هذا هو ردي على من يحرضون على قتلي او اعتقالي!
رشا عوض
شكرا لكل من سأل عني مشفقا على خلفية أن بعض صفحات إرهابيي الكيزان في مواقع التواصل الاجتماعي تحرض على قتلي او تضعني على قوائم التصفية، وعلى خلفية ما تعرض له الاستاذ الجميل الفاضل من إطلاق الرصاص على سيارته.
أطمئن كل من يهمه أمري انني بخير، ليس بمعنى الأمان من القتل طبعا، فالحرب التي أشعلها الفصيل الكيزاني الانقلابي جعلت شبح الموت والرعب والإحباط يخيم على ملايين السودانيين والسودانيات، فالأبرياء الذين لا علاقة لهم بالسياسة ومعاركها قتلهم الرصاص الطائش والقذائف والدانات داخل منازلهم التي ما عادت آمنة، وكلما سمعوا إعلانا عن هدنة نزحوا عن الخرطوم هربا من القتل وبكل أسف بعضهم حصده الرصاص وهو في طريق النزوح! جميعنا الآن في حالة تطبيع مع الموت غير الكريم! فالجثث تملأ الشوارع ولا تجد من يسترها والجرحى ينزفون ولا يجدون اسعافا!! لماذا يدفع السودانيون هذا الثمن الباهظ؟ هل هم يدفعون ثمن معركة وطنية نبيلة تخص الشعب السوداني؟
إجابتي التي بسببها اتعرض للتهديد والتخوين والاتهام بالعمالة هي لا لا لا والف لا، وشعاري هو لا للحرب نعم للسلام نعم للتحول الديمقراطي نعم للعدالة الانتقالية نعم للاصلاح الامني والعسكري ونعم لكل ما يحقق سلام وامان وكرامة وحرية الشعب السوداني!
لماذا لا للحرب وهل هذه اللاء ستوقف القتال؟ أبدا القتال بدأ والحريق اشتعل واكتسب منطقه الخاص الذي سيحدد مآلاته التي لا نعرفها حتى الآن، ولكنني أقول لا للحرب على أمل محاصرة الحريق في المساحة الموضوعية له وهي: صراع السلطة بين فصيل انقلابي أرعن من فلول النظام البائد يريد تصفية ثورة ديسمبر المجيدة واسدال الستار عليها تماما وتدشين استبداد جديد بقيادة النسخة الأكثر عنفا وفسادا وسط الكيزان التي تضم على كرتي وانس عمر ومن ورائهم المجموعة المجرمة الهاربة من سجن كوبر من جهة، وبين الدعم السريع من جهة اخرى. والدعم السريع ايضا يطمع قائده حميدتي في السلطة ويريد ان يحكم السودان. ورغم انه يرفع شعارات التحول الديمقراطي، التي لجأ اليها والى العملية السياسية كملاذ اخير بعد ان اكتشف ان انقلاب البرهان في 25 اكتوبر 2021 والذي كان يحسبه انقلابا عسكريا يتقاسم فيه السلطة مع البرهان هو انقلاب يديره الكيزان بالريموت كنترول، تقارب مع القوى المدنية ودعم الاتفاق الاطاري الذي ينص على خروج العسكر من السلطة التنفيذية، وكان يفترض ان يتطور الإطاري الى اتفاق نهائي يتضمن تفاصيل حول عدد من القضايا على رأسها الإصلاح الأمني والعسكري، الذي اختلف فيه قائدا الجيش والدعم السريع البرهان وحميدتي، ففشلت الورشة التي انعقدت بخصوصه في اعلان توصيات، فالبرهان تحت ضغط العناصر الاسلاموية الانقلابية في الجيش، وبإيعاز من مصر أراد اختزال الإصلاح الامني والعسكري في دمج الدعم السريع في الجيش، وكانت الدعاية الكيزانية المصاحبة لذلك يرددها الكوز الانقلابي انس عمر “الدمج السريع” ، في المقابل أراد حميدتي اختزال عملية الإصلاح الأمني والعسكري في إزالة عناصر الاسلامويين من الجيش أو ان يحتفظ هو بجيشه، وللمناورة قال ان عملية الدمج يمكن ان تستغرق عشرة سنوات على أقل تقدير.
الفصيل الانقلابي الاسلاموي قاد تعبئة حربية أدواتها الرئيسية استغلال مواقع التواصل الاجتماعي لدق طبول الحرب عبر ترويج سرديات كاذبة ومضللة حول مخطط يقوده المدنيون لتفكيك الجيش السوداني وتصفيته، وحول تحالف بين الدعم السريع وقوى الحرية والتغيير بموجبه يكون الدعم السريع جناحا عسكريا للحرية والتغيير(كأنما الدعم السريع يمكن ان يضع نفسه بهذه البساطة تحت تصرف الاخرين)، وكل ذلك جزء من مخطط انقلابي كيزاني يريد إزاحة خصوم الكيزان من الساحة بالقوة ، إزاحة الخصم العسكري (الدعم السريع) عبر “الدمج السريع” بالقوة أي حربا وليس سلما وتفاوضا، واداتهم في ذلك عناصرهم في الجيش التي دفعت البرهان دفعا نحو الحرب، وإزاحة الخصم المدني عبر الزعم بأنه جزء لا يتجزأ من الدعم السريع.
أكذوبة معاداة الجيش!
خطاب الكيزان جعل مفردة إصلاح الجيش مرادفا لمفردات معاداة الجيش وتفكيكه في غوغائية ليست جديدة عليهم، كل مؤسسات الدولة السودانية طالها التخريب والتجريف والاختطاف، ومن باب الحرص على المصلحة الوطنية يجب اصلاحها فما الذي يجعل الجيش استثناء؟ وهل من مصلحة الجيش ان يتم استغلاله لخدمة اجندة الكيزان؟ ام من مصلحته ان يكون جيشا وطنيا بقيادة مهنية ، وحال اندلاع الحروب يدير معاركه بعقليته الاحترافية التي لا يسمح للكيزان او اي فصيل سياسي بالتطفل عليها وإفسادها، ان اختراق اجندة الكيزان للجيش هو سبب التعجل في الانزلاق الى هذه الحرب بتفكير رغائبي كان يظن انها سوف تحسم سريعا على الاقل في الخرطوم، ولكن الوضع على الأرض أثبت خطأ ذلك، وهذا يطرح سؤالا ملحا كيف تدخل المعارك منذ الساعات الاولى للقتال الى مواقع استراتيجية كالقيادة العامة ومطار الخرطوم والإذاعة والتلفزيون والقواعد الجوية الاستراتيجية؟ ألم يكن الدخول في معركة دمج او سحق قوات بحجم الدعم السريع يحتاج الى تدابير استباقية وترتيبات عسكرية وسياسية؟
الكيزان لا يحترمون استقلالية ومهنية الجيش، فقط يتعاملون معه كمظلة للتخفي السياسي كما يفعلون الان، هذه حقيقة لا تغيرها المزايدات الرعناء.
وهنا تجدر الإشارة الى ان حل المعضلة لو أردناه سلميا كان يجب الابتعاد عن فكرة”الدمج السريع” وكذلك الابتعاد عن فكرة أن كل الجيش كيزان، وان الإصلاح الامني والعسكري معناه تسريح بالجملة للجيش، فهذه المعادلات الصفرية معناها الحرب التي لا منتصر فيها، تفكيك التمكين داخل الجيش يعني تصفية البؤر الانقلابية داخله، وتصميم برامج ومناهج يضعها خبراء عسكريون ومدنيون في اتجاه اصلاحه على المدى القصير والمتوسط والبعيد.
الإرهاب والابتزاز!
منذ ان اندلعت الحرب اللعينة استشرى خطاب إرهابي بقيادة الجداد الإلكتروني الكيزاني (المصطلح تحوير شعبي لمسمى الجهاد الإلكتروني، والجداد في العامية السودانية جمع جدادة اي الدجاجة) خلاصة هذا الخطاب هي ان الحرب الدائرة هي معركة للشرف والكرامة بقيادة قوات الشعب المسلحة ضد مليشيا الجنجويد المتمردة ، وانها معركة وطنية يجب ان يتحول كل سوداني وطني الى جندي يساند قوات الشعب المسلحة ضد مليشيا الجنجويد المتمردة، وبعد ان بدأت الحرب تصاعد الخطاب الإرهابي من الكيزان الى التحريض العلني على اعتقال السياسيين والكتاب والصحفيين الذين يساندون التمرد( طبعا المقصود هنا كل من يعارض سردية الكيزان عن حقيقة الحرب ويدعو الى وقفها ، حتى لو كان يفعل ذلك من موقع مستقل) وقد استمعت الى تسجيل صوتي طويل يدعو صاحبه الذي لم يجرؤ على ذكر اسمه في بداية او نهاية التسجيل، يدعو الى تعليق السياسيين والكتاب العملاء والخونة على المشانق! لأن هذه الحرب لا حياد فيها! فإما ان تكون مع الجيش الوطني او مع المليشيا المتمردة! ولا أدري لماذا لم يطالب هذا المأفون بتعليق عمر البشير على المشانق عندما قال إن إنشاء الدعم السريع هو أفضل قرار اتخذه في حياته! ولماذا لم يطالب بتعليق علي عثمان محمد طه على المشانق عندما أسس مليشيا الجنجويد! ولماذا لم يطالب بتعليق البرهان على المشانق عندما قال قوات الدعم السريع خرجت من رحم القوات المسلحة! ومضى وشدد التسجيل على ان العملاء يجب ان لا يكونوا آمنين! وحرض جهاز الامن على ملاحقة واعتقال من اسماهم العملاء! تارة يقول حاكموهم وتارة اخرى وفي نفس التسجيل يصدر الحكم ويقول اقطعوا رؤسهم!
