هل خاطبت التسوية السياسية تطلعات الشعب، أم طموحات النخب؟ (1)

مقبول الأمين (كوكامي).       

يقول عبدالعزيز آدم الحلو: “أن العملية السياسية الجارية فى السودان يجب أن تقود إلى إنهاء الإنقلاب وتحقيق السلام الشامل فى السودان، وليس إستعادة الشراكة القديمة. و في نفس الصدد أكد الحلو أن ما يهم الحركة الشعبية هو مخاطبة جذور المشكلة وتحقيق السلام الشامل، وليس تقسيم السلطة بين النخب السياسية”.

ما هي التسوية السياسية؟:              

برزت عملية تسوية الصراعات منذ نشأة المجتمعات الإنسانية التي شهدت حالات من الصراع والتعاون؛ مما أبرز أهمية تسوية الصراعات التي قد تنشب بينها بالطرق السلمية – تحديدا – تفاديا لحسمها من خلال استخدام القوة العسكرية (القسرية)؛ نظرا للأضرار الكبيرة التي قد تترتب على حسمها، إلا أنه يلاحظ أن مفاهيم التسوية اهتمت تاريخيا بالصراعات بين الدول، وتجاهلت الصراعات الداخلية بسبب مبدأ السيادة، حيث كان لا بد من موافقة الدولة أولا على تدخل المنظمة المعنية، إلا أن الوضع اختلف إلى حد كبير مع انتهاء الحرب الباردة وبروز مبدأ التدخل لاعتبارات إنسانية؛ والذي يجيز للمنظمة الدولية التدخل – حتى بدون طلب الدولة المعنية – في حالة وجود إبادة جماعية، أو جرائم حرب ضد الإنسانية، أو أزمة داخلية تهدد السلم والأمن الدوليين .

لذلك تأتي أهمية تحديد المقصود أولا بمفهوم تسوية الصراعات، خاصة وأنه أصبح مفهوما غير محدد بدقة وسط مجموعة من المفاهيم التي ظهرت في حقل دراسة الصراع أبرزها مفاهيم منع وإدارة وحل الصراع من ناحية، ومفاهيم الدبلوماسية الوقائية ومنع وحفظ وفرض وبناء السلام من ناحية ثانية، باعتبارها الآليات التي تتم من خلالها عملية التسوية. وفي هذا الإطار سوف نتطرق  إلى ثلاثة مفاهيم اي محاور أساسية، نتناول أولها، مفهوم تسوية الصراع وأشكاله المختلفة، و ثانيها، علاقة تسوية الصراعات بمفاهيم منع وإدارة وحل الصراعات، بينما يتناول المحور الثالث والأخير علاقة تسوية الصراعات بمفاهيم الدبلوماسية الوقائية ومنع وحفظ وفرض وبناء السلام.

أولا: مفهوم تسوية الصراع وأشكاله المختلفة:

يخلط بعض الباحثين بين مفهومي تسوية الصراع Conflict Settlement وحل الصراع Conflict Resolution بالرغم من أن منّظري الصراع يميزون بين الاثنين، فتسوية الصراع تعني التوصل إلى اتفاق بشأن بعض القضايا المحددة-من خلال الوسائل السلمية السياسية مثل المفاوضات والوساطة، أو القانونية مثل التحكيم والقضاء بين أطراف الصراع، أو حتى الوسائل العسكرية القسرية دون معالجة جذور الأزمة له. في حين أن حل الصراع يعني حل كل القضايا العميقة (أصول الصراع) وإقامة علاقات متجانسة إلى حد كبير بين أطرافه.ووفقا لجون بورتون John Burton وهو أحد منّظري الصراعات فإن التسوية ترتبط بالقضايا أو المصالح القابلة للتفاوض بشأنها Negotiable Interested، في حين أن حل الصراعات يرتبط بالحاجات الأساسية التي لا يمكن-غالبا- التنازل عنها أو التفاوض بشأنها أو لا بد من حلها معا (الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية للصراع بين المنظومات المختلفة داخل الدولة أو بين الدول بعضها البعض)، ومن هنا فإن التسوية تعني مخرجات الخلافات التي تم التفاوض أو حتى التحكيم بشأنها، في حين أن الحل هو نتاج التخلص من الصراع ذاته بكل أبعاده Outcome of a Conflict. لذا فإن عملية التسوية غالبا ما تكون مؤقتة، في حين أن الحل غالبا ما يتسم بالديمومة، ومن ثم فإن التوصل إليه يستغرق وقتا أطول و إرادة قوية. وهنالك نمطان رئيسيان لعملية التسوية:

