هل ستظل مسألة علاقة الدين بالدولة خيار شعبى ، أم ستواصل النخب السودانية إدمان الفشل ؟

مقبول الأمين (كوكامي)

 

علاقة الدين بالدولة والتشبث بالأصول العرقية, ليست هذه العوامل مشكلة في ذاتها (وإلا لما توحدت شعوب أخرى غيرنا رغم فوارقها الدينية و العرقية) وإنما بسبب الاستغلال السياسى, أو لعدم شجاعتنا في مواجهة رواسبها. إختلاف الاديان أو الإثنيات في حد ذاته امر محايد, ولا يصبح مشكلة ألا عندما يستغل إما للتمايز بين إثنية و أخرى, أو لأغراء الطوائف الدينية بعضها البعض. في كل هذه الحالات يجئ الاستغلال إما لأغراض السياسة أولتكريس حقوق إكتسبت.
فالدين: “حقيقة من حقائق الحياة في كل المجتمعات لا يملك أحد أن ينفيها بل لا مصلحة شخص فطن أن يفعل هذا. الذين سعوا لذلك أستبدلوا الأديان السماوية بديانات أرضية لما تقوى على البقاء. فالاديان ظاهرة أزلية و أبدية ابتدعها الإنسان لإرضاء فضوله المعرفي في إستقصاء أصل الوجود و منتهاه. الدين يجب أن يبقى حيث ينبقي أن يكون; علاقة بين الفرد و ربه, و منظومة قيمية تضبط سلوك المؤمنين به في حياتهم الدنيا, و ما شرائع الارض جميعا إلا انعكاس لشرائع السماء. هذا التمييز بين شئون الدين و شئون الدنيا يدعى ” علمانية ” أو ” فصل بين الدين والسياسة “, فالهدف منه أولاً و أخيراً هو التمييز بين أمور الحياة بمتغيراتها الدنيوية, و بين ثوابت الدين بمسلماتها الغيبية “.
لذلك فشل النخب السودانية في كل شئ كما وصفهم الراحل د\ منصور خالد في كتابه “النخب السودانية و إدمان الفشل”. فشل في تحقيق الوحدة, و فشل في تحقيق الإستقرار السياسي, و فشل في تحقيق التنمية, و حتى كتابة هذا المقال فشل في صناعة قرار تاريخي شجاع يفضي بتاكيد و تحيقيق مبدا علاقة الدين بالدولة و إرثاء سبل السلام و الاستقرار بالدولة السودانية و إيقاف صوت البندقية. لهذا هنالك ضرورة لأن يعود أهل السودان إلى منصة التأسيس لمعالجة كل أمراض الوطن التى عجزوا عن معالجتها منذ الإستقلال بهدف خلق سودان جديد يقوم على إدراك حقيقي للذات, و إعادة لهيكلة السياسة و الإقتصاد, و إنها لكل أنواع الهيمنة. قبل الخوض في مسألة النخبة الحاكمة و إدمان الفشل في صناعة القرار,علينا بالرجوع الى نظريات صناعة القرار و أسس تطبيقها.
المدرسة السلوكية : تعتمد على نظرية التعلم الشرطي الفاعل و فيها كثير من التشابه مع فكرة الجين الأناني بحسب نظرية الإختبار الطبيعي توزع الجينات عشوائياً بين البشر و يتم إختيار أكثرها كفاءة أو التى تحمل صفات الأكثر قدرة على الحفاظ على إستمرار النوع البشري. نفس الشئ يحدث في السلوك الإنساني, فكل تصرف تعقبه مكافاءة يتم تعزيزه و يترسخ كنمط سلوكي متكرر, و العكس بالعكس فكل تصرف يعقبه عقاب يثبت و يندر أن يتكرر مرات أخرى. الطبيعة تختار الجين الأكثر كفاءة و الشخص يختار السلوك الجالب للمنفعة و يتجنب السلوك المستوجب العقاب. تبعاً لهذه المدرسة يعتبر تعلمنا لمعظم العادات في الكلام و الأكل و الحب مرتبطاً بالتعلم الشرطي الذي يمكن بعد ذلك أن ينقل من جيل إلى جيل و من ثم ينشأ إلتزام البشر بالعادات التى تعلموها و لو في أجيال سابقة. يحدث في بعض الأحيان و بالصدفة البحتة أن سلوكا ما تعقبه مكافأة غير مقصود. أي أنه لا توجد بين السلوك و المكافأة علاقة مباشرة كل ما يجمع بينهما هو الصدفة البحتة. في هذه الحالة يتكرر السلوك و يرتبط بفكرة التشاؤم أو التفاؤل من هذا المكان أو الشخص دون أن يكون للمنطق دور في تفسير هذه العلاقة.