والجدير بالذكر ان جهاز الامن الذي يستنجد به مؤيدو الفصيل الانقلابي الكيزاني الان لقتل من يقول لا للحرب بتهمة ان هذا الموقف مساندة لمليشيا الجنجويد هو ذات جهاز الامن الذي كان يعتقل ويصادر الصحف ويفتح بلاغات تحت مادة “الجرائم الموجهة ضد الدولة” في حق من يدينون مليشيات الجنجويد عندما كانت تقتل وتنهب وتغتصب في دارفور بقيادة الكوز موسى هلال، وهو ذات جهاز الأمن الذي اعتقل كبار السياسيين بسبب انتقادهم لقوات الدعم السريع عندما كانت تحمي نظام الكيزان وعندما كان البشير يردد حميدتي حمايتي!
الكيزان بأنانيتهم المتسفلة، وبغرورهم الآيدولوجي يتعاملون مع الشعب السوداني كجموع من كلاب الحراسة التي يجب ان تكون وظيفتها الوحيدة في هذه الدنيا حراسة مصالحهم وكراسي حكمهم!!
عندما كونوا المليشيات خصما على مصلحة الوطن وجيشه الواحد لحمايتهم وخوض حروبهم العبثية يجب ان يسبح الشعب السوداني بحمد المليشيات ولو فتح فمه بكلمة واحدة ضد المليشيات يلقمه جهاز امن الكيزان حجرا!
وعندما ينقلب السحر على الساحر وتخرج هذه المليشيات عن بيت الطاعة الكيزاني فإن واجبنا على الفور هو ان نخرج الحجر الذي أدمى أفواهنا وندخل في نوبة نباح ضد المليشيات! نباح تتحكم في علوه وانخفاضه ونبرته كتائب الظل والإفك والنفاق!
هذا الخطاب الإرهابي يؤكد رأينا الذي يريدون إرهابنا لنكف عنه وهو ان هذه الحرب حرب الكيزان مع الدعم السريع حول السلطة.
ما هو موقفي من قوات الدعم السريع؟
موقفي المنشور في مقالات سابقة للحرب، هو ان الدولة المدنية الديمقراطية يجب ان يكون فيها جيش قومي ومهني واحد، وفي ظل واقع تعدد الجيوش الذي ورثناه عن نظام الكيزان ، وبحكم انني داعية سلم وسلام، فإنني مع تحقيق هدف الجيش الواحد في سياق مشروع سياسي وطني احد أركانه عملية شاملة للإصلاح الأمني والعسكري تتضمن عملية للدمج والتسريح وفق رؤية وطنية تخاطب الأبعاد السياسية والفنية بواسطة خبراء عسكريين وخبراء في مختلف المجالات ذوي معرفة عميقة بقضايا الانتقال، فالسودان ليس بدعا من الدول التي عانت من الحرب الأهلية الطويلة ومن تعدد الجيوش ومعضلة المليشيات وحققت تجارب انتقال ناجحة.
من المؤكد ان الوصول الى الجيش الواحد سيكون هدفا صعبا، وستعترض طريقه مقاومة للدمج والتسريح او اختلافات في تفاصيله الفنية ومداه الزمني، والطموحات السياسية ستجعل حميدتي يقاوم بشتى السبل تجريده من امتياز الانفراد بجيش عرمرم كهذا، ولكن الطريق امام قوى التحول الديمقراطي لتحقيق هذا الهدف هو محاصرة قيادة الدعم السريع بالضغوط الشعبية للاستجابة لهذا المطلب، وهنا تبرز أهمية وحدة قوى الثورة على اختلافها في اصطفاف مدني ديمقراطي متين عابر للأقاليم والانتماءات الإثنية والثقافية والسياسية وملتحم بالجماهير يضغط باستمرار لانتزاع مطلوبات التحول الديمقراطي، هناك عاملا دوليا ضاغطا في اتجاه مسألة الجيش الواحد وولاية الحكومة المدنية على الموارد الاقتصادية التي يسيطر عليها العسكر وهذا عامل مساعد .
