#هلأتاكحديث_الجنود (٣ – ٥)
الكاتب معاوية الشفيع
قصة في حلقات
بعد الطابور، انتبذت-ومهاجر-ركناَ قصيّا، وتفاكرنا في الأمر، واضح إن هنالك عائد مجزٍ من هذه(المهمة)، ولكن، هل نعود منها؟؟ طبعأ ذلك من طبيعة عملنا ونحن ندركه، ومنذ ايام التدريب كانوا يقولون لنا:(٥٪ خسائر)، أي أن أي قوات مسلحة تضع هامشاً للخسائر البشرية (موت الأفراد)،يعادل خمسة بالمائة من عددهم، خلاصة الأمر إننا قررنا السفر، وخوض تلك الحرب البعيدة، وأمَّلنا ان يُحدث المال، الذي سنجنيه، فرقاً في حيواتنا، وحيوات أهلنا، وينقلنا من حالة (بؤس الجنود)، إلي (رفاهية الضباط)،
قال مهاجر إنه سيأخذ أخته “بلقيس”، إلي مصر، او الهند، او تركيا، للعلاج في أفضل المستشفيات، ثم قررنا،-هو وأنا- أنه وبعد عودتنا، سنتزوج، في يوم واحد، ونقضي شهر عسلنا في كسلا، الوعد الذي بررت به، وندمت.
لا أطيل عليكم، إنطلقنا نحو مكتب العمليات وتم تسجيل أسماءنا، ثم جرت الأمور بسرعة، كل الذين ابدوا رغبتهم في خوض (الحرب الملعونة، يا ويل الحرب الملعونة) ، تم قبولهم واعلنوهم بموعد السفر،ومن بينهم انا و”مهاجر”. منحونا يومين فقط، ل”تدبير أمورنا” ووداع أهلنا. قال لي مهاجر-فيما بعد-، إنه قال لأهله، أن ليست هناك خطورة تذكر في هذه الحرب، وإنها تعتمد أكثر علي سلاح الطيران. قال لهم، اننا سنعود بعد سنة، لكن بإمكاننا إرسال رواتبنا – أو جزء منها-كل شهر، وقال كلاماً كثيراً، وعدهم فيه بالعودة سالماَ، اولاً، وغانماً، ثانياً. بكت أمه وأخواته، ولا سيما “بلقيس” التي قال إنها لم تتفوه بكلمة واحدة – طوال اليومين الذين قضاهما، في غرفتها هي، بالذات-، لكن عينيها، -وعبر دموعها- قالتا،الكثير.
تم كل شئ علي عجل، و(في رمشة عين)، وجدنا انفسنا نغادر مطاراً،عسكرياً،صغيراً، علي طائرات شحن عملاقة، قالوا، إنها مخصصة لنقل الجنود، لكني أشك أنها، لنقل البهائم، هديرها مزعج، وكابتنها غير خبير. هبطنا في تلك البلاد، قابلنا اناس كثيرون، معظمهم ضباط، ملس الوجوه، محفوفي الشوارب، أنيقي الملابس، و(الجِزَم) تلمع كأنها،خرجت من المصنع، أو من بين يدي، “بتاع الأورنيش”، قبل دقائق. . تحدثوا إلينا طويلاً، عن (أمة واحدة) ، والدين والعقيدة، والخوارج، وكلام “طير في مطار”، قلل ضابط كبير من المخاطر التي قد نتعرض لها، وإن حدثت،ف(إلي جنات النعيم)، شدَّد علي ما قيل لنا في الخرطوم، عن المرتبات والحوافز والهبات، حتي ظننا، أننا الرابحون، وهم الخاسرون – عن طيب خاطر- والمحسنون إلينا، نحن الحفاة، العراة، رعاة الإبل والبقر والغنم.. لم يقل (إنصراف)، زي زولنا داك، وإنما قال:إنفروا خِفافاً علي بركة الله، وجزاكم الله خيرأ. (شحنونا) مرة أخري في طائرات ضخمة، أخري، وقام عمال يلبسون (اوفرولات) زرقاء، بتكديس مؤخرة الطائرة، بكراتين من الوجبات الخفيفة: كوراسون، واندومي، بسكويت، إسنيكرز، وغيرها، هالني جداً، العدد الضخم لكراتين السجائر: مارلبورو، روثمان، بنسون، دافيدوف، (تمنيت ان يكون بينها”برنجي”)، حينذاك صاح ضابط صغير: لا تشعلوا السجائر، وانتو خارج الخنادق، تري العدو يصوب عليها النيران..
لم نعلق بشئ، ولم يسمعه كثيرون.
.. يتبع…