#هل أتاك حديث_الجنود(٢-٥)

الكاتب معاوية الشفيع

قصة في حلقات

–إنت معاي يا دفعة؟؟
قال صديقي بعد هنيهة صمت، اعقبت تنهيدة حارة.
–معاك يا مهاجر، (وهذا هو إسمه).
–معليش، “تقَّلت” عليك بقصصي التعيسة.
–حرام عليك يا دفعة، عليك النبي واصل.
–ما في كلام كتير، لم تكن “بلقيس” قد رزقت بأطفال من زواجها، لذلك عادت إلينا، بكلياتها، كما كانت، داعمة البيت وموجهته، دخلت أختاي اللتان تكبراني مباشرة، الجامعة، وكنت في الثانوي، حينما مرضت “بلقيس” ، بسرطان الثدي، يا دفعة الحالات الزي دي كترت شديد في السودان، ما عارف ليه.. المهم، خضعت لجراحة، علاج كيماوي، إشعاع.. توقفت عن العمل، في الحقيقة لم تعد قادرة عليه، بعنا كل ما يصلح للبيع، إنت فاهمني.. كلتا أختاي، طالبتا الجامعة، إقترحتا ترك الجامعة والعمل بالتدريس، لكني رفضت بشدة وخاصمتهما، ثم اجبرتهما علي قبول ما اراه، حلاً لمشكلتنا، أن اترك انا المدرسة وأعمل، علي ان تواصلا دراستهما، قلت لهما:ان طريقهما علي وشك النهاية، تتخرجان وتعملان، ثم تنهضا بمسؤولية البيت، حينها ساترك العمل، واعود إلي مقاعد الدراسة، وافقتا مكرهتين، وودعتني “بلقيس”، بالدموع. عملت بكل شئ، بمختلف نواحي السودان، قلعت بصل، حشيت تمر، قطعت سمسم، لقطتَّ قطن، طقّيت صمغ، سقت درداقة في سوق بحري المركزي، لعلك تعجب او تظن بي الكذب، إذ تتساءل، كيف تسني لي خوض هذه التجارب القاسية، وانا بتلك السن الصغيرة؟ لكنها الحقيقة، أصلأ، فارقني إحساس الطفولة منذ “رفع فراش” أبي. يازول انا كنت “شفَّاتي” من زمان.. تخرجت إحدي أختي، وطبعأ، لم تجد عملاً، المهم، انتهي بي المطاف، معاكم، في الجيش، لم أجئه من باب:
يا اسماعين ما كان الدّيش،
شدَّ مسيمعك بالجبخانة،
كان المجلس، قِبل اوراقك
أو في الثانوي لقيت لك خانة،
زي ما قال حميد.
جئته بحثاً عن وظيفة مستقرة ودخل ثابت، والباقي “بتجازَف”، عسي ولعل.
ولأنه-اعلم انا، عنه-يرهقه الحديث الجاد والذكريات الأليمة، فيسارع بالهرب من أجوائها، إلتفت إلي بكل جسده، وابتسم قائلاً:
–أها، انتهي بي المطاف، مصاقر “خِلقتك” دي أنصاص الليالي، ونتونس.
–أهلنا بقولوا:”ونسة الضكير للضكير، النوم أخير”.
وضحكنا
–هو، النوم، نحن لاقِنُّو؟؟

بعد محادثتنا هذه بأيام قليلة، وبينما نحن في المعسكر، “الصفافير، ضربت:تيت تريت”، (جمعونا، صفاً، صفا)، تحدث إلينا ضابط ملتحي عن حرب، تدور بين بلدين، بعيدين، لكن علينا نصرة احدهما، قال إن ذلك من واجبنا كشعب، وكبلد، وقال، إن القيادة العليا قررت إرسال قوات محاربة إلي هناك، لكن الامر – حتي الآن- إختياري، فمن كان يرغب في المشاركة منكم، فعليه بتسجيل إسمه في مكتب العمليات، بدءاً من إنتهاء هذا الطابور، وانتهاءاً بظهر الغد. ثم توقف عن الحديث، وتفرس في وجوهنا الواجمة، ثم ابتسم ابتسامة ثعلبية وقال: من يشارك سيحصل علي راتب شهري مجزي، وبالعملة الصعبة كمان، ومن(يستشهد) سيتم التكفل بعائلته، مدي الحياة. هنا تعالت صيحاتنا، فقال الضابط: انصراف.
يتبع

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.