وقذفت مراحيض دولة الجلابة – إبن شقيقة عقار نموذجا (2-2)
أنس آدم - إشتراوس
مواصلة للمقال السابق، الذى دحضتُ فيه إدعاءات وأكاذيب أحمد العمدة – حاكم السلطة الإنقلابية بإقليم الفونج، وأوضحتُ من خلاله الحقائق للرأي العام حول الأحداث المؤسفة التى شهدها دار فونج – النيل الأزرق. ندلف إلى الأبعاد السياسية The political dimensions للأزمة في الإقليم، وهى بالتأكيد ذات صلة وإرتباط عضوى كما أشرتُ فى المقال السابق، بالقضايا الجوهرية – المصيرية، التى تشكل جذورا تاريخية للمشكلة السودانية، وفى مقدمتها أزمة الهوية الوطنية، علاقة الدين بالدولة، نظام الحكم، المركزية الإسلاموعروبية، العبودية وتجارة الرق، والتهميش بكل أنواعه ..الخ.
المتابع الحصيف لأزمات البلاد المستفحلة، يمكنه الإدراك أن كمبرادورات الدولة السودانية – النخبة المركزية التى ورثت السلطة والثروة في أعقاب خروج المستعمر، ما تزال مستمرة فى سياسات الهيمنة – تكريس السيطرة وإحتكار السلطة. فقد درجت النخب الإنتهازية على إستهداف الشعوب السودانية المهمشة فى الأرض – الهوية – والموارد، خاصة أقاليم دارفور، جبال النوبة، شرق السودان وبالإضافة إلى دار فونج. فقامت هذه النخب بإشعال الحروب العنصرية في تلك الأقاليم. فما جرى ويجري الآن في إقليم الفونج، ما هو إلا إمتداد لسياسات وإستراتيجيات الإستهدافات الممنهجة والمنظمة التى تتبعها الأنظمة – مؤسسة الجلابة وما تزال، تجاه السكان الأصليين بالإقليم، على أساس الهوية والموارد – ما يُعرف فى القاموس السياسى السوداني بـ”حروب الموارد والهوية”. فإزاء ذلك عملت دولة المركزية الإسلاموعروبية، على الآتي:
1. إعادة إنتاج المجموعات الزنجية – السكان الأصليين فى الإقليم داخل الحقل الإسلاموعروبي، وذلك من خلال سياسيات الأسلمة والإستعراب القسرية. فهنالك شواهد شاخصة للعيان، ممثلة فى إجبار وإرغام تلاميذ/ت المدارس للتحدث باللغة العربية بإعتبارها لغة رسمية للدولة، بدلا من لغاتهم الأصلية، فضلا عن تغيير – تعريب أسماء إنسان الإقليم المنكوب، القرى والمدن. فهنا، دعونى أذكر بعض المدن والمناطق التى تعرضت لسياسات التعريب “تغيير الأسماء”. فعلى سبيل المثال وليس الحصر: مدينة الدمازين، بلغة السكان الأصليين – أصحاب الأرض التاريخيين تُسمى بـ”داما أمزينق” وتعنى أمسك الفأر. وكذلك منطقة “فازوغلي” التاريخية التى تسمى بلغة الشعوب الأصلية بـ”فا زاغلو” وتعنى بالعربية “رجال هذه الأرض”. عوضا عن ذلك، فإن المنهج التعليمي الذى يفترض أن تكون مرآة يعكس الهوية الوطنية للدولة، إنبنى على أساس إنكار واقع التعدد والتنوع الذى تتسم به الدولة السودانية وبالمقابل تم فرض الهوية الأحادية الإقصائية أو ما يُسمى بالثوابت الوطنية “العروبة والإسلام”.
2. تنفيذ مشروعات ومخططات التغيير الديمغرافي ضد الشعوب الأصلية فى الإقليم. لا سيما منظومة الجبهة الإسلامية القومية التى نظمت حملة هجرات ممنهجة لأعداد كبيرة من جماعات إثنية محددة ومعلومة “الهوسا” من غرب افريقيا إلى دارفونج – النيل الأزرق، وتوطينها وتمليكها أراضى شاسعة، على حساب أصحاب – ملاك الأرض التاريخيين. لتتسع دائرة سياسة التغيير الديمغرافى، التى بلغت أقصى درجاتها هذه الأيام، بالدعم والمساندة التى يقدمها عقار – بوق مؤسسة الجلابة بالإقليم، إلى مليشيات الهوسا المسلحة، التى إرتكبت فظائع وإنتهاكات واسعة ضد السكان الأصليين، بهدف تشريدهم وتهجيرهم قسريا من مناطقهم وقراهم الأصلية والتاريخية.
3. إتباع سياسة الأرض المحروقة The scorched land policy التى شن بموجبها نظام المؤتمر الوطنى حربا عنصرية وطاحنة ضد شعب الفونج، مستخدما الآلة العسكرية الفتاكة، من هجمات أرضية بواسطة القوات المسلحة ومليشياتها على الأبرياء (نساء، أطفال وكبار السن)، وقصف جوي قضى على الأخضر واليابس.
4. إستخدام مشروع تعلية خزان الروصيرص كأداة وسلاح فى تنفيذ مخططات الإبادة الثقافية والتطهير العرقي. وفى ذلك، أعطى عقار الضوء الأخضر لقيام المشروع الذى تسبب فى تشريد وتهجير ما يربو على ال “500” ألف نسمة من الشعوب الأصلية، بشهادة منظمات إقليمية ودولية، أثثبت تقاريرها، أن ما حدث يرتقى لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. عوضا عن ذلك، فإن مشروع تعلية خزان الروصيرص الذى قام على أنقاض وأشلاء شعب الفونج أدى إلى تدمير المناطق والقرى التاريخية والمعالم الأثرية التى إرتبط بها شعب الإقليم وجدانيا وروحيا. “منطقتي فامكا وجبل كرمة الواقعتان على الشريط النيلى نموذجان ماثلان أمامنا”. فهذه الإستهدافات الممنهجة والمستمرة على نحو يهدد هوية ومصير السكان الاصليين، تم بإشراف وتواطؤ عقار مع نظام الجبهة الإسلامية القومية – المؤتمر الوطني.
عزيزى القارئ، وللكثيرين الذين لا يعرفون إلا القليل عن أحمد العمدة – ذيل السلطة الإنقلابية بالإقليم، فإن إنتكاساته ومواقفه المخزية لا تحصى ولا تعد، نذكر منها ما يلي:
١. هروبه من إحدى المعارك التي دارت بين الجيش الشعبى وقوات دولة الجلابة بمقاطعة قيسان، إبان حرب التحرير الأولى – تسعينات القرن الماضي، بالرغم من إنتصار الجيش الشعبى فى تلك المعركة، مقدما مبررات واهية بأنه طويل الساقين وبالتالى سيكون فى مرمى النيران – الرصاص الحي وهدفا سهلا للعدو الذى إرتضى بمحض إرادته، أن يكون فى حضنه وكنفه اليوم.
٢. تسببه بسوء نية مبيتة وقذرة فى إستشهاد البطل والقائد جعفر جمعة رزق فى معركة أبوقرن فى خريف العام 2011، فى ظل ظروف غامضة. تلك المعركة التى إستبسل فيها قوات الجيش الشعبى، مما يفتح الباب على مصراعيه لتقديم وطرح العديد من التساؤلات المنطقية، حول الأسباب الحقيقية وراء تعنت وتقاعس، بل ورفض أحمد العمدة وقتذاك إرسال الدعم والتعزيزات العسكرية للجيش الشعبى فى تلك المعركة.
٣. فى سعى خبيث منه ومخطط جرى طبخه على نار هادئه لإضعاف وتصفية الحركة الشعبية والجيش الشعبى، فقد سطا أحمد العمدة على موارد وأموال الحركة الشعبية والجيش الشعبى. (حيثيات فراره بطائرة خاصة، من مطار مدينة الكرمك إلى يوغندا بعد إرتكابه جريمة وفضيحة نهب وإختلاس كامل مرتبات الجيش الشعبى فى العام 2011).
٤. فى صفقة سرية تعد خيانة عظمى للثورة ومؤامرة خطيرة ضد الحركة الشعبية والجيش الشعبى، قام أحمد العمدة بإيعاز من خاله عقار بالتنازل عن، وتسليم مدينة الكرمك التي حررت بدماء مقاتلى الجيش الشعبى الأشاوس، ودموع النساء والأطفال، قام بتسليمها والتنازل عنها للعدو – نظام المؤتمر الوطنى آنذاك، دون معركة أو مقاومة تذكر.
٥. القيام بمهاجمة مواطنى الفونج/ النيل الأزرق بالأسلحة الخفيفة والثقيلة فى معسكر دورو للاجئين فى وضح النهار بتاريخ 25 مايو 2017 بدولة جنوب السودان، وذلك لإخضاعهم وإرغامهم على إتباع عقار كالقطيع ودعم وتأييد مواقفه الإنتهازية، المضادة للثورة والمناوئه للحركة الشعبية.
لا شك أن ما أوردته فى السطور أعلاه، حول خيبات وإنتكاسات أحمد العمدة ما هى إلا رأس جبل الجليد من إنبراشاته ومواقفه المخزية التى سلجت على صفحات تاريخ النضال والثورة. لذلك يمكنني القول بملئ الفم، أن مجموعة عقار الجلابوية الآن، لا تعدو كونها دمية Puppet – أداة Tool فى أيدى الطغمة العسكرية الإنقلابية The Military Junta وقوى الهبوط الناعم، لفرملة عجلة التغيير وإجهاض الثورة.
فأين كان عقار، عندما إنطلقت الشرارة الأولى للمشكلة فى دار فونج بالتصريحات العدائية والتراشق الإعلامى بين الأطراف المتصارعة قبل ثلاثة أشهر من المواجهات الدامية؟. ولماذا تقاعست حكومة الإقليم الإنقلابية فى نزع فتيل الأزمة، من وقت مبكر؟. أليس بمقدور حكومة إبن شقيقة عقار، طرح مبادرات وخلق منصات للحوار بين مكونات الإقليم المتنازعة؟. ولماذا تهربت وتنصلت حكومة السلطة الإنقلابية بالإقليم من المسؤولية الملقاة على عاتقها؟.
كان لزاما على مافيا عقار التي وقفت فى الجانب الخطأ من التاريخ بدعمها ومشاركتها فى إنقلاب 25 أكتوبر 2021، أن تتحلى بالشجاعة وتقدم عتذارا صريحا للشعوب الأصلية المهمشة بسبب الجرائم التى إرتكبتها بحقها، وتوقيعها على صفقة سلام جوبا التي فشلت فى وضع نهاية منطقية للحروب ولم تحقق مثقال ذرة من الأمن والإستقرار الذى ينشده المواطن البسيط. ينبغي لمجموعة عقار الإعتراف والإقرار بفشلها بدلا من البحث عن شماعة للتغطية على جرائمها التى يندى لها الجبين وحالة التشرزم والإنقسامات الداخلية الحادة التى ضربت صفوفها وتسببت فى تقزيمها وتلاشيها إلى أن تبقت فئة قليلة تائهة ومتسولة فى شوارع وأزقة مدينة الدمازين، مستخدمة إسم الحركة الشعبية كلافتة للإتجار والإستثمار السياسى بغية تمرير الأجندة السياسية القذرة وتحقيق مطامعها ومصالحها الذاتية.
خلاصة الحديث، تأتي إدعاءات وإتهامات أحمد العمدة، للحركة الشعبية ورئيسها القائد عبد العزيز آدم الحلو، مقروءة مع المواجهات الدامية الآن فى دار فونج، في سياق مواصلة قوى الثورة المضادة، حملة شيطنة Demonizing الحركة الشعبية لتشويه صورتها ورسم صورة سالبة عنها، لا سيما وأنها أضحت قوة رئيسية ورقم في المعادلة السياسية السودانية، من الصعوبة بمكان إن لم يكن مستحيلا تجاوزه.
جبدي – الأراضي المحررة
20 أكتوبر 2022