نظمها بروفيسر خالد كودي في الجامعة الأمريكية في مصر ورشة المهاجرين واللاجئين السودانيين، ذكريات الصمود والتضامن
القاهرة : واشنطن: فاطمة غزالي : Splmn.net
أهل الإبداع و الفن والثقافة هم سحر الحياة، لأنهم يتخطون معاناة العذاب الذي يتشكل من قسوة الظروف والأقدار ويجملون نصيبهم من الحياة بنظم الشعر وفن الرسم بحثا عن مواطن الفرح في دواخلهم.مابين المعاناة والأمل ليتقن أهل الفن والثقافة الرقص على أنغام الحياة بألحانها الحزينة والسعيدة والتي تجمع بين الإثنين في معزوفة تكشف الرداء عن التناقض المستتر في الروح.
البروفيسور خالد كودي، الأستاذ في جامعة نورثايسترن بالولايات المتحدة الأمريكية والأستاذ المشارك في كلية بوسطن، لم يكن سياسياً محنكاً وثورياً قابضا على ثوريته لا يساوم بمبادئه فحسب، بل اتخذ من الفن رسالة للحرية التي تعني حالة من الوعي عند الإنسان حتى يكون قادراً على التصالح مع الذات والآخرين، وتمكن الفرد من أن يعبرعن جوهر الروح التي تُفشي السلام بين الناس. في الجامعة الأمريكية في القاهرة أقام بروفيسر كودي ورشة عمل بالتعاون مع فريق مشروع التراث الثقافي بقيادة الدكتورة أميرة أحمد.
الصمود والتضامن
حياة المهاجر واللجوء لها رائحة ولون وشكل مختلف عند المبدعين والمثقفين الذين يحرصون على منح الحياة معنى وسط ضجيج المعاناة والشوق إلى الإنتماء ونداء الحنين إلى الأوطان . المهاجرون اللاجئون السودانيون أرادوا أن يصنعوا مشهداً يعبر عن واقع يعيش بين الريشة والألوان التي يحتضن فيه اللون الأخضر الأصفر ويمتزج الأحمر رمز القتل بالأبيض إشارة السلام ، فجاءت هذه الورشة تحت عنوان فرعي تناولت “ذكريات الصمود والتضامن: توثيق التراث الثقافي الديني للمهاجرين واللاجئين السودانيين في مصر من خلال الفن”. قال بروفيسركودي إن هذه الثيمة تسلط الضوء على الجوانب الثقافية والدينية في تجارب الهجرة واللجوء التي يختبرها السودانيون في مصر، مع التركيز على تعزيز التفاهم والتضامن من خلال الأعمال الفنية البصرية والمفاهيمية مبيناً أن الورشة الأولى تناولت موضوع “الفنون والهجرة القسرية”، حيث استهدفت الورشة الفنانين التشكيليين السودانيين الذين عاشوا تجارب الهجرة القسرية وضُعت تجاربهم تحت المجهر وتم بحثها ومناقشتها ، ووجهات نظرهم الشخصية ومن ثم انتج الفنانين رسومات مائية.لا شك في أن الرسومات تعكس جمال الروح الفنية والإبداع رغم التجارب القاسية التي لا تستطيع تشويه دواخل الفنان .
ذكريات ممزقة
يقول كودي إن هذه العمل البصري و التركيبة المفاهيمية مهداة تضامنا مع كل من اتخذ القرار المؤلم بالهروب من منازلهم. تجسد “ذكريات ممزقة” بصريًا، ومن خلال طبقات من شفافيات، كل منها منتظم فوق الآخر، مكونين لسلسلة من الفجوات والمساحات لإضافة العمق والبعد مبيناً أن جوهر هذا العمل الفني يكمن في الصور المختارة للاجئين، المعكوسة على هذه الطبقات من القماش الشفاف. تسمح عملية الإسقاطات هذه للضوء بأن يعبر المساحات الأثيرية بين الطبقات، مكونةً سردًا للحركة والانتقال. أوضح كودي أن ضمن هذه الإسقاطات صور للاجئين من مجتمعات متعددة ومتنوعة من الأعراق والخلفيات الدينية والنوع والأعماروقال” تم اختيار الصور لهذا العمل من منصات التواصل المفتوحة، وهي متنوعة إقليميًا، وتعكس الوجوه المتعددة للنزوح”. مشيراً إلى أن الغرض الأساسي ل “ذكريات ممزقة” هو الغوص بعمق في رحلات اللاجئين الفردية، ويهدف التركيب المفاهيمي إلى إضاءة تجارب اللاجئين الفريدة، وتكريم صمودهم وذكرياتهم، وإبراز السرديات الشخصية التي غالبًا ما تضيع في الخطاب الأوسع.
الرحلات الميتافيزيقية.
يقول كودي إن رحلات اللاجئين هذه تعد رحلات إلى المجهول. يتم التقاط هذا المجاز العميق كما تهاجر الصور من شاشة شفافة إلى أخرى. تجسد كلشاشة مرحلة في رحلتهم الخطرة، معلمةً للمساحات الجسدية والعاطفية التي يتنقلون فيها مبيناً أن هذه التركيبة ليست فقط عن حركة الصور، بل إنها عن جوهر التنقل البشري، الانتقال الجسدي المقابل للرحلة الميتافيزيقية إلى المجهول.قال كودي إن “ذكريات ممزقة” ليست مجرد قطعة فنية بصرية ومفاهيمية؛ إنها سرد، حوار، تكريم وإنها مساحة حيث يتشابك الضوء والظل، الصورة والسطح/القماش، الواقع والمجاز لرواية قصص أولئك الذين سافروا بعيدًا عما كانوا يسمونه في يوم من الأيام بيتًا.
المناطق المحررة
التعايش الديني ظل قاسماً مشتركاً في دالة الإهتمام العالمي لكل الذين يحلمون بعالم ترفرف فيه رايات السلام ويتعايش فيه الناس بمحبة ووئام بصرف النظر عن الاختلاف الديني والثقافي والإثني والسياسي والفكري. التعايش الديني من القضايا الجوهرية التي تستدعي النقاش خاصة بالنسبة للسودانيين الذين مروا بتجارب التمييز على أساس الدين إلى درجة أن تحولت الحرب في السودان بين الشمال والجنوب إلى حرب دينية دفع السودان ثمنها انشطاراً وفقد أهل السودان أشقاء طيبين و جزءً عزيزا من أرض المليون ميل مربع. وبما أن السودان بلد متعدد الأديان والثقافات قال بروفيسر كودي إن الورشة الثانية ركزت على “سياسات وتجارب التعايش الديني في السودان”. واستهدفت الورشة الناشطين السودانيين اللاجئين من مختلف الأديان، الذين يسعون لتعزيز الوئام الديني وبمشاركة التشكيليين. وكلتا الورشتين اعتمدتا على منهج الفن التشاركي، وهو المنهج الذي عمل عليه البروفيسور خالد كودي لأكثر من ثلاثة عقود من الزمان.
هذه الورش لم تكن الأولى من نوعها بل سبقتها ورش كثر، وأوضح البروفيسر خالد كودي بأنه قام بتنظيم عدة ورش عمل رئيسية في إطار مبادرات الفن التشاركي، مبيناً أنها أقيمت من قبل في المناطق المحررة في السودان منذ عام 2014، دولة جنوب السودان، مناطق تحت سيطرة الحكومة في السودان بما في ذلك الخرطوم ومدني، وخارج حدود الوطن في يوغندا، والولايات المتحدة، وبعض دول أوروبا.
التