16 مايو 1983م اكتشاف وطني ماهر لعلاج أزمات البلاد. 

بقلم حب الدين حسين(حبو أرسطو )

 

تصادف اليوم الذكرى الثامنة والثلاثون لتأسيس وميلاد الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان ١٦ مايو ١٩٨٣ وهذا اليوم ليست مجرد حدث عابر في تأريخ السودان الحديث بل موقف تاريخي حملت الآلاف الدلالات.

سطعت هذه اليوم لمعالجة فشل النخبة السياسية وادعاءهم الأجوف وفشل مشروعات البناء الوطني المدعاة وغياب أسئلة التأسيس.

وفي ظل معاناة السودانين وموتهم وفشل النخب الشمال النيلي بنقل الوطن من معمل احتضارها وزعمهم بان السودان بلد عربي كريم متناقضين حقائق الواقع السوداني الزاخر بالتعدد والتنوع.

بعد ان عمل السودانيين بصميم ارادتهم وبمهد حضارتهم (التنوع التاريخي ) من دعم تطور الطبيعي للحياة كانت حاصل انتاجهم هي دولة الذي صهروا طاقتهم وابداعتهم الفكرية ،حيث لن يستمر طويلآ اغتصب دولتهم من المستعمر وكان ذلك ١٨٢٠م من حكم التركي المصري ولن يستسلم السودانيين فقد ثاروا ضدها وخلقوا مشهد جديدآ بأرداتهم وبعد حين عاقبته مستعمر اخر كواحدة  مخرجات مؤتمر برلين ١٨٨٥ وهي حكم الانجليزي بمعاونة مصر في عام ١٨٩٨ م فالسودانين ايضآ كعادتهم لن يحاضنوا السلطة المغتصبة على رغم ان تلك الفترة انتجت امسخ بنية اجتماعية جديدة واكثر مكرآ وهي طائفة( الجلابة )وهؤلاء هم مواطنين سودانيين وارنوط ومرتزقة عملوا ككمبرودار  للمستعمر مقابل عملهم في دواوين الحكومة وفي تجارة الرقيق ليحلوا محل المستعمر البراني كوكلاء له بعد خروج المستعمر وأصبحوا اخطر طائفة تهدد بقاء البلاد !

بدأ بوادر رفض التهميش قبل خروج المستعمر حينما استشعر النخب الجنوبية بأستحواذ والأستهبال السياسي من نخب الشمال ومحاولة اختطافهم للوطن راكلين اخرين وفي محاولة سعيهم لحفاظ على وضعية التاريخية ونقضوا عهد مؤتمر جوبا الذي انعقدت في عام ١٩٤٧ وتنصلوا تيارات الطائفية من الأنصار والختمية والقوى مدعية الوطنية (مؤتمر الخريجين )وغيرهم بمقررات مؤتمر جوبا وكان ذلك  كافيآ لقسم ظهر البعير ليبقي التقسيم واضحآ من يومها بين التمركز الجلابي والهامش المناهض .

 وبعد خروج المستعمر وسودنة الوظائف افرزت وضع جديد لن تختلف عن طبيعة ممارسة الاستعمارية وفي عشية فجر (الاستقلال) هرول اسماعيل  ازهري ضم البلاد الي جامعة دولة العربية دون استشارة اخرين.

 وفي ١٨ اغسطس ١٩٥٥ اطلقت اول رصاصة المطالب من قبل انانيا ١ واستمر الرفض وتجاهل المطالب ، بل بدأ التخوين حول مشروعية  تلك الحقوق في اساسها.

فكان بطش النخب المسمى جزافآ بالوطنية اشد قهرآ من المستعمر حيث استخدمت لأول مرة حكومة وطنية الطيران في عهد ابراهيم عبود ضد شعبه كظاهرة جديدة في ذئابية المغولية البشرية وانعدام صدر العلائقي.

سعى السودانيين بمختلف جغرافيتهم وروابطهم  الأجتماعية (انانيا ، كمولى، اتحاد شمال وجنوب الفونج ، حركة سوني ونهضة دارفور ،موتمر البجا   ..الخ) للتصحيح خطأ المسلك المتبع وضرورة العودة الي حقائق الواقع التاريخي والمعاصر الأ ان السلطة الميهمنة رفضت المطالب وباتت كل نداءت الأصلاح  مردودة وتفننوا في ارهاب كلما من دعى للتغير وضع القائم .

فلن يختلف ممارسات الحكم بمن انتسب لديمقراطية او لأنقلاب فمحصلتهما كانت واحدة هي هيمنة الثقافية للأقلية المنتقاء على البلاد فالحلقة الشريرة وحدت مصالحها وغيبت عمدآ قضية كيف يحكم السودان.

فأستمرت الأزمة واستفحلت امراض السودان القديم وكانت البلاد بحاجة ماسة لمشروت وطني يستلهم همم الوطنية التاريخية والمعاصرة ينهض بالبلاد الي مرافئ التقدم والازدهار ويضع حدآ لتقسيمات الاجتماعية التي صاغتها النخب الأحادية.

فالجوء كانت مهيأ ببروز مشروع وطني تهب من اي ارض بور فكانت ميلاد طقس سودان الجديد من  بيبور وايوت،  معلنآ شارة الضوء بعد نقاش عميق بضرورة اعلان الكفاح المسلح من تراب حج يوسف منزل العظيم جون قرنق دمبيور.

ان الحقيقة الماثلة لتاريخ الكفاح الثوري للحركة الشعبية لتحرير السودان وظروف ميلادها ونشائتها هي امتداد لمظالم تاريخية طويلة اسبقتها معالم كفاح الشعوب السودانية ضد مظالم بأطر مختلفة وتحت قراءت متباينة رات بعضها ان حل المشلكة تكمن مطالبها المحلية دون مساس بالمركز فغلبتها طابع الجهوي وعجزوا اختراق الوضع ولمكر الحاكمين حتى سطعت جون قرنق دمبيور ايقونة النضال وعظم تلك الحراك الثوري إن الحركة الشعبية لتحرير السودان، كتنظيم، لم يظهر إلى الوجود من العدم أو بالصدفة , بالعكس إنها لبنة لفكرة تعبر عن بُعد نظر الثُوار من أبناء وبنات السودان , إنها وليدة تخطيط واعي وتنسيق وعزيمة لرموز سياسية وعسكرية .

كان الوضع ملائماً لقيام الثورة ولم يكن ينقصها إلا قيادة سليمة تقود الشعب الى الإتجاه الصحيح، وقد كانت الخطة هي إما أن تكون هنالك ثورة عامة بواسطة الحاميات العسكرية في جنوب السودان أو اللجوء الى خيار نضال مسلح طويل الأمد

فى تلك الفترة بدأ يظهر فى نظام جعفر نميري الكثير من علامات الضعف منها إصدار قرارات كثيرة لحل مجالس الشعب وأخيراً قرار إعادة تقسيم الإقليم الجنوبي الى ثلاثة أقاليم في 6 نوفمبر 1983م, مما أدى إلى إنهيار الثقة بين الشعب والنظام الحاكم, ولذا أصبح هنالك شعور عام بالحاجة الى نظام بديل لتصحيح الوضع السياسي وطرحت سودان الجديد كالنظرية كامل الدسم تلائم الواقع السوداني وهي مشروع فكري وسياسي يهدف الي اعادة بناء الدولة السودانية بأسس جديدة وهي المساواة والعدل والحرية والوحدة الطوعية وهي مشروع يطرح بديلآ لسودان القديم القائم على اسس تتناقض مع اسس الحرية العدل والمساواة كما يهدف المشروع الي تحقيق التحديث والتقدم والأزدهار  (وصول الشعوب السودانية الي حقهم الانساني !)

والفرق بين الحركة الشعبية لتحرير السودان وبين مشروع سودان الجديد ؟

مشروع سودان الجديد هي البضاعة والحركة الشعبية هي الوسيلة.

هكذا تطورت المقاومة الى حركة ثورية, حيث تولى كاربينو كوانين الذي كان في منطقة بـور في ذلك الوقت قيادة حامية بـور العسكرية من  ألير مناقور وبالإضافة إلى وليـم نيون في أيــود, كل هذه التحركات وضعت حجر الأساس للثورة وبعد ذلك وصلت الى ذروتها بتكوين الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان

أما الـدكتور/ جون قرنق دى مبيور فقد كان في مقدمة كل هذه الأحداث حيث كان يقوم بالتنسيق مع وليم نيون وكاربينو كوانين من الخرطوم مباشرة، وقد تحرك شخصياً الى منطقة بــور لإدارة العمليات. وفى تلك الأثناء تأكـدت القيادة العامة للــقوات المسلحة في الخرطوم أن تحركات الرائد كاربينو تـدل على التمرد ولذلك أصدرت الأوامر الى الحامية 116 بجـوبا بمهاجمة بـور. وهكذا بدأت المعركة في يومي 16و17 مايـو 1983م، وكانت القوات المهاجمة تحت قيادة المقدم/ دومنيك كاسيانو الذى أصبح لاحقاً عضواً فى إنقلاب نظام البشير.

وبهذا تم دعوة الي كل مكونات المحلية لإلتحاق بالكفاح فقط لبوا نداء التحرر والتحرير من المدنيين والشباب والطلاب والاطباء والمزراعيين والادراة الاهلية وكل المهنيين وبعد عامين انضم الشمالين بالتنظيم كمولي ومقاتلي النيل الازرق من الأدوك والنخب السياسية وبذلك اكتمل اركان عمل التحرير وهي اختلفت عن تعريف الازمة باطرها القديمة.

وفي السادس من يونيو 2011 – قبل شهر فقط من إعلان إستقلال جنوب السودان – أُستؤنِفت الحرب مُجدداً فى إقليم جبال النوبة / جنوب كردفان نتيجة لإصرار النظام الحاكم (المؤتمر الوطني) بتجريد منسوبى الجيش الشعبى فى الوحدات المُدمجة المُشتركة (JIUs) من السلاح بالقوة، حيث أصدر رئيس هيئة أركان القوات المُسلحة (SAF) الفريق/ عصمت عبد المجيد تعليمات للفرقة (14) مشاه المُتمركزة فى كادقلى بالبدء الفورى لعمليات تجريد السلاح بتاريخ 1 يونيو 2011،  وكان الرئيس عمر البشير قد أعلن فى القضارف عام 2011 التوجُّه الإقصائى للدولة السودانية بعد تصويت شعب جنوب السودان لصالح الإنفصال، وكان ذلك بمثابة إعلان مُبكِّر للحرب، وتبع ذلك خطابه الشهير فى مدينة “المجلد” أثناء الحملة الإنتخابية لمرشح المؤتمر الوطنى لمنصب الوالى فى الإنتخابات التكميلية للولاية. وقد تم حشد عشرات الآلاف من القوات المُسلحة فى عاصمة الولاية “كادقلى” ومدن أخرى رئيسية مثل الدلنج، وتلودى، وأبو جبيهة، بالإضافة إلى مدينة “الدمازين” وحولها، فى مخالفة واضحة لنصوص بروتوكول الترتيبات الأمنية، وربالرغم إن الجيش الشعبى كان قد أكمل عملية الإنسحاب جنوب خط 1/1/1956 وفقاً للإتفاق بإستثناء عدد (3,300) مقاتل دمجوا فى الوحدات المُدمجة المشتركة (JIUs)، إلا إن النظام الحاكم واصل حشد القوات والعتاد العسكرى ونشر مزيد من القوات شبه العسكرية المُدجَّجة بالسلاح كشرطة الإحتياطى المركزى. وكان واضحاً آنذاك إن النظام الحاكم كان يريد العودة لمربع الحرب مرة أخرى.

أُطلقت الرصاصة الأولى فى 5 يونيو 2011 فى منطقة “أم دورين” جنوب كادقلى عندما إصطدمت القوات المسلحة (SAF) مع منسوبى الجيش الشعبى فى الوحدات المُدمجة المشتركة (JIUs) بعدما رفض أحد الجنود تجريده من السلاح، حيث يُشير بروتوكول الترتيبات الأمنية فى الملحق (ج) إلى بقاء القوات المشتركة إلى العام (2012)، وعملية التجريد تعتبر خرق للإتفاقية.

منذ ذلك التاريخ توسعت الحرب وشملت جميع أنحاء الولاية وإتَّخذت قوات الجيش الشعبى مواقع دفاعية لحماية المدنيين، وإستطاعت بعدها أن تشن هجوماً شرساً ضد مواقع القوات الحكومية وتحقق إنتصارات كاسحة وتحرر الكثير من الحاميات العسكرية، كما شن النظام بالنيل الأزرق هجوم مُفاجىء، وإنتهاكات واسعة وفى ليلة الثانى من سبتمبر 2011 شنَّت القوات المسلحة هجوماً واسعاً على مناطق تمركُّز منسوبى الجيش الشعبى فى الوحدات المُدمجة المشتركة (JIUs) داخل مدينة الدمازين بدواعى (إن قوات الجيش الشعبى هى التى بادرت بالهجوم)،  الأمر الذى أجبر منسوبى الجيش الشعبى على مغادرة المدينة خشية تعرض حياة المدنيين للخطر، وسارعت القوات المسلحة فى قصف منازل قيادات الحركة الشعبية من شاغلى المناصب الدستورية وآخرين، وقامت الأجهزة الأمنية التابعة للنظام بعمليات مُداهمة وإعتقالات واسعة شملت كل من يعتقد إنه موالى للحركة الشعبية أو مُتعاطف معها. كان الهدف من إشعال الحرب فى النيل الأزرق هو رفع الروح المعنوية المنهارة لقوات المؤتمر الوطنى بعد هزيمتها فى جبال النوبة، بالإضافة إلى محاولتها إبتدار الحرب والإستيلاء على مواقع إستراتيجية قبل أن تبادر قوات الجيش الشعبى.

وفي مصيرته واجهت الحركة عديد تحديات وتناقضات النضال فمن حيث تكالب الكلونالية العالمية والمحلية وسقوط الأنهتازين وتشكيك جدوى المشروع ولكن ظلت شمعة سودان الجديد تسطع بالقوة كالنظرية صالحة وقادرة لمخاطبة ازمات البلاد وتخلخلت عمقها في كثير من مشاريع الوطنية .

فمعدلة الصراع تقف في جوهره  الان بين دعاة احتفاظ الوضعية القديمة وهي تيارات( سودان القديم) يمينآ ويساريآ وبين دعاة تغير الجذري (سودان الجديد )قوى الهامش ، وسعي لتفكيك وضعية المركزية وتسليم لهوية سودانوية والديمقراطية التعددية والعلمانية والأقتصاد سوق الإجتماعي هي قضايا جوهرية ما زال حية ولابد العمل من اجلها .

الحركة الشعبية في مصيرته بذلت مجهودآ مقدرآ للبناء سودان الجديد وضحى بحياة اعظم مثل جون قرنق ويوسف كوة وداؤد يحي بولاد والحبوب وفليب وكالو وغيرهم من قائمة الشهداء وكثيرين ممن فقدناهم قاموا بأمور خارقة قبل استشهادهم قدموا ارواحهم فداء كي يعيد البقية تموضعهم ولكن نؤمن ان طريقة الذي  ماتوا هي اكثر خيار للبقاء!! وما زال الباب مفتوحآ للعمل وللدعم كفاح من اجل سودان الجديد من كل الحادبين وان ما يواجهنا ليس بالسهل ولكن من رهن على إرادته انتصاره حتمي.

ونحن اليوم نطل علي ذكرى الثامنة والثلاثون وحركة متعامدة في وهج النضال واذ نقدم اجزل شكرنا للمدنيين الذين وقفوا مع الحركة ولهؤلاء الجنود الميامين والقادة العظماء بقيادة عبدالعزيز ادم الحلو وجوزيف تكا وجغود مغوار وعزت كوكو وللنساء وللشباب والطلاب وكل حلفاء التغير ، وايماننا غير منقطع النظير بان السودان الجديد ولدت لكي تبقي وتنتصر وان تضحيات التي قدمت  لن تروح هدرآ.

لذا سيظل العمل من اجل السودان الجديد هو ايمان خلص لا تراجع عنها او تحايل باسمها وان نضال طويل الأمد من أجل تحقيق دولة الكرامة هي فرض عين لكل من يريد ان تحتل بلاده مكانآ لائقآ تؤهلها عبقرية الزمان والمكان.

شكرآ جزيلآ لنوارس الجيش الشعبى الذين يغردون من اجل الحب والفرح والأستقرار 

شكرآ جزيلآ لرفاق نضال طويل الأمد 

المبدعين في عطائهم والمبدعون في تلقيهم لهذا العطاء.

  الأحد الموافق-2021/5/16

2 تعليقات
  1. النور عبدالله سليمان عبدالله يقول

    شكرآ جزيلآ ي كمرد

    ١٦ مايو ١٩٨٣ ولدت من رحم معاناة شعوب المضطهدة.

    مبروك لمرور ٣٨ عامآ من الكفاح .

  2. محمود أبكر يقول

    تاريخ نضالي بطولي يقود إلى بناء دولة محترمة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.