظيم آخر .. له رئيس، و نائب رئيس، و أمين عام، و ناطق رسمي، و قائد أركان، و قادة جبهات … ألخ،. و لقد تخليتُم عن المباديء الرئيسية و الأهداف و الوسائل، و تركتُم وسيلة (الكفاح المُسلَّح) ..؟. فلماذا تطالبون بالتنسيق معنا ..؟!!. مرة عن طريق خُطب رئيسكم .. و مرة بتصريحاتكم و مؤتمراتكم الصحفية .. و مرة أخرى عبر “رسائل” أمينكم العام .. و فوق كل ذلك .. أنت تعلم جيِّداً أنكم فقط مجرَّد “أفراد” .. فكم يبلغ عدد عضويتكم، و أين يوجد جيشكم، و ما هي المناطق التي تسيّطرون عليها ..؟ فبدلاً عن تركيزكم على ما تفعلونه، ظللتم تبذلون الجهد لإعادتكم إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، و ظللتم تلصِقون أنفسكم بها، و تحلمون إسمها دون أن يكون لكم أي علاقة بمبادئها و مشروعها الفكري و السياسي. ثم أنتم من تقزَّمتم و تحوَّلتم إلى حركة لا يتجاوز عضويتها عدد المُريدين و الموالين، و العشيرة و القبيلة. و إذا أكملتم إتفاقكم هذا، عليكم أن تذهبوا به إلى الخرطوم و ترتِّبوا لإستقبالكم لكي ترى بعينيك حجم المُستقبلين، و تدرك حجمكم و مدى (تقزُّمكم) حتى لا تطلقوا هذه الصفة علينا مرة أخرى. فعليك أن تخطر منسوبيكم لإعطائكم التقارير عن وجودنا الفعلي على الأرض، و في كافة أرجاء السودان. و عن درجة التفاعل و التأييد في مواقع التواصل الإجتماعي عبر الندوات و الكتابات و المنشورات. و حينما يُحين وقت إستقبال الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال “الحقيقية”، عندئذٍ لن تسع “الساحة الخضراء” و التي سُميت مؤخَّراً بساحة “الحرية” لإستقبالنا. و أنت سيِّد العارفين، و كنت رئيس لجنتنا العليا لإستقبال الدكتور/ جون قرنق دي مبيور في 9 يوليو 2005 بنفس الساحة، و كان لنا شرف المساهمة في ذلك الحدث العظيم .. وآخرون. هذه قصة طويلة سنعود إليها في الوقت المناسب الذي ستخرُج فيه الجموع الغفيرة .. من كل فجِّ عميق .. (أفواجا) .. لإستقبال قائد الحرية .. العدالة .. المساواة .. و السلام .. القائد/ عبد العزيز آدم الحلو – الذي سعيتم لتقزيمه .. فتحوُّلتم أنتم و صرتم (أقزاما) .. تحتفلون بـ(40%) للمنطقتين. و الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال تُكافح من أجل تحرير السودان كله من مُسبِّبات الظلم و البطش و القهر و التهميش، و تحقيق التحوُّل الديمقراطي .. و بناء السودان الجديد من طوكر إلى الجنينة، و من طروجي إلى حلفا .. و ربما لاحقاً المليون ميل مربع “السابقة” .. وطن يسع الجميع.
و قضايا المنطقتين ستُحل في إطار “الخصوصيات” عندما نفرغ من إعلان المباديء، و نتَّفق على المبادئ التي ستحكُم الإتفاق .. و المبادئ التي ستحكم صناعة الدستور الدائم (المبادئ فوق الدستورية) .. و نتَّفِق على “كيف يُحكم السودان” . و كما تعلم جيِّدا .. نحن لم نُناضِل لكي نكون (سلَّاقي بيض) حتى لا تحاولون المُتاجرة بذلك مرة أخرى.
نعود إلى ما ذكرته في مؤتمرك الصحفي .. فلقد ذكرت إنكم تحصَّلتم على (40 %) من موارد الإقليمين لصالح الإقليمين .. فمن الذي شاورتموه من شعب الإقليمين ؟ و من الذي أعطاكم حق الموافقة على هذه النسبة ؟ و بأي معيار وافقتم عليها .. و كيف تأكّدتم بـ”موافقتهم” على ما “وافقتم” أنتم به ؟ .. و بالمناسبة أين توجد جماهيركم التي تتفاوضون بأسمها ؟ .. بل من أين تستمدون شرعيتكم ؟ .. أين يوجد جيشكم الذي تريدون دمجه خلال (4) سنوات .. و هل ستتوقَّف الحرب بعد الأربعة سنوات بدمجكم قوات قوامها أسرة و عشيرة مالك عقار مقابل جيش جرار تحت قيادة القائد/ جوزيف توكا علي، و القائد/ عبد العزيز آدم الحلو .. ؟.
و المفوضية التي تتحدَّثون عنها للـ(حريات الدينية) و “حقوق المسيحيين” و أصحاب “الديانات الأفريقية” – ما الفرق بينها و بين المفوضية التي تم إنشاؤها بموجب إتفاق السلام الشامل (2005) ؟. و ما الذي أنجزته تلك المفوضية و أنت عضو بالبرلمان القومي آنذاك ؟ و ما هي الحقوق التي وفَّرتها ؟ و أنت شهدت العديد من القضايا وهضم حقوق غير المسلمين، و جلد الفتيات المسيحيات بقانون النظام العام، و قضية “بنطلون لبنى”، و غيرها من القضايا التي و لَّدت مبادرة “لا لقهر النساء” تحت إشرافكم.
فقضية علاقة الدين بالدولة تُعالج بإقرار مباديء توضِّح طبيعة الدولة. و ليس مفوضيات لن تكون لها صلاحيات في المستقبل بوجود قوانين أخرى، أو بطبيعة الدولة و دستورها، و ما ينص عليه الدستور صراحة؛ و بالتالي فإن إنشاء المفوضية لا يعدو كونه “إنشاء تكتيكي” لإمتصاص مطلب علمانية الدولة و تذويبه بهدوء عبر ترضيات لا تفي الغرض، أو تُحقِّق الهدف الرئيسي؛ و يتم تمرير ذلك عبر “بوابات بليدة”، أو “متواطئة”. و لكن هيهات أن يمُر مثل هذه المُخطَّطات في ظل الوعي الجماهيري العريض و وعي المُهمَّشين و المُتضرِّرين من الوضعية القائمة الآن في ظل الدولة الدينية التي تضع بعض المواطنين في درجة أدنى من غيرهم. فمثل هذه الدولة لن تقوم بعد اليوم، و لن نقبل بها بتاتاً.
و لقد ذكرتم في تصريحكم (إن العلمانية شرط لبناء السودان الجديد و ليس شرط لتحقيق السلام) ؟. فما هي شروط تحقيق السلام التي طرحتموها أنتم للوفد الحكومي و بناءً عليها مُنحتم تلك النسب ؟. و هل كنتم تقاتلون من أجل (40%) من الموارد في الإقليمين أم من أجل حقوق و كرامة الشعب السوداني و تحريره من الظلم و البطش و الإذلال؟ و ما هي مرتكزات السودان الجديد الأساسية ؟. أما قولكم : (إن برنامج الحركة الشعبية قائم على التعايش بين القبائل “العربية” و “غير العربية” … و”حق تقرير المصير الإثني” الذي يقود إلى حروب “إثنية” .. إلخ) .. !! فهذه من أمنياتكم التي تبتغونها .. و لماذا تذكرون قبائل “عربية” و “غير عربية” دون ذكر هذه القبائل غير العربية ؟ و ماذا تستبطنون ؟. و حق تقرير المصير يقوم على رقعة جغرافية يسكنها مجموعة سكانية لها حق الجصول على التنمية والخدمات و رعاية الدولة، و متى ما إنتفت هذه الحقوق فلهم الحق في تقرير مصيرهم .. و لكنكم تراهنون على رفض هذا الحق الإنساني الديمقراطي بواسطة مجموعة من السكان حسب نظام “الإستعدادات و التصوُّرات” – Habitus الذي تشرَّبتم به من توجُّهات النٌخب و الحكومات المركزية التي كرَّست لهذا التقسيم المشوَّه.