يوسف عبد المنان .. وإطلاق الحديث بـ(المجان)
عادل شالوكا
كتب الصحفي يوسف عبد المنان تقريراً لا يخلو من الخُبث كعادة الكُتَّاب الكيزان – بعنوان: (هل تصبح جبال النوبة مسرحاً جديداً لحرب السُّودان؟). جاء ذلك بعد أحداث مدينة “الدلنج” وخصوصاً منطقة “التكمة”. قدَّم في تقريره سرداً مطوَّلاً من نسج خياله – وزي ما بقولوا (الكلام بالمجان) – ففي عالم الصحافة غير المهنية يمكن أن (تقول أي حاجة) وتسرد أي قصة، وأمثال هؤلاء الصحفيين ظهروا في عهد الإنقاذ حيث برز وصعد حسين خوجلي الذي كانت أول وظيفة صحفية له – طوَّااالي كده بدون مُقدِّمات ولا أي خبرة أو عناء – رئيس تحرير صحيفة (ألوان). كما برز الهندي عز الدين رئيس تحرير صحيفة (المجهر)، ويوسف عبد المنان الذي يكتب في نفس الصحيفة بالإضافة إلى منصبه كمستشار للصحيفة.. وغيرهم من كُتَّاب السُلطان الذين صنعهم النظام عبر سيطرته على وسائل الإعلام وخاصة مجال الصحافة. كان عبد المنان يكتب أيضاً في صحيفة (الإنتباهة) سيئة السُمعة والمعروفة طبعاً والمشهورة بالكذب والتلفيق والقصص الخيالية مثل سرديات (إسحق فضل الله) وعرَّاب الصحيفة (الطيب مصطفى). هذه الصحيفة التي ساهمت في نشر خطاب الكراهية وعملت بكل ما تملُك من جُهد لفصل جنوب السُّودان، وبعدها احتفلت بالحدث. ويوسف عبد المنان هو أحد المُقرَّبين لمُجرم الحرب (أحمد هارون).
عنوان المقال كان بمثابة (فرضية البحث) كما يحدُث في البحوث العلمية، ثم أراد عبد المنان إثبات هذه الفرضية من خلال حديثه في سطور المقال.. تعمَّد المنان خلط الأوراق والادعاء بأن الحركة الشعبية لديها اتفاق سري مع الدعم السريع على العمل المُشترك ومُحاربة الحكومة المركزية وغير ذلك من حديث مُلفَّق – حيث قال:
(يعتبر مراقبون للأوضاع معارك حلفاء الأمس بين الدعم السريع والحركة الشعبية – شمال منعطفاً جديداً في الصراع الحالي في السودان وأدت فيه زخات الرصاص الذي انهمر على رؤوس سكان بلدة “التكمة” لوأد اتفاقاً أبرمته قيادتي الدعم السريع والحركة الشعبية في العاصمة الإماراتية أبوظبي في أيار مايو الماضي قضى بتوحيد البندقتين لمحاربة الجيش السوداني ورسم الإتفاق غير المعلن) – إنتهى الإقتباس.
كان على عبد المنان أن يذكر للقرَّاء متى تم إبرام الاتفاق المزعوم، وما هي تفاصيله، ومن ثم نشر الاتفاق نفسه الذي من المُفترض أن يحمل توقيعات القادة الذين تحدَّث عنهم وزعم إبرامهم للاتِّفاق، أو على الأقل ذكر أسمائهم. مثل هذه القضايا ليست قضايا (للونسة) في الإعلام لأنها تقدح في مصداقية الصحفي وتجعله مُجرَّد مُهرِّج، أضف إلى التشكيك في اجندته ونواياه.
كما إدَّعى يوسف عبد المنان: (إن هنالك خارطة حدود فاصلة بين الدعم السريع والجيش الشعبي الذي أسند لنفسه مهمة إسقاط كل حاميات الجيش في جبال النوبة بينما يقوم الدعم السريع بالسيطرة على شمال وغرب كردفان بإعتبارها ولايات ذات أغلبية سكانية تنحدر من أصول عربية ) – إنتهى.