موضوعيا وواقعيا، لا اعرف طريقا يمكن ان تسلكه قوى الثورة والتحول الديمقراطي سوى استنفاذ كل وسائل الضغط السياسي والنضال السلمي للوصول للجيش الواحد في مدى زمني واقعي يحدده الخبراء والمختصون، لا طريق سوى الصبر والمثابرة على استعادة طبيعة الدولة السودانية كدولة وطنية ذات جيش واحد كما كانت قبل ان يحل عليها طائر الشؤم ممثلا في انقلاب الحركة الاسلاموية، ولابد ان يتم ذلك بالتدريج وبحذر يشبه حذر من يعملون في نزع الألغام!
ثمن اللغم الواحد لا يزيد عن عشرين دولارا ولكن تكلفة نزع اللغم الواحد بصورة آمنة تتراوح بين 1500 الى 2000 دولار!! وبدون دفع التكلفة مع الحذر الشديد والعمل باحترافية ودقة تنفجر الألغام وتقطع البشر أشلاء!!
المسخرة هي ان من زرعوا الألغام يزايدون علينا! ويجعلون معيار الوطنية هو التصفيق لنزع الألغام عشوائيا مهما أدى ذلك لتقطيع اوصال الوطن وتعذيب الأبرياء بالحرب!
ما يجري الآن هو الاندفاع في خيار دمج الدعم السريع بالقوة أي “الدمج السريع” ، ليس في سياق مشروع وطني ديمقراطي بل في سياق مشروع انقلابي لصالح فلول النظام المسؤول ابتداء عن واقع تعدد الجيوش، والذي يريد إزاحة الدعم السريع من طريقه للتخلص نهائيا من فكرة الإصلاح الأمني والعسكري والاحتفاظ بهيمنته كاااملة غير منقوصة على الجيش والامن والشرطة والحياة السياسية والاقتصادية الى ما شاء الله، اي باختصار إكمال دورة الثورة المضادة، فكيف يجرؤ الكيزان على مطالبة الشعب السوداني بالاصطفاف خلفهم في حرب كهذه! الحرب خيار قبيح وكريه ومر، ومن فرط استحقار الكيزان للشعب السوداني لم يجتهدوا في تغليف هذا الخيار باي خطاب سياسي جديد يدل على مغادرتهم لضلالهم القديم! او اي نبرة اعتذارية عن جرائمهم التي ندفع ثمنها دما نازفا ومذلة وخوفا ورعبا!
انني أعلن هنا تمسكي بكل حرف كتبته وكل رأي قلته عن هذه الحرب منذ بدايتها مهما كانت التهديدات.
لا تراجع عن كلمة الحق امام الإرهاب والتهديد!
سأظل مرابطة في ميداني، ميدان دعاة السلم والحرية والدولة المدنية الديمقراطية، ميدان الوطنية الحقة، هذا الميدان هو رهاني الاستراتيجي وسأعمل ما حييت على تقويته وأضعف الإيمان في ذلك عدم خيانة شرف الكلمة والموقف ايثارا للسلامة.
لن أنفخ في نار حرب تحرق أهلي ووطني واتمناها ان تتوقف اليوم قبل الغد
لن اتحول الى شاهدة زور وأضفي على هذه الحرب مشروعية وطنية او اخلاقية وأنا أعلم أهدافها ومن يقف وراءها وأعلم ان المنتصر فيها سيدشن استبدادا يستوجب المقاومة وسنقاومه لو بقينا أحياء.
وليس في فمي ماء تجاه اي مؤسسة مدنية او عسكرية، الجيش والدعم السريع انظر إليهما كأمر واقع وكل منهما يشكل عقبة حقيقية في طريق الديمقراطية، كنت اتمنى ان ننجح في زحزحة هذه العقبة سلما، لأن خيار الحرب ليس فقط عقبة في طريق الديمقراطية بل عقبة في طريق الحياة من حيث هي!
(نشر بصحيفة التغيير الالكترونية في ٢١ أبريل ٢٠٢٣)