ويحدثُونْك عن السُودانْ القَدّيمْ(٢)
نضال عبدالوهاب
مواصلة للعقليات التي ميزّت السُودان القديم ، والتي أورثتنا كُل هذا الخراب والإنقسام والصراعات والحروب ، وكنت قد إستعرضت منها عقليات
١/عقلية الأنا
٢/ عقلية القطيع
٣/العقلية العُنصرية…و في هذا الجزء نواصل ماتبقي منها:
٤/العقلية الإقصائية
وهي العقلية التي لاتري إلا ذاتها ، وتعمل علي إبعاد كُل من يُشكل لها مصدر للمُنافسة ، و تجدها تميل للإنفراد بالرأي وبالتالي الإنفراد بالسُلطة أو التحكُم بها ، وتحصر تعاملاتها مع أقلية تُحقق لها طموحاتها وتشبهها في السلوك أو نمط التفكير ، لا تثق في الآخر المُختلق عنها وتعمل علي إبعاده وإقصاؤه للإنفراد بالسُلطة ومراكز القرار
٥/العقلية الهدّامة
وهي عقلية توجد بكثرة في تركيبة السُودان القديم ، تعمل علي تكسير كُل ما عداها ، لا تحتمل أن تأتي أفكار جيّدة أو أعمال مُفيدة أو قرارات صائبة من غيرها ، تتميّز بالسلبية وتُعادي كُل ما هو إيجابي ، غير مُتعاونة وتميّل للخبث و وضع العراقيل والتعطيّل و تُدمن “تكسيّر المقاديف”
٦/العقلية المُهيّمنة
وهي عقلية تعمل علي التحكُم والإمتلاك ، وبالتالي فهي تُميز عقليات الدكتاتورين والمُستبديّن ، وهي عقلية غير مُنفتحة علي الديمُقراطية ولا للتنازل عن رأيها للآخرين ، تعمل أيضاً علي الإنفرار بالسُلطة وبالقرار
٧/العقلية المُنكفئة
وهي عقلية “مُنغلقة” وغير “مُنفتحة” ، لا تتعاطي مع الآخرين خارج حدودها و هذه الحدود يمكن أن تكون في طريقة التفكير أو في المنطقة التي أتت منها أو القبيلة أو الإثنية التي خرجت منها أو الديانة واللغة التي تتحدثها ، هي عقلية موجودة بكثرة في تركيبة السُودان القديم ، وهي أيضاً قد تكون إقصائية وعُنصرية ، ويتميز بها أصحاب الأيدولوجيا العمياء والمُتشددين و الإنفصاليون
٨/ العقلية التقليّدية
وهي العقليّة التي ترفض أي جديد وحديث ، و غير المُواكبة ، و غير المُبدعة والخلاقة ، ولا تؤمن بالإنتقال للحداثة والتقدم في كُل شئ ، ولا تثق في الأجيّال الجديدة وقدرتها علي القيادة وبالتالي فهي معوقة للتغيير ومُثبطة له
جميع هذه العقليّات التي تطرقت لها وإذا ما بحثنا عنها في كُل تاريخنا السياسِي و نُظم الحُكم المختلفة والمُتعاقبة ومُنذ إستقلال السُودان وحتي هذه اللحظة سنجدها قد تواجدت بكثرة وكانت لها السيادة المُطلقة ، وقد تضررت منها بلادنا كثيراً وأخرته ، لم تقود بلادنا إلا لهذا الواقع الحالي بكل بؤسه ، فكل الحكومات والأنظمة العسكرية تميّزت بها ، وحتي الأنظمة الديمُقراطية علي قلة مراحل حكمها وجدت بها ، توجد داخل القوي السياسية والأحزاب والحركات وحتي الشخصيّات المُستقلة ، فهي نمط من أنماط التفكير و السلوك السياسِي مع سمات للشخصيّات التي تحملها…
لن ينصلح حال بلادنا بغير مُحاربة تلك العقليّات وإبعادها عن التخطيّط ، وعن التحكم في القرار السيّاسي وأجهزة السُلطة
ففي السُودان الجديد الذي نعمل له وندعوا له ، من الضروري أن تتغير فيه هذه العقليات والتي ستقود بلادنا ، نحتاج لعقليّات جديدة ، مُنفتحة غير مُنغلقة ، إيجابية ومتعاونة وغير عنصرية و غير مُستبدة ولا مُنكفئة وذات إستقلالية ، تنظر للبعيد وتُحيط بكل ما يُمكن أن يُقدم بلادنا ، عقليات تؤمن بالديمُقراطية وتُمارسها وبالحداثة و تمكينها ، وتقبل بالآخر المُختلف وتتحاور معه ، وهي بالتالي عقليات غير جامدة ، وغير مُنحازة إلا لمصالح بلادنا العُليا ومصالح جميع شعوبنا ، تؤمن بالمساواة والعدالة والحريات ، وضد الظلم والفساد والإستبداد والمحسوبية ، تؤمن بالأجيال الجديدة وقدرتها علي تولي المسؤلية وبالثقة فيها ، تعمل علي إنصاف الشعوب المقهورة والتي عانت من الظُلم والبطش والتخلف وعدم المُساواة ، تؤمن بوحدة بلادنا وتقدمها…..
نواصل…
14 ديسمبر 2023