الأول: التسوية السلمية:      

وتندرج تحتها التسوية السياسية من ناحية، والتسوية القانونية من ناحية ثانية، ولقد حددت الفقرة الأولى من المادة (33) من ميثاق الأمم المتحدة الوسائل السلمية لتسوية الصراعات الدولية وهي المفاوضات أو التحقيق أو الوساطة أو التوفيق أو التحكيم أو التسوية القضائية أو اللجوء للوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارهم،ودرج الباحثون وخبراء القانون على تصنيف وسائل التسوية السلمية إلى: وسائل سياسية وتشمل (المفاوضات، المساعي الحميدة، الوساطة، عرض النزاع على المنظمات الدولية)، ووسائل قانونية وتتضمن التحكيم والقضاء الدوليين. وهناك عدة معايير لتصنيف الصراع إلى قانوني أو سياسي، لكن المعيار الأهم هو ما يقرره أطراف الصراع أنفسهم، بمعنى هل هو قانوني أو سياسي، ومن ثم يترتب على ذلك اختيار الآلية المناسبة لتسويته. ويلاحظ أن التسوية القانونية أو القضائية- التي يمكن التوصل إليها من خلال اللجوء إلى التحكيم أو القضاء الدوليين- تكون بالنسبة للنزاع الذي يغلب عليه الطابع القانوني Legal Dispute، حيث لا يصلح معه في هذه الحالة إلا اللجوء إلى الأجهزة القانونية والقضائية المختصة، مثل: محكمة العدل الدولية في إطار الأمم المتحدة، أو الأجهزة القضائية التي تم استحداثها سواء في المنظمات الإقليمية القارية أو الفرعية، وإن كانت غالبية الدول لا تفضل اللجوء إلى التسوية القضائية في منازعاتها، وتفضل التسوية السياسية لأن التسوية القضائية لا تعرف الحلول الوسط، فضلا عن إلزاميتها.

ثانيآ: التسوية غير السلمية.         

أي العسكرية عن طريق استخدام القوة المسلحة، وحسم النزاع لصالح طرف من أطراف النزاع، فالتسوية العسكرية (القسرية) فتعني بالأساس استخدام القوة من قبل المنظمة الدولية أو الإقليمية بهدف فرض السلام، وهي من الاستراتيجيات الهامة في عملية إدارة الصراع خاصة بعد وقوعه إذ يتم استخدام القوة بهدف قمع الطرف المعتدي من أجل التوصل لتسوية الصراع. لكن يلاحظ أن معظم التسويات العسكرية القسرية تكون مؤقتة، إذ يمكن النكوص عنها من قبل الطرف الذي تم قهره إذا سمحت له الظروف بذلك، مثل نكوص ألمانيا في عهد هتلر على معاهدة فرساي1919. ومن هنا فهي قد لا تستخدم القوة – بمفردها -في عملية التسوية، وإنما قد يتم استخدامها مع أشكال التسوية الأخرى (السياسية أو القانونية) من أجل تسوية الصراع حسب مقتضيات الأمر الواقع.ويلاحظ أنه منذ انتهاء الحرب الباردة، بدأ الحديث عن استخدام القوة العسكرية ليس من أجل أعمال القمع فحسب، وإنما لأغراض وقائية (منع اندلاع صراع أو انتقاله لدول الجوار كحالة مقدونيا اليوغوسلافية من ناحية، ولأغراض حفظ السلام من ناحية ثانية، إلا أن تسليح هذه القوات في هاتين الحالتين يكون محدودا بالنظر إلى المهام المنوطة بها.

ثانيا: علاقة مفهوم التسوية بمفاهيم منع وإدارة وحل الصراع يرتبط مفهوم تسوية الصراع بمفاهيم منع وإدارة وحل الصراع، حيث يعبر كل منهم عن مستوى معين من مستويات التعامل مع الصراع. وقبل الحديث عن هذه العلاقة ينبغي أولا تحديد تعريف كل منهم:

(1) مفهوم منع الصراع Conflict Prevention

ويعد بمثابة مفهوم وقائي يقوم على الحيلولة دون اندلاع الصراع أساسا أو الحيلولة دون تصاعده. وقد برز هذا المفهوم منذ بداية التسعينات، ويقوم في جوهره على مجموعة من الإجراءات الوقائية التي تتعامل مع مواقف صراعية محددة تتضمن احتمالا قويا بتصاعد أعمال العنف، ومن ثم فهو وثيق الصلة بمفهومي الدبلوماسية الوقائية وصنع السلام. ويشير بعض الدارسين إلى أن هناك عددا من الشروط اللازمة لنجاح جهود منع الصراع، أبرزها وجود شبكة إنذار مبكر توافر دعم مالي كاف لخطوات حفظ السلام اللازمة لمنع الصراع، ووجود رغبة في التسامح بشأن الضحايا والخسائر البشرية التي تكبدها كل طرف من أطراف الصراع، فضلا عن توافر معلومات كافية عن الصراع ككل، وبدون هذه المعلومات فإنه من غير المتوقع لأي صانع قرار أن تكون له مساهمة كبيرة في مجال منع الصراع والدبلوماسية الوقائية، أو القيام بعملية حفظ سلام فاعلة، إذ سيكون الأمر محفوفا بالمخاطر .

2) مفهوم إدارة الصراع  Conflict Management

يعتبر هذا المفهوم مفهوما عمليا يتعامل مع صراع قائم من خلال سلسلة من الإجراءات السياسية والعسكرية، بما يؤدي إلى إبقائه عند مستويات أقل تصعيدا، الأمر الذي قد يؤدي إلى تسويته بصورة نهائية في مرحلة لاحقة، أي إن الهدف من عملية الإدارة كما أشار إليه رحيم Rahim هو الوصول بالصراع إلى حده الأدنى وذلك من خلال تشجيع عوامل بناء الثقة بين أطرافه، وفي المقابل الحد من عوامل الهدم.

(3) مفهوم حل الصراع Conflict Resolution

ويشير إلى الإنهاء الكامل للصراع من خلال معالجة جذور الأزمة له في مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنفسية، ومن ثم فهو بمثابة حالة مثالية إذ لا يكتفي بإنهاء العنف المسلح فقط، وإنما يسعى لمعالجة المسببات الهيكلية والجذرية له عبر فترة طويلة من الزمن، ويتطلب ذلك توافر أربعة شروط رئيسية، هي إدراك أطراف الصراع بارتفاع تكلفته بصورة يصعب تحملها، وضع موعد نهائي لمفاوضات التسوية، وجود طرف ثالث فاعل، والتزام أطراف الصراع بمبدأ الحلول الوسط المتبادلة، وفي المقابل فإن فرص حل الصراع تتضاءل تماما إذا كانت أطراف الصراع أو بعضها-على الأقل- تعتقد بأن تكلفة الصراع يمكن تحملها أو أنها غير مبررة. ووفقا للتعريفات السابقة يمكن القول بأن ثمة ارتباط وثيق بين مفهوم تسوية الصراع بأشكاله المختلفة-خاصة التسوية السياسية والعسكرية-وبين مفاهيم منع وإدارة وحل الصراع إذ يمكن أن تتم التسوية-التي تأخذ غالبا شكل التسوية السياسية-قبل اندلاع الصراع (مرحلة منع الصراع)، أو عند بدايته وتصاعده (مرحلة إدارة الصراع) وذلك من خلال تدخل قوات لحفظ السلام، وهنا نكون بصدد تسوية سياسية، أو فرض السلام (تسوية عسكرية)، وتعد كل منهما مقدمة للتسوية السياسية الشاملة عند مرحلة حل الصراع.

وهناك رأي أخر يربط بين هذه المفاهيم من خلال وضع التسوية السياسية في مرحلة تالية لعملية منع وإدارة الصراع، وقبل مرحلة الحل الشامل، ومن ثم فإن التسوية –وفقا لهذا الرأي-تعني فقط إنهاء الصراع المسلح من خلال اتفاقات تفاوضية،غالبا ما تتم من خلال عملية إدارة الصراع أو نتيجة له، لكن هذا الإنهاء يكون مؤقتا، إلا إذا تمت معالجة كافة جذور الصراع بما يؤدي إلى حله وليس تسويته فقط، وهو ما ذهب إليه بورتون والذي أضاف مفهوما آخر في هذا الشأن، وهو مفهوم تحول الصراع Conflict Transformationبمعنى تغيير العلاقة بين الأطراف الصراعية، وتحولها من العداء إلى التفاهم والتعاون.

نواصل……………..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.