وهذا هو خُبث الحديث الذي يوضِّح الطريقة التي يُفكِّر بها هؤلاء الإسلاميون وكيف أعادوا ترتيب النسيج الاجتماعي ومن ثم ضربه وتفكيك الدولة السُّودانية. فقد قسَّموا السُّودان إلى ولايات تقطُنها إثنيات وقبائل مُحدَّدة، ومن ثم فصَّلوا هذه الولايات بفواصل إثنية وقبلية لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية (تسليح قبائل ضد أخرى واستخدامها كوقود حرب، الانتخابات والحفاظ على السلطة، … إلخ).
هذا ما فعلتموه أنتم (الإسلاميين) يا عبد المنان طيلة السنوات الماضية، دعمتم مجموعات إثنية مُحدَّدة ومكنتموها بالسلطة والسلاح، وطلبتم منهم احتلال أراضي السكان الأصليين الذين احتضنوا هذه المجموعات التي سلحتموها وعسكرتموها فيما بعد (مراحيل، دفاع شعبي، دعم سريع، … إلخ). تريدون أن تصوُّروا هذه الأحداث بإنها أحداث (عنف قبلي). ولكنها حالياً – كما كان سابقاً – عمل مُمنهج بقيادة الدعم السريع. والآن في السودان لا تستطيع ان تعرف هل هذا (قوات مُسلَّحة، دعم سريع، أم عطاوة) – كلو بقى واحد. والعطاوة كلهم اصطفوا مع بعض خلف الدعم السريع. حتى منسوبي القوات المُسلَّحة سلَّموا حامياتهم للدعم السريع، بل (فرق) كاملة. دي الحقيقة الواقعية لا دايرة غُلاط ولا نقاش. أنتُم (الإسلاميين) من أوصلتُم السُّودان إلى هذه المرحلة.
نسب عبد المنان حديثه لعدد من الخُبراء وقادة الدعم السريع دون ذكر أي أدلة – وهو نفسه من كشف في تقريره انه لا توجد أدلة أو مرجعية – بقوله:
(بيد أن العقيد ماكن الصادق احد كبار قادت الدعم السريع بجنوب كردفان قال في مخاطبة جماهيرية في أيلول سبتمبر الماضي بمنطقة الفرشاية شمال الدلنج “نحن لن نقاتل الحركة الشعبية وبيننا إتفاق” دون الإفصاح عن ذلكم الإتفاق وبنوده) – الإقتباس كما كتبه عبد المنان في التقرير.
وفي مُنتهى الخُبث ينسب عبد المنان حديثاً لمن يُسمَّى بالصادق ماكن بقوله: (الدين لا يُشكِّل لنا عائقاً لأننا أصلاً في الدعم السريع ما عندنا دين وكذلك الحركة الشعبية) – انتهى.
طبعاً ما في زول عاقل وقائد كبير في الدعم السريع برتبة عقيد بقول كلام زي ده – والمنان بنفسه وصفه بـ(أحد كبار) قادة الدعم السريع، ولكن المنان بخُبثِه يريد أن يقول ان الحركة الشعبية لا دين لها وهو بالطبع لا يعرف أي شيء عن الحركة الشعبية التي تحترم الأديان وتعمل على المساواة بين معتنقيها.. وهو ينتمي إلى التنظيم الذي إستخدم الدين للوصول إلى السلطة والتشبُث بها والمتاجرة به ونهب موارد الشعب وقتل الشعوب على أسس عرقية عبر فتاوى دينية. هل يعلم المنان كم عدد المساجد والكنائس في المناطق المُحرَّرة التي تعمل تحت إشراف المجلس الإسلامي للسودان الجديد ومجلس كنائس السودان الجديد؟. وهؤلاء جميعهم أعضاء في الحركة الشعبية ويشغلون أرفع المناصب فيها.
عبد المنان لم يذكر في تقريره هذا متى وأين أُجري أي لقاء أو حوار مع هؤلاء الخبراء، ولا تاريخ المُخاطبة الجماهيرية المزعومة بـ(منطقة الفرشاية) والمنسوبة للعقيد المُسمَّى بالصادق ماكن، ولذلك فهو كلام أطلق على عواهنه (كلام مجاني).
أضاف المنان بقوله: (وفشلت قيادة الحركة الشعبية والدعم السريع في بسط وتوعية المقاتلين على ما اتفقا عليه بالإمارات مما مهد لنزاع حول السيطره على الأرض) – إنتهى.
طبعا عبد المنان داير يقول إنو في إتفاق بين الحركة الشعبية والدعم السريع لكن ما تم تنوير القادة الصغار والمقاتلين. طيب لو في حاجة زي دي من المفترض ينشر الاتفاق ده عشان الشعب السوداني كلو يعرف إنو في اتفاق بين الحركة الشعبية والدعم السريع!. والشعب السوداني بفطنته يعلم جيداً استحالة إبرام هكذا إتفاق.
عبد المنان دخل في تفاصيل عسكرية وأمنية ما مفروض تكون مُتوفِّرة لدى أي صحفي إلا لو كان بتبع للأجهزة الأمنية – والمعروف لدى كل السُّودانيين ان عدد كبير من صحفيي النظام والفنانين والرياضيين وكل القطاعات – لديهم رتب في جهاز الأمن والمخابرات. وبرضو حتى الأجهزة الأمنية في السودان ما ممكن تكون معاها تفاصيل زي دي – وذلك عندما قال:
(تملك الحركة الشعبية نحو 40 ألف مقاتل منتشرين في كل إقليم جبال النوبة بينما يفوق تعداد قوات الدعم السريع بكردفان المائة الف مقاتل ولكن تعوزهم الخبرة في القتال في الجبال صعبة التضاريس استعصت على العميد حينذاك محمد حمدان دقلو الذي خاض معركة طروجي في مارس 2015 وخلال ساعتين فقط فقد 183 ضابطا من قواته وأكثر من400جندي مما دفعه لمغادرة مسرح عمليات جبال النوبة في اليوم التالي لتعود قواته الآن بعد ثمانية سنوات لتقاتل في الدلنج) – إنتهى.
معلومات عدد قوات الدعم السريع وعدد قتلاهم في معارك جبال النوبة (ضباط وجنود) دي على مسؤولية عبد المنان – ولكن من أين تحصَّل على عدد قوات الجيش الشعبي؟ هذا هو التلفيق بعينه وقطع أرقام من الرأس – محاولة للتضليل – والغرض معروف.
يختم المنان تقريره بقوله:
(اندلاع القتال بين الدعم السريع والحركة الشعبية على نطاق أوسع من الدلنج يمثل انتقالاً لمسرح الحرب من دارفور والخرطوم إلى فضاء أكثر تعقيداً لمقاتلي الدعم السريع المتفوقين على الحركة الشعبية حسب رأي اللواء أحمد الفكي بالأسلحة الحديثة وسرعة الحركة والهجوم المباغت بينما تقاتل الجبال مع أهلها النوبة. إضافة إلى الخبرات في الالتفاف) – إنتهى.
ودي الخلاصة العايز يصل ليها عبد المنان – إنو جبال النوبة حتكون مسرح جديد لحرب السودان – عنوان المقال الذي وضعه كفرضية.
طبعاً ما في أي زول عسكري في السودان وبعرف شغل الجيش ممكن يشتغل بتقرير زي ده، لأنو ده تقرير صحفي وسياسي فقط، مُلفَّق وغير صحيح – غرضو معروف وأجندتو واضحة وهي رفع الروح المعنوية لطرف معين بحكم الانتماء الإثني لكاتب التقرير إليهم. فموازين القوة والقُدرات العسكرية الآن تتغيَّر تباعاً ولا يمكن الاستناد على مثل هذه السرديات الصحفية المُضلِّلة في العمل العسكري.
الثورة مستمرة والنصر اكيد