المدرسة المعرفية: يحدث مراراً أن تؤتي سلوكاً لم يسبق لك أنك تعلمته, كأن تهرب من خطر النيران مثلاً أو تعبر الشارع ثم تسرع بالعودة إلى الرصيف مرة أخرى إثر رؤية سيارة قادمة بسرعة في نفس الاتجاه. القرارات في هذه الحالة ليست مبنية على تجارب سابقة و لكنها مبنية على عملية عقلية و نتائجها تكون أكثر نجاحاً و أقرب للصواب كلما ارتفعت القدرات المعرفية للشخص حتى تؤهله للتوقع الصائب للنتائج. إتخاذ القرار بحسب المدرسة المعرفية يمر بعده خطوات … أولاً يستقبل الشخص المثير الحسي (رؤية السيارة قادمة في نفس الإتجاه). ثم عملية الوصف (هذه سيارة مسرعة لونها أزرق) ثم عملية التدقيق (السيارة تعقبها سيارتان وواحدة من الخلف على وشك أن تتجاوزها) ثم استعراض عدة إحتمالات و بدائل ( أعود مرة أخرى إلى الرصيف/أبقى في مكاني/أجري مسرعاً إلى الضفة الأخرى من نهر الطريق), ثم اختيار واحدة من هذه الخيارات يعقبها وضع الخطة ( تحويل القرار إلى خطوات عملية) و أخيراً الفعل (تنفيذ الخطة التى استقر عليها العقل). هكذا تسير الأمور بحسب المدرسة المعرفية في صناعة القرار.
من نظريات صناعة القرار و أسس تطبيقها, نستمد الاتى إما أن نتخذ قراراً بناءاً على التعلم الشرطي الفاعل و يكون مبنياً على تجارب سابقة, أو قرارات بناءاً على القدرة المعرفية و تكون مبنية على عملية عقلية و نتائجها تكون أكثر نجاحاً و أقرب للصواب كلما ارتفعت القدرات المعرفية للشخص حتى تؤهله للتوقع الصائب للنتائج. و هذا يقودني الى السؤال الجرئي هل النخب الحاكمة في الدولة السودانية منذ الاستقلال تبنئ قراراتها بناءاً على نظريات صناعة القرار و أسس تطبيقها ؟ ……….. أم تبنئ قراراتهم بناءاً على التخبط الايدولوجي كما نشاهده في اروقة السياسة السودانية.
لذلك إستمرارية و تعند النخب الحاكمة في الدولة السودانية كما تتعابونها عن كثب في تحفظهم على علاقة الدين بالدولة و حق تقرير المصير التى طرحتها الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال بقيادة الرفيق القائد عبدالعزيز أدم الحلو. مما أدى إلى تاخر التوقيع على إعلان المبادي و الشروع في الاتفاق للوصول إلى سلام شامل و مرضي يلبي تطلعات جماهير شعبناء الابي. و لا يزال وفد الحكومة المفاوض يراوق و يواصلون في نقد العهود و التنصل الهزيل في الوثيقة الموقعة بين رئيس الحركة الشعبية القائد عبدالعزيز الحلو و الدكتور عبدالله حمدوك رئيس مجلس الوزراء. و يستمر تعنتهم الخجول في أخر ورشة غير رسمية تم عقدها بين وفدي التفاوض و حضرها خبراء دولين, لتقريب وجه النظر حول نقاط الخلاف بين وفدي التفاوض (وفد الحركة الشعبية- شمال و وفد الحكومة).
في حال أستمرار النخب السودانية و إدمان الفشل في صناعة قرار تاريخي شجاع و ممارسة حنكة سياسية تفضي إلى وضع حل جزري لعلاقة الدين بالدولة (العلمانية), و عدم تقبل مصلحة و إرادة الشعب,لذلك لن يقبل المواطن أن يعيش في وطنه في الدرجة الثانية او الثالثة , كل ذلك سوف يقود البلاد الى السيناريوهات المتوقعة أدناه:
مد عمر الحرب و إعلى صوت البندقية.
تاخر التنمية و تداهور الإقتصاد.
تمزق النسيج الإجتماعي بين ابناء الشعب الواحد.
حق تقرير المصير لكل الشعوب السودانية خاصة الاقاليم الثلاث (إقليم جبال النوبة, إقليم الفونج و إقليم دارفور)

دمتم و دام نضالات الشعب السوداني
النضال مستمر و النصر أكيد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.