ويستمر مسلسل التضليل والاحتيال!
رشا عوض
هناك من يجتهد في ان يجعل هذه الحرب اللعينة مناسبة لتلميع الجيش واعادة تسويقه كملاذ امن للمواطنين عبر ترديد حجج ساذجة تنطوي على كثير من التضليل مثل مقولة ان المواطنين ينتقلون من مناطق سيطرة الدعم السريع الى مناطق سيطرة الجيش، في الحقيقة المواطنون ينتقلون من مناطق الحرب الى المناطق التي لم تصلها الحرب، المواطن يبحث عن السلام ولا يبحث عن سيطرة جيش او سيطرة دعم سريع، ولو كان هناك جيشا مسيطرا وناجحا في اداء واجبه لما كان هناك وجودا للدعم السريع اساسا، مجرد وجود مناطق يسيطر عليها الجيش ومناطق اخرى يسيطر عليها الدعم السريع هو عنوان لازمة وفشل وخيبة وطنية كبرى!! اما قصة سيطرة الجيش فهي واقع مؤقت ينتهي بان تطل تاتشرات الدعم السريع برأسها ! لان الجيش لا يبذل اي مجهود في حماية المدنيين عبر التصدي لقوات الدعم السريع ومنعها من التمدد في مناطق سيطرته فقد انسحب في زمن قياسي من مناطق كثيرة وترك المواطنين يواجهون مصيرهم مكشوفي الظهر تماما! تصوير نزوح المواطنين كبيعة سياسية للجيش احتيال مفضوح، والعبارة اصلا لا تنطبق على كل مناطق السودان ، مثلا لا تنطبق على بعض ولايات دارفور وهناك مناطق لسيطرة الدعم السريع في الخرطوم والجزيرة مثلا لم ينزح منها اهلها ، والذين نزحوا الى مناطق سيطرة الجيش ملايين منهم غادروا السودان الى دول اخرى، ومن تبقى في مناطق سيطرة الجيش يتمنى مغادرة السودان في اي لحظة ولكن ضيق ذات اليد هو ما يجبره على البقاء، فالجيش لا يطعم الناس ولا يسقيهم ولا يوفر لهم علاجا ولا يحميهم متى ما هاجم الدعم السريع مناطقهم! وبعض جنوده يسرقون الناس واستخباراته تعتقل الابرياء وتعذبهم او تقتلهم بالاشتباه تماما كما تفعل استخبارات الدعم السريع في مناطق سيطرتها ، وطبعا الدعم السريع اثبت فشله في القدرة على حفظ الامن للمواطنين في مناطق سيطرته واثبت انه لا يملك للمواطنين سوى السلب والنهب والتهجير!
الغرق في شبر ماء المفاضلة بين الجيش والدعم السريع دليل على عدم استخلاص الدرس الصحيح من كارثة هذه الحرب ، هذا الدرس باختصار هو ان اكبر ازمة في السودان عنوانها هذه المؤسسة العسكرية والامنية المعطوبة بكل تشكيلاتها: جيش دعم سريع جهاز امن كتائب كيزان الخ، هذه الحرب هي اكبر ادانة اخلاقية وسياسية لهذه المؤسسة الامنية والعسكرية المعطوبة والفاقدة للتأهيل الفني والاخلاقي لاداء واجبها تجاه مواطنيها! المواطنون تنهار منازلهم فوق رؤوسهم وتتقطع اوصالهم بالدانات وقذائف المدفعية والطيران ويصطادهم الرصاص الطائش في معركة صراع سلطة عريان بين جيش يريده الكيزان مطية للعودة الى السلطة ودعم سريع خرج من رحم ذات الجيش ثم شق عليه عصا الطاعة واصبح له- اي الدعم السريع – طمعه الخاص في السلطة! صراع سلطة عريان تخوضه اطراف المؤسسة العسكرية الفاسدة على اجساد الابرياء! والسلاح المدفوع ثمنه خصما من خبزنا ودواءنا يستخدم لقتلنا وتمزيق اوصال اطفالنا وتدمير بنيتنا التحتية من جسور ومطارات ومصانع ومستشفيات وتدمير بيئتنا وتلويث الهواء الذي نتنفسه! هذا هو ملخص هذه الحرب القذرة التافهة، ولذلك لا يعقل ان ننخرط نحن المكتوين بنيرانها في مداعبة احلام اي طرف من طرفيها عبر مفاضلات ( اب سنينة واب سنينتين).
هذه الحرب هزيمة اخلاقية وسياسية مغلظة لكل من الجيش والدعم السريع ، واي اكروبات سياسية لاثبات تفوق احدهما على الاخر اخلاقيا عبث لا طائل من ورائه! ولا يتورط فيه الا من يرغب في التماس مبرر لاصطفافه خلف احد الطرفين.
اصطفاف المواطن الذين ينشد السلام والامان والكرامة والحرية يجب ان يكون خلف مشروع الدولة المدنية الديمقراطية ذات الجيش المهني القومي الذي ليس هو الجيش الحالي وليس هو الدعم السريع. جيش على الاقل لا يقتل شعبه بالطريقة التي شهدناها في هذه الحرب وفي كل حروب السودان التي لم تكن ولا واحدة منها ضد عدو خارجي! كلها حروب صراع على السلطة!
اما انا شخصيا لو سألتموني عن امنيتي الحقيقية فهي ان يكون هذا السودان كوستاريكا افريقيا ( بدون جيش نهائي) ، ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه!
المهم هذه الحرب يجب ان تجعلنا نخجل من محاولة تلميع اي بوت عسكري ، على هؤلاء العسكر ان يبادروا هم بغسل ايديهم من دماء الشعب ويوقفوا هذه الحرب القذرة ويعتذروا لهذا الشعب عن سوء صنيعهم به ويطلبوا صفحه وغفرانه.