ولماذا الدفاع عن دكتور/ حيدر إبراهيم يا (مكاوي) .. ؟؟ !!.
عادل شالوكا
كتب عبد الله مكاوي مقالاً بعنوان (لماذا الهجوم علي دكتور/ حيدر ابراهيم ؟) يُدافع فيه عن حيدر إبراهيم وعن مواقفه التي أوردها في مقال كان قد كتبه بعنوان : (العلمانية فعل تنويري فكري و ليست شعاراً سياسياً). ونحن لن نسأل مكاوي عن دوافع وأسباب هذا “الدفاع” لأنها معلومة للجميع، ولقد تحدَّثنا عن ذلك في مقالنا بعنوان : (عفواً دكتور/ حيدر إبراهيم .. إنها قضايا حقيقية ومصيرية وليست شعارات) والذي ردينا فيه على مقال حيدر إبراهيم.
ونحن نرُد على سؤال مكاوي بسؤال مُقابل – (ولماذا الدفاع عن دكتور/ حيدر إبراهيم) .. فيما ذهب إليه .. ؟ !! . وهل ما ذكره حيدر إبراهيم كان موضوعياً ومنطقياً، أم كان (إصطفافاً) – كما تفعل أنت – خلف مواقف الحكومة التي تُدافع عن تلك الإمتيازات التاريخية للكيانات المُسيطرة على السلطة والثروة منذ خروج المُستعمر إلى يومنا هذا ؟.
سنقوم بمناقشة ما ورد في مقال عبد الله مكاوي على النحو التالي :
أولاً : زعم عبد الله مكاوي – مُستنكراً ما أعتبره “هجوم على حيدر إبراهيم” – إن دكتور حيدر كان في مقاله يتحدَّث عن (عقلنة السياسة، كمخرج من حالة ابتذال السياسة الي محض بحث عن السلطة).
وعبد الله مكاوي هنا يستخدم “التعميم” مُتعمِّداً – بحديثه عن الحركات المُسلَّحة، وذلك لمعرفته جيِّداً إنه لن يستطيع إتهام الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال ومُهاجمتها ما لم يقوم بهذا التعميم. ففي حديثه عن (ابتذال السياسة الى محض بحث عن السلطة) فإنه يعلم جيداً من هم الباحثين عن السلطة. فلو كنا نبحث عنها لكنا الآن في الخرطوم ومنذ الثلاثة أشهر الأولى بعد ثورة ديسمبر لأن البحث عن السلطة لا يستغرق كل هذا الوقت كما تعلم.
ثانياً : حاول الكاتب أن يُجادل فلسفياً – هل (العلمانية) غاية أم وسيلة. وهذا جدال بيزنطي وسفسطة لا تستحِق الرد حقيقة. وقد واصل بقوله :
(إن الحكمة والإبداع السياسي ليس في التمسُّك بالعلمانية المُجرَّدة كمطلب صمدي، ولكن في تنزيلها علي أرض الواقع بطريقة غير مُستفِزَّة لقطاعات عريضة مُستنّفرَة ضدها).
وهذا بيت القصيد .. فهل الدولة الدينية و الشريعة الإسلامية لم تكُن مُستفِزَّة لبقية المُكوِّنات طيلة السنوات الماضية و هي تُستخدَّم ضدهم ؟ ومن هم “القطاعات العريضة” التي يستفِزَّها فصل الدين عن الدولة ؟ هل هم الإسلاميين أم الشعب السوداني ؟ و كيف يتم تمييز مواطنين في نفس الدولة و تقسيمهم إلى قطاعات مُهمَّة، و قطاعات لا يُعمل برأيها ؟ و كيف سيتم تنزيل العلمانية إلى أرض الواقع بطريقة غير مُستفزَّة ؟ فالذي يرفض إنزالها (مُجرَّدة كيف يقبل بإنزالها بتلك الطريقة “الملتوية” وهو يعلم إنك تقصُد (العلمانية) ؟ ما هذا المنطق الهش و الذي لا يقنع أحد حتى (مكاوي) نفسه !! . فكأنك تقول لشخص ما (لن أقتلك بالبندقية، و لكنني سأقتلك بمسدس) ففي كلتا الحاتين سيقاوم طالما مشكلته أصلاً في (الموت) الذي يرفضه. فلا يوجد منطق لرفض عبارة (العلمانية) ثم إقناع أي شخص إنك ستقوم بتطبيقها إذا كان الرفض أصلاً مسألة مبدئية ..!!. و هذا يعضِّد وجهة نظرنا في النص عليها كتابة، لأن قبولها والنص عليها بأي عبارات أو صياغات أخرى، يُرجِّح إحتمال (الإتفاق) على عدم تطبيقها مُستقبلاً لتكون حبراً على ورق كغيرها من الإتفاقيات العديدة التي وقِّعت من قبل و لم تُطبَّق.
والمثل الأفريقي يقول : (الذي يخاف من نطق إسم “المرفعين” .. لا يمكنه الذهاب إلى الغابة لإصطياده).
ثالثاً : ذكر الكاتب أيضاً : (هل العلمانية لوحدها تشكل وصفة سحرية ؟ ام هي جزء من حزمة مستحقات يجب الايفاء بها ؟ وهل الحركات المسلحة ادت ما عليها فيما يخص هذه المستحقات، ام هذا من المسكوت عنه ؟) .
لا أعرف ماذا يقصد الكاتب بـ(المسكوت عنه) ليته كان واضحاً في ذلك، وليته ذكر أيضاً ما الذي ينبغي أن تؤديه “الحركات المُسلَّحة” فيما يتعلَّق بالمُستحقَّات. ومن الذي يُفترض أن يدفع فاتورة هذه المُستحقَّات ؟ المُتضرِّر أم الذي يصر على بقاء الأوضاع المُختلَّة القائمة ؟
رابعاً : واصل الكاتب إدِّعاءاته بقوله : (ولكن الاكثر صحة ان هذا الخيار هو خيار نخبة، فرضته علي بقية المكونات المحلية، كما انه لا يمنح قضاياها المطروحة ميزة أو أفضلية علي غيرها من المناطق او المكونات السياسية غير المسلحة، طالما الأزمة في حقيقتها شاملة وليست جزئية، رغم انعكاساتها السيئة علي مناطق اكثر من غيرها).
وهنا يريد الكاتب أن يقول إن طرح العلمانية هو خيار وطرح خاص بالنُخب التي تقود الكفاح المُسلَّح ويقصد هنا قيادة الحركة الشعبية – شمال. وهذا حديث يُكذَّبه الواقع على الأرض والآراء الواضحة التي عبَّر عنها “المُكوِّنات” – التي يقصدها – من خلال الحراك السياسي المُستمر والشعارات والمطالب التي يردِّدونها في كل مناسبة، وهي خيارات تم إتخاذها وإقراراها عبر المؤسَّسات الشرعية التي تُمثِّل الجماهير مثل المؤتمر العام وغيرها، وأصبحت جزءاً من المنفستو والدستور. أما منح الأفضلية على المناطق أو المُكوِّنات غير المُسلَّحة، فهذا يرتبط بدرجات التَّهميش وحجم التضرُّر. وأشكال النضال والكفاح تتناسب طردياً مع درجة التَّهميش. والشخص المُتضرِّر هو الذي يُعبِّر عن ذلك بالوسيلة المناسبة. والكفاح المُسلَّح هو الخيار الوحيد الذي تبقَّى للمُهمَّشين بعد تعنُّت المركز وعدم الإستجابة للمطالب والحقوق ومُعالجة القضايا المصيرية ورفع الظلم والتَّهميش. ولا يمكن عدم الإستجابة لهذه المطالب بأي حجة، أو بوجود من لم يتضرَّر من الأوضاع القائمة. فما يطالبون به يُشكِّل القضايا الرئيسية التي من أجلها حملوا السلاح. فإقحام الدين في السياسة وتبنِّي الآيديلوجية “الإسلاموعروبية” هو ما أدَّى إلى هذه الفوارق (الإجتماعية – السياسية – الإقتصادية) بخلق (إمتيازات) للبعض و (موانع) أمام الآخرين.
خامساً : ذكر الكاتب مُتحدِّثاً عن حركات الكفاح المُسلَّح : (ولكنها كذلك تمتد لغياب الشفافية ومصدر التمويل والارتباطات الخارجية وغيرها، كما ان التهم التي تكال لكل من يتصدي للحركات المسلحة بالنقد غيَّب اهم سؤال، وهو مدي قدرة الحركات المسلحة وهي تستخدم آليات غير سياسية وبعيدة عن الديمقراطية، علي تقديم نموذج ديمقراطي لادارة الدولة بعد وصولها للسلطة؟ خاصة وان التجارب التاريخية لا تقدم ما يسر في هذا الجانب؟!)
وهذا الحديث غير المسؤول، وإطلاق التُهم والفرضيات والمُغالطات المنطقية (Fallacies) الهدف منه “تشتيت الكورة” والتشويش الذهني والإبتعاد عن التركيز على القضايا الجوهرية. وهي إستراتيجية ليست بجديدة أُستخدمت مراراً وتكراراً بواسطة نخب المركز في مواجهة تطلُّعات الهامش ونضالهم من أجل نيل الحقوق. فهذه الأسئلة يجب أن توجَّه للذين حكموا السودان لأكثر من ستة عقود، هل كانوا مؤهَّلين ؟ وهل كانوا ديمقراطيين في حكمهم وتوجُّهاتهم أم قاموا بفرض رؤَاهم المريضة على الآخرين ؟ وأي تجارب يتحدَّث عنها الكاتب أكثر من تجارب الفشل المُستمر في إدارة البلاد مما أدَّى إلى تقسيمها وإشتعال الحروب في جميع أرجائها.
سادساً : يواصل الكاتب : (ولكن ذات الخيار لعب دور مُعاكس وهو يمنح ذات القوي المُصادِرة مُبرِّر لتلك المُصادرة، بحُجَّة الحفاظ علي الامن والاستقرار ووحدة الدولة! وكذلك الافراط في التسلح والعسكرة وصولا لانتاج مليشيات موازية للدولة) – وهو يقصد خيار الكفاح المُسلَّح.
يريد الكاتب أن يقول : لا تحملوا السلاح لأن ذلك سيؤدِّي إلى مزيد من العسكرة والتجييش والتسليح .. بل يجب عليكم أن تقبلوا بظلم المركز حتى لا تجلبوا لنا المشاكل، وتعطوا مُبرِّر لإستمرار “المُصادرة” أو التَّهميش. وهذا حديث لا يحتاج لتعليق، ويعكس ضعف وهشاشة الحُجَّة وعدم التماسُك في الطرح – فكم من حركات وتنظيمات مطلبية قامت “في الهامش” بعد خروج المُستعمر حاولت وجرَّبت الطُرق السلمية، ماذا حقَّقت وماذا كان مصير قادتها ؟ !!. و هل لا يدري (مكاوي) كم مرة قطع العسكر الطريق أمام التحوُّل الديموقراطي فى البلاد .. و بقوة السلاح ؟.
سابعاً : يقول الكاتب أيضاً : (والمفارقة ان ذات النظام الاجرامي الذي سطا علي السلطة، يدعو الحركات المسلحة للحوار والاتفاق في كل مرة. والحال هذه، هو ليس حوار او اتفاق باي حال من الاحوال، ولكن الاصح هي صفقات تعقد من دون رقابة بل ومعرفة بقية المواطنين، ولذلك كانت نهايتها الفشل في كل مرة).
يتحدَّث الكاتب عن صفقات تُعقَد من دون رقابة أو معرفة من بقية المواطنين. ومرةٌ أخرى هنا يستخدم الكاتب التعميم المُخِل لتحقيق مآربه.
ثامناً : يقول الكاتب : (وهنا مصدر الخلاف مع الحركات المسلحة التي دخلت مفاوضات مارثونية علي نفس طريقة مفاوضات الانقاذ، من غير سقف زمني او حدود لنوعية المطالب، والاهم مدي ملاءمتها لظروف البلاد. وهو ما يفرض سؤال حول حقيقة وعي الحركات المسلحة بطبيعة حساسية المرحلة، ومدي استعدادها للتجاوب مع متطلباتها ؟).
والسؤال الذي طرحه (مكاوي) كان ينبغي أن يوجَّهه لحكومة الفترة الإنتقالية وهل هي فعلاً تعي أهمية السلام ولديها رغبة أكيدة لتحقيقه، وهل هي على إستعداد لدفع إستحقاقاته. كأنَّ الكاتب لا يعرف شيئاً عن الحرب الجارية فى البلاد و لماذا يفاوض النظام الحركات ؟.
تاسعاً : يواصل الكاتب : (والحركات المسلحة وبغض النظر عن الموقف من العنف وجدت تاييد بسبب تصديها لنظام عنف عدمي، ولكن موقفها بعد الثورة اثار كثير من التساؤلات، حول مدي وفاء هذه الحركات لاطروحاتها، خاصة المتقاطعة مع شعارات الثورة في الحرية والسلام والعدالة).
والصحيح إن حركات الكفاح المسلح هي التي إندهشت لمواقف حكومة الفترة الإنتقالية والتي يفترض إنها حكومة الثورة. فمطالب هذه الحركات معلومة للجميع منذ تأسيسها وأهدافها مُعلنة، وكذلك أهداف الثورة (حرية .. سلام .. عدالة) .. فقط تحتاج لإرادة سياسية من الحكومة لتقوم بتلبية هذه المطالب عبر إتفاق سلام شامل وعادل وفي فترة وجيزة، ولا تحتاج كل هذا الوقت والتماطُل والمُماحكات.
وفي هذه النقطة يُناقض الكاتب نفسه بعد أن إنتقد الكفاح المُسلَّح ثم عاد ليقول إن (الحركات وجدت تأييد بسبب تصديها لنظام عنف عدمي). وهذا إعتراف منه بأن عنف النظام لم يكن بالمقدور مواجهته إلا بنفس الوسائل، وإلا لما تكوَّنت جيوش الأحزاب السياسية المختلفة (حزب الأمة/ الإتحادي الديمقراطي/ الحزب الشيوعي/ قوات التحالف / …..) ومشاركتها القتال بجانب الجيش الشعبي في الجبهة الشرقية منتصف التسعينات. وهل نسى الكاتب ما يُسمَّى بـ(أحداث المرتزقة) في 1976.
عاشراً : يتحدَّث الكاتب عن الفترة الإنتقالية وأولوياتها بطريقة مُثيرة للدهشة. فالفترة الإنتقالية الحالية جاءت نتاجاً للإتفاق المُبرم بين قوى الحرية والتغيير مع المجلس العسكري، ومن الطبيعي ان تكون هنالك فترة إنتقالية أخرى وبمهام مُختلفة حال وقَّعت حركات الكفاح المُسلَّح إتفاق سلام مع الحكومة الإنتقالية التي تضم المكوِّنين (قوى الحرية والتغيير، والمجلس العسكري).
فمحاولة تجاوز حركات الكفاح المُسلَّح بعد الدمار الذى لحق مناطقها أمر لا يمكن حدوثه إلَّا إذا كانت تلك المناطق ليست جزءاً من السودان و لا يهمه أمرها .. أو يرى الكاتب إنه ينبغي لها أن تظل تدفع ثمن أخطاء الإسلاميين و إن على الحركات القبول بالظلم و بالأسباب و العوامل التي ولَّدت و تُولِّد ذلك التمييز و الظلم من أجل سواد عيون الإسلاميين، و رؤيتهم و حوجتهم للسلام القائم على الظلم و نجاح الفترة الإنتقالية من منظورهم على حساب قضايا المُهمَّشين.
المقال مليئ بالتناقضات .. و الواقع فرض عليه أن ينحو نحو “التزييف” فى الدفاع عن حيدر إبراهيم عكس منطق الأشياء، و مُهاجمة حركات الكفاح المُسلَّح، لينتهي بنقد نفسه. وعليه أن يوضِّح كيف تتم تفكيك هياكل الإنقاذ و التخلُّص من أعداء الثورة، و مُحاسبة الذين أجرموا فى ظل نفس قوانين الشريعة التي إجتهدوا لتطبيقها و مكَّنتهم من السيطرة على مفاصل جهاز الدولة و كل مقدرات البلاد الإقتصادية و هو يتحدَّث عن الخراب الإسلاموي ؟ أى تناقض هذا الذي يصدر من ذات العقل ؟.
أخيراً : على الكاتب أن يُجيب على هذه الأسئلة :
1/ ماذا تعني بالسلام قبل مُخاطبة جذور الأزمة والتي أهم عنصر فيها هو إستخدام الدين فى السياسة و العنف و العسكرة و الإبادة ؟.
2/ و هل فشل الفترة الإنتقالية سببه موقف الحركة الشعبية و مطلب العلمانية ؟ إذن لماذا فشل ثوار أكتوبر 1964 ؟ أو ثوار أبريل 1985 ؟ هل كان ذلك بسبب مطلب العلمانية وقتها أم كان بسبب الإسلاميين و تدخُّل العسكر ؟.
3/ ألم تكن تعرف أو تشعر بمُعاناة النازحين و جروح المكلومين قبل مُطالبة الحركة بالعلمانية، و ما هو دور الشريعة الإسلامية فى الإبادة والتَّطهير العرقي، وفي تنزيح و مُعاناة هؤلاء المواطنين؟.
4/ ما الذى يضع البلاد على طريق الخراب و حافة المجهول ؟ مطلب العلمانية أم قوانين الشريعة الإسلامية و الإسلام السياسي ؟.
5/ هل تعي أنت حساسية المرحلة و لك الإستعداد لدفع ثمن السلام لتضمن نجاح الفترة الإنتقالية؟ و هل نجاحها مسؤولية الحركات ؟.
أعداء الثورة هم دُعاة الشريعة الإسلامية و القوانين الدينية، وغير الراغبين في إقامة دولة علمانية تفصل بين الدين والدولة. ويُمكن أن تُضيف إليهم الذين يتماطلون في التفاوض ويرفضون دفع إستحقاقات السلام إن شئت.