هلال يا نمُّوش، قلت لي دولة “النهر والبحر”؟ هل أنت جاد؟
محمد جلال أحمد هاشم
جوبا – 4 سبتمبر 2021م
يا صديقي هلال النّمُّوش، شكرا لإرسالك لي هذا المقال الذي يتعرض فيه لي كاتبه همزا ولمزا، ثم شتما. قلت لي إن اسمه هو “عمسيب”؛ حسنا! ليته يثبت لنا فعلا أنه عمسيب، اسما على اسم.
لي تساؤلات أرجو لو تملك عليها الإجابة بحسب ما تعلمه عن هذه الطائفة الجديدة، خاصةً أنك قد أرسلت لي مكتوبه هذا، واصفا له بأن من دعاة دولة اسمها “النهر والبحر”.
ولا اعتقد أننا بحاجة إلى النزول عميقا في مياه النقد والتحليل من قبيل ما ذكرناه وكتبناه مرارا وتكرارا، مشيرين إلى أن ظاهرة انهيار الأيديولوجيا the Crash of Ideology (بالنسبة للأيديولوجيا الإسلاموعروبية) سوف تتجلى في بروز مثل هذه الدعوات التفتيتية التي عبرها يمكن للأيديولوجيا المنهارة أن تحقق آخر أحلامها المتمثلة في هدم المعبد بطريقة ” عليّ وعلى أعدائي”، بالضبط كما فعل نيرون الذي حرق روما عندما أدرك أن أوانه قد انتهى. مثل هذا لا نحتاج للدخول فيه. فالموضوع لا يحتاج منا لأي جهد لدحضه أو تفكيكه، أكثر من رفع الأسئلة في وجه دعاة دولة “النهر والبحر” المزعومة.
أدناه بعض أسئلة، أوجهها لك ظاهريا، بينما هي في الحقيقة موجهة إليهم ولعمسيبهم، على أمل أن يثبت لنا وللجميع أنه فعلا “عمسيب”، لا بالعضلات ولا بالشتائم، بل ْعمسيب” في المنطقة وقوة الحجة، ثم أهم شيء “عمسيب” من حيث رجاحة العقل والقدر على التمييز.
أولا، هو الزول دا القلت لي اسمو “عمسيب” دا منو وهو شنو؟ إذ لم اسمع به من قبل، وإني أخشى في هذه الحال أن ينطبق علينا المثل الذي يقول: “لأن تسمع بالمعيديِّ خيرٌ من أن تراه” ! وتحديدا، هل له، أو كانت له، أي علاقة بالكيزان؟ طبعا لا يختلف عاقلان في أنه ينتمي للأيديولوجيا الإسلاموعروبية. وسؤالي هو إذا ما كان كادر واجهة لهذه الأيديولوجيا، أم أنه من الخلايا النائمة التي بدأت ترفع رؤوسها الآن وتكشف عن وجها القناع؟
ثانيا، ما هي، على الأرض، حدود هذه الدولة المزعومة؟ مثلا، من كوستي وسنار نزولا إلى حلفا، ثم منها شرقا إلى البحر الأحمر؟ هل تدخل فيها ولاية البحر الأحمر فقط، أم كذلك تدخل ولايتا كسلا والقضارف؟ إن كانت ولاية البحر الأحمر فقط، فلماذا وكيف وعلى أي أسس سيتم إسقاط ولاية كسلا؟ وإذا كانت ولاية كسلا سوف تكون جزءا من دولة النهر والبحر، فلماذا وكيف وعلى أسس سوف يتم إسقاط ولاية القضارف، هذا علما بأن هذه الولايات الثلاث كانت في الماضي تشكل جميعُها “مديرية كسلا”.
ثالثا، المنطقة التي كانت تشكل مساحة ” مديرية كسلا” سابقا (الآن ولايات البحر الأحمر وكسلا والقضارف) زائدا المنطقة النيلية من كوستي إلى سنار، نزولا إلى حلفا (منطقة النهر)، حافلة بأفاضل أهلنا من دارفور وجنوب النيل الأزرق وجبال النوبة، وكذلك من أكارم أهلنا الفولاني والهوسا والبرنو والبرقو، بوصف جميع هؤلاء سودانيين أُصلاء وعلى قدم المساواة مع أي سودانيين آخرين، هذا بالإضافة للسودانيين الذين تعود أصولهم الإثنية لجنوب السودان ثم سحبت منهم دولة الإنقاذ البائدة الجنسية في مخالفة صرييييحة لدستور 2005م وقانون الجنسية السوداني. فهل هؤلاء جميعا سوف يعتبروا جزءا من مواطني دولة النهر والبحر المزعومة هذي؟ إذا كانت الإجابة بنعم، فلماذا الحلم بدولة جديدة يمكن لكل هؤلاء السودانيين الكرماء ان يتعايشوا فيها مع باقي أهلهم من السودانيين، بينما لدينا الآن ما تبقى من سودان المليون ميل مربع كيما نحقق فيه هذا التعايش؟ لماذا دولة جديدة، أقل مساحةً، بينما السكان هم السكان نفسهم؟
أما إذا كانت الإجابة بلا، فهلا تكرم دعاة دولة النهر والبحر المزعومة وشرحوا لنا الأسس والكيفيات التي بموجبها سوف يتعاملون مع هؤلاء الأقوام السودانيين الأصلاء المشار إليهم أعلاه؟ هل سيُقبل بهم كمواطنين درجة ثانية في دولة النهر والبحر مثلا، أم سيُقبل بهم على مضض بعد تجريدهم من جنسية دولة النهر والبحر ليعيشوا كبدون Stateless، أم يا تُرى سيتم تجريدهم من جنسية دول النهر والبحر على هذا الأساس العرقي البحت، ثم لاحقا سيتم طردهم ومن ثم ترحيلهم إلى خارج حدود دولة النهر والبحر؟ يعني بالواااااضح كدا يا هلال يا نمّوش، هل هؤلاء ينوون إقامة دولة مواطنة تقوم على قيم المواطنة المتساوية بصرف النظر عن العرق أو المعتقد أو اللون أو الوضعية الاجتماعية، أم أنهم ينوون إقامة دولة تمييز عنصري Apartheid State، وللا الموضوع شنو؟
رابعا، لماذا هذا الاسم “دولة النهر والبحر”؟ لماذا تجاهل سهول البطانة وهي مصدر الثروة الزراعية الأول لدولة “النهر والبحر” حال تحققها؟ وماذا عن سلسلة جبال ولاية البحر الأحمر، وهي المصدر الثاني للثروة (الذهب والتعدين) في دولة “النهر والبحر” حال تحققها؟ ثم ماذا عن مثلث الحوض النوبي (حلفا – دنقلا – جبل عوينات) بوصفه أحد أكبر مخزونات المياه الجوفية في العالم، بالإضافة إلى ما لا يقل عن 9 مليون فدان فيه صالحة للزراعة؟ كيف ولماذا يُضحّي الحالمون بمشروع دولة “النهر والبحر” بكل هذه الثروات، ومن أجل ماذا؟ فإذا أعلنوا أنهم لن يتخلوا عن الحوض النوبي، فكيف يمكن لاسم “النهر والبحر” أن يعبر عن الطبيعة الطبوقرافية لأرض هذه الدولة؟
خامسا، (وهذه معضلة لغوية لكنها تكشف عن أزمة المشروع نفسه)، كيف سينتسب مواطنو هذه الدولة إلى دولتهم؟ هل سيكون اسمهم “النهريون والبحريون”، أم سيكون اسمهم ” أهل النهر والبحر”، (على غرار “أهل الحل والعقد”)، أما ماذا؟
سادسا وأخيرا، كيف بالله لم يجد هؤلاء التعساء، فقراء الفكر والخيال، عديمو الوطنية، عنصريو عصر ما بعد الحداثة، من يشرح لهم حقيقة بسيطة أدركتها البشرية من آلاف السنين، ألا وهي أن التقسيم الخطي linear division (شمال ضد جنوب؛ أولاد غرب ضد أولاد بحر؛ أولاد نهر ضد أولا بحر مالح … إلخ) يفرّق إلى ما لا نهاية infinitively، ويذهب بأهله إلى المحاق، هذا بينما الدائرة تمثل الاكتمال والكمال ثم الجمال؟ كيف لم يصادفوا أحدا ليقول لهم هذا؟ أم يا تُرى هناك من قاله لهم، ولكن ما كان له أن يهدِيَ من أضلّه الله، ومن يُضلُّه اللهُ، فلن تجد له من ولِيٍّ هادٍ، والعياذُ بالله!
MJH
جوبا – 4 سبتمبر 2021
رد منطقي لحدًا كبير يا عزيزي