هل من شركاء وضامنين دوليين لسلام جوبا؟ (2- 2)اتفاق سلام جوبا يحتاج من 10 إلى 15 مليار دولار لتنفيذه وتطبيقه
بقلم/ أحمد حسين آدم:
ناقشت اتفاق سلام جوبا مع عدد من أصدقائي المتخصصين في الاقتصاد، خاصة اقتصادات الحروب والسلام مثل الدكتور حامد التيجاني علي، أحد عمداء معهد الدوحة للدراسات العليا، وجميعهم اتفقوا على أن اتفاق سلام جوبا يحتاج من 10 إلى 15 مليار دولار لتنفيذه وتطبيقه. وهذا بالطبع يشمل الإنفاق على بنود التعويضات الجماعية والفردية وجبر الضرر وعودة النازحين واللاجئين والمساعدات الإنسانية وإعادة البناء والإعمار والتسريح وإعادة الدمج للمحاربين السابقين من منتسبي الحركات المسلحة، والمؤتمرات المتعلقة بتنفيذ الاتفاق وتمويل إنشاء وتشغيل مستويات الحكم الجديدة بعد الاتفاق على إعادة العمل بنظام الحكم الإقليمي الذي كان سائدًا قبل نظام الرئيس المعزول عمر البشير. فالسؤال المُلح هو: من الذي سيدفع ثمن السلام؟ بكلمة أخرى: من الذي سيدفع ثمن تطبيق اتفاق السلام؟ الإجابة المباشرة والنموذجية على هذا السؤال هي: أن الشعب السوداني هو الذي عليه دفع ثمن السلام لضمان وحدة ومستقبل كيانه، وذلك على الرغم من الظروف الاقتصادية الموروثة من النظام السابق، إضافة إلى أزمة كورونا التي عمقت الأزمة الاقتصادية.
لكن هنالك كذلك مسؤولية أخلاقية تقع على عاتق المجتمع الإقليمي والدولي الذي يجب عليه دعم سلام السودان. ذلك لأن استقرار وأمن وسلام السودان هو جزء من الأمن والسلام والاستقرار الإقليمي والدولي. لذلك – حسنًا – فعلت أطراف اتفاق سلام جوبا التي قررت أن تطوف على بعض العواصم الإقليمية للاجتماع بقادتها لحثها وتشجيعها على دعم وضمان وتمويل اتفاق السلام الذي أنجز في جوبا، خاصة أن هذا الاتفاق حتى الآن يفتقر إلى الضامنين والمانحين كما بينا، الأمر الذي يحتم على أطرافه وضع وتنفيذ خطط وبرامج واضحة لاستقطاب الضامنين والمانحين. ذلك لأنه بغير ذلك سيصبح الاتفاق مهددًا بالفشل والانهيار، الأمر الذي سيدفع السودان إلى سيناريوهات الحرب الشاملة والفوضى والتفتيت، وبالنتيجة سيهدد الأمن والسلام الإقليمي والدولي.
كما ذكرنا آنفًا، فإن البحث عن الضامنين والمانحين الإقليميين والدوليين ليس أمرًا جديدًا في تاريخ تجارب صناعة وبناء السلام في العالم. فحتى التجارب القريبة في السودان تدعم هذا المسعى، فمثلًا هنالك تجربة اتفاقية السلام الشامل التي وقعت بين نظام المخلوع البشير والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الراحل الدكتور جون قرنق دمبيور في يناير 2005، فقد توفر لتلك الاتفاقية عددٌ من الضامنين والمانحين الإقليميين والدوليين الذين ساهموا بسخاء في تمويل بنود الاتفاقية وضمان تنفيذها. هنالك كذلك تجربة أخرى قريبة في هذا السياق، وهي تجربة اتفاقية الدوحة للسلام في دارفور التي وقعت في 2011، حيث لعبت دولة قطر دورًا كبيرًا في مساعدة الأطراف آنذاك لإنجاز اتفاقية الدوحة للسلام في دارفور. لكن لم يتوقف دور قطر عند تلك المرحلة، فقد تابعت مساعيها في مرحلة دعم وتمويل تنفيذ اتفاقية السلام. بكلمة أخرى، أن الدوحة استمرّت في دعم وتمويل مرحلة بناء السلام كمدخل لإعادة الإعمار والبناء والتنمية واستدامة السلام في دارفور، حيث ساهمت قطر بمبلغ 88.5 مليون دولار كجزء من مساهمتها في تمويل مشاريع الإنعاش المبكر من أصل 177 مليونًا والذي كان ينبغي أن تدفعه حكومة المخلوع البشير آنذاك. هنالك كذلك المشاريع التي نفذتها المنظمات القطرية غير الحكومية مثل منظمة قطر الخيرية، وكمثال لهذه المشاريع نجد المجمعات الخدمية والقرى النموذجية. هذا بالإضافة إلى المساعدات والمشاريع التي قدمتها دولة قطر في بقية أرجاء السودان، منها المساعدات السخية التي قدمتها الدولة نفسها في مجال مكافحة جائحة كورونا ومواجهة الفيضانات الأخيرة التي اجتاحت مناطق واسعة من السودان.
أعلاه بعض النماذج الناجحة التي يمكن أن تشجع الأطراف السودانية على وضع وتنفيذ خطة دقيقة وواضحة لإقناع المجتمع الإقليمي والدولي لضمان وتمويل اتفاق سلام جوبا وأي اتفاق سلام لاحق. لكن لكي تنجح الأطراف في استقطاب المانحين والضامنين يجب أن تتوحد أطراف القوى الموقعة على اتفاق السلام وأن تقدم نموذجًا مسؤولًا في القيادة النزيهة والشفافة التي لا تميّز بين مواطنيها. كما يجب أن تقدم الأطراف السودانية نموذجًا في الطهر والأمانة ونكران الذات وأن تركز على استقطاب المشاريع والمنح التي يستفيد منها الضحايا والمتأثرون بالحروب والمهمشون والفقراء من شرائح الشعب، ليست المساعدات المالية النقدية وغيرها التي تذهب إلى جيوب القادة والمتنفذين. من ناحية أخرى يجب على أطراف الاتفاق إشراك المجتمع المدني وروابط واتحادات السودانيين المهاجرين (الدياسبورا) في أرجاء العالم