ودالنورة: الحساب ولد وبت
منذر مصطفى
باحث بمركز السياسات العامة – السودان ، 9 يونيو 2024
دخلت حرب قرصنة السلطة بالسودان مرحلة جديدة بغاية الخطورة، بعد استباحة قوات الدعم السريع لمنطقة ود النورة غرب ولاية الجزيرة التي خلفت مئات القتلى والجرحى، تحت مبررات حسم مواطنين مسلحين يعترضون طريق تحركها لمنطقة المناقل غرب الجزيرة، التي هرب إليها حاكم الولاية بعد أحداث ديسمبر 2023، في ود مدني، ولمن يعرف تضاريس المنطقة جيداً يعلم بآن القوات لم يكن هدفها ما قالت، بل غاية أخرى وهي التعامل مع حالة فقدانها التحكم والسيطرة على قادتها الميدانيين وطالما أرادت إعادة (كيكل) لبيت طاعتها لكن دون جدوى، لا سيما بعد رفضه التوغل غرباً لتسهيل مسحه من الخارطة بيسر، وتفضيله التوجه للإقليم الشرقي لزيادة حجم قواته من قبائل البجا، التى تُحضر نفسها للتحالف معه بمباركة (البرهان).
يعد (كيكل) منافس شرس لـ(حميدتى)، حسب تقديرات أجهزة المخابرات التى دعمته وكون قواته تحت رعايتها، كما فعلت من قبل مع قائد الجنجويد (موسى هلال) وخليفته من بعد ذلك أطلقت وسم (قدس)، في إشارة للطابع الايدولجي للقوات، وفتحت لها مسارات أمنه للنمو والتوسع، التى سوف نكتشف بأنها كانت باهظة وفظيعة وجريمة ممتدة في حق السودان وأهله، لكن حسابات عسكر السودان لها معايير آخرى، ليست مبادئ وحقوق الإنسان من ضمنها بأي حال من الأحوال.
مجزة (ودالنورة) البشعة أوضحت بأن قوات (حسبو) لا تتورع عن إرتكاب الفظائع لا سيما بعد التطمينات التى جاءت من قادة نظام الـ30 يونيو 1989 بإعادة إمتيازاته كاملة في إتفاق وشيك لتقاسم السلطة يحتاج منه لإبراز قدرته في التحكم والسيطرة على القوات، يبدو انه يواجه صعوبة في فعل ذلك وأراد ان يجعل من ولاية الجزيرة ساحة لإختبار قدراته، وأسمعى يا جارة، ولمن لا يعرف حسبه ورهطه عليه مراجعة ما رشح عن أحداث 1999، ما يسمي شعبياً بـ( المفاصلة) وهو إنقسام على أساس عرقي بتنظيم الاخوان، كان يتوقع أن يؤدي لصراع مسلح بالخرطوم لكنهم فضلوا العمل العسكرى على إرث (بولاد)، لكي لا يخطف (قرنق) السلطة منهم، وتوسعت العمليات العسكرية وولدت حركة (خليل)، على أن تستمر العناصر المدنية في إنتظار الوقت المناسب لتصفية الحسابات.
لقد فاجأت ثورة ديسمبر 2018 الجميع وأوجدت مشروع وطني سمته الحرية، والسلام والعدالة، مما اعتبرته المجموعات المستضعفة بالنظام البائد تعالي أخلاقي على إستحقاقها بالإنتقام، وفسرته المجموعات الباغية بأنه خيانة توجب معاقبة الشعب والغرماء، وسرعان ما تحرك أركان النظام المخلوع للالتفاف على تطلعات الشعب بموجة يأملون أن ينسى الملايين أحلامهم وحقوقهم المشروعة والعودة لبيت الطاعة والخنوع مرة اخرى، ولم تكن عملية تسليم السلطة لأحزاب التوالي سوى بداية نموذجية للتحضير لإنقلاب اخر، لكن حجم المرارات جعلت ليس من السهل تخطيها، لقد شكل تاريخ من عدم الثقة بين مراكز القوة في العصابات التى حكمت اكثر الـ30 عام الماضية منفردة، تصدعاً عميقاً في تماسكها الأيدلوجي وحتى قدرتها على التسويات البرغماتيه، وشكل الصراع العنيف حجر عثرة أمام أي فرصة للإلتقاء الحميمي، وتعاظم هذا الخطر بعد عودة طلائع (نميري) كلاعب سياسي وعسكري لا يستهان به بعد نسي وتناسي الناس فترة حكمهم.
لن تكون مجزرة (ودالنورة) آخرها، لكنما المتوقع أن يلجأ كل طرف لإثبات مدى قسوته في إرتكاب الفظائع ، ليؤكد لعديمي الأخلاق ومنزوعي الضمير الذين يشكلون السواد الأعظم من (البلابسة)، بأنه القادر على قيادتهم في المرحلة القادمة لمواجهة أي تهديد محتمل قد يجعل السودان يخطؤ اى خطوة للأمام، نعم لا يريدون أي مظهر من مظاهر الدولة التى تحترم الإنسان فالجميع عبيد لهم ويجب أن يكونوا كذلك، وسوف يرفعون الكلفة الإنسانية لاقصى مدى من أجل استعادة الرأي العام كما زين لهم سيئ الذكر: امين حسن عمر.
وسط كل ذلك تشكل وعي جمعي جديد للمجتمع، قد لا يلاحظه المتخم بالياس من مستقبل السودان المشرق، ويواجه معظم الحادبين صعوبة في فهم مآلاته، لكن الحال وما به يحمل بشريات بأننا وعينا الدرس كشعب ولدينا رغبة وعزم على قبر شبكات الفساد وواجهاتها مرة واحدة وللابد، والحساب ولد وبت.. وقرب شديد.
هل أتاك حديث الشعب للبرهان في المناقل؟.