البحث عن الحقيقة
بقلم: عبدالرحمن إسماعيل أحمد (أرو التينة).
لا بد من فعل يوازي المرحلة.
في البداية لا بد من التأكيد على أن الحرب الدائرة في السودان منذ بواكير ما يسمى بإستقلال السودان هي حرب مفتعلة بلا شك من قوى السودان القديم و المركز الإسلام عروبي”الوكلة” compradors” أصحاب الامتيازات التاريخية الذين فشلوا في إدارة الدولة السودانية ووضع أسس لبناء دولة بالمعيار الحديث، لذلك افتعلوا الحروب وفقا لسياسة الأرض المحروقة (THE EARTH’S POLITICAL POLICY) و القصد من ذلك عدم إتاحة الفرصة للمهمشين و الشعوب الأصيلة (Indigenous and marginalize People’s) للمشاركة في السلطة..
اندلعت حركات المقاومة المطلبية و تم التآمر عليها و تقسيمها وتشتيتها وتكسيرها، وصاحب ذلك نعتها بالعنصرية والجهوية و المناطقية بالإضافة إلى الإساءة و إعتقال رموزها و قادتها وتصفية الناشطين من عضويتها.
اندلعت ثورة الخلاص الوطني بقيادة الزعيم الدكتور جون قرنق دي مبيور كنتاج طبيعي للأزمة السودانية وفشل ساستها مستفيدا من الأخطاء التاريخية للساسة السودانيين والتراكم النضالي الثوري للحركات المطلبية في إسترداد المظالم والحقوق التاريخية التي لم يستطيع المركز معالجتها أو بالأحرى رافض لاسترجاعها.
و عندما دب الوعي في أوساط السودانيين خاصة المهمشين اندلعت ثلاثة ثورات ناجحة هي أكتوبر 1964 وأبريل 1985 وديسمبر 2018 ولم تفضي إلى تغيير حقيقي يعالج جزور الأزمة السودانية لتعنت الأيديولوجية الإسلام عروبية وأصحاب المصالح والامتيازات التاريخية والانتهازية وإستمر الحال في حاله وقد أصبح الشعب وحلفائه من القوى التقدمية مع الحقيقة والتغيير الجزري للدولة والإسلاميين وحلفائهم ورصفائهم في ديدن مواقفهم التاريخية التقليدية إما ان يكونوا في السلطة و ممسكين بذمام أمورها ويفرضوا أيديولوجيتهم بالقوة “دولة التفويض الإلهي” أو تنهار الدولة السودانية، لهذه الأسباب صنعوا خلال حكمهم أحزاب وتنظيمات سياسية ومليشيات عسكرية في حال خروجهم من السلطة يعودوا إليها بتلك الأدوات التي صنعوها.
عندما اندلعت حرب الخامس عشر من شهر أبريل 2023 كانت نتيجة منطقية تفسر ما ذهبنا إليه سابقا إضافة إلى التهرب من حل جذور الأزمة السودانية والعودة عبر بوابة الإجراءات. وفي خضم هذا الصراع لم يتضرر من ذلك إلا الشعوب المكلوم على أمره من نهب للمال والثروات و فقدان للأرواح لا وبل حتى جرائم فاقت التوقعات الإنسانية و معيار الإنسان الطبيعي العادي، ووصفت بأنها جرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية وجرائم حرب وعدوان، لقد اندى ذلك جبين الإنسانية وخلق أكبر كارثة إنسانية مرت بها الدولة السودانية على مر تاريخها لأنها إتصفت بالشمول عكس ما كان في الماضي فهي كانت في ( جنوب السودان، جبال النوبة، النيل الازرق، دارفور، شرق السودان) ما يعرف و يسميه المركز “بأطراف السودان
” أي مناطق الهامش.
وبعد كل ما حدث وتبادل الإتهامات بين الأطراف المتحاربة والقوى المتحالفة معها نجد ان الأيديولوجية الاسلامو عروبية لا تريد ترجيح العقل و صوت الحكمة وإنما تريد مكاسب سياسية على حساب سفك دماء الشعوب السودانية و ترفض الحلول السلميةووقف إطلاق النار والعدائيات من أجل دخول المساعدات الإنسانية هذا الموقف يؤكده ويفضحه ما جاء مؤخرا في يوم 16 مايو 2024 عندما قدمت قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال خطابات تاريخية أحدهما لرئيس الحركة القائد عبدالعزيز آدم الحلو تلو و الثاني للسكرتير العام القائد عمار آمون دلدوم حول تناول الجزور التاريخية للأزمة السودانية ومواقف الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال في عدم تجزءة الحلول في الأزمة السودانية والوقف الفوري للعدائيات من أجل توصيل المساعدات الإنسانية لكل المناطق والولايات والاقاليم المتضررة من الحرب عبر طرق آمنة، هذا الموقف كان يجب ان يقابل بالقبول دون شروط و أدون تحقيق مكاسب سياسية إلا ان محاولة تحييد الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال وإستمالتها لتكون حليف لأحد أطراف الصراع بائت بالفشل نتيجة لنضج الحركة و تجاربها وتحليلها العميق للصراع المعقد في السودان ووضع الحلول الناجحة لإنتشال السودان من الهوة التي صنعها السودان القديم.
ما قامت به الحركة الشعبية من موقف أكد وأثبت أنها الحزب الوحيد الذي يمتلك رؤية لإدارة الدولة السودانية كيف لا وهي التنظيم الوحيد الذي طرح مسألة التنوع التاريخي والمعاصر (كيفية إدارة التنوع في الدولة السودانية) إضافة إلى إحترام التعدد الإثني والديني والجغرافي.. داخل الدولة ورؤيته في ان السودان يجب أن يكون دولة عمانية ديمقراطية لا مركزية..
هذا غير بقية الحلول التي شخصها وأطلق عليها جزور المشكلة السودانية ونجملها في القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
هذا الموقف يؤكد المقولة التقليدية المعروفة في أروقة السياسة والساسة السودانيين ” لا بد من فعل يوازي المرحلة”. فالهروب عبر بوابة الإجراءات غير مجدي ولا يمكن أن يؤدي بحلول ناجعة للأزمة. و ما يثير الاستغراب والتعجب هو إلى متى الهروب من الحقيقة؟ و حتى متى تريد حكومات الأمر الواقع مواجهة الأزمات وحلها و لماذا التعنت دوما في عدم تقبل الآراء التي يمكن ان تخرج الشعوب السودانية من أزماتها حتى وإن جاءت من عدو تأكيدا للمقولة التي تقال “عدو عاقل و لا صديق جاهل” و السؤال الحقيقي في هذه المرحلة هو في هذه الضرورة التاريخية المهمة والكارثة الإنسانية الجسيمة أي فعل يوازي المرحلة سوى وقف العدائيات والإلتزام الأخلاقي به من قبل جميع الأطراف المتحاربة و المتصارعة من أجل تقديم المساعدات الإنسانية عبر طرق آمنة.
الأراضي المحررة
كاودا 20 مايو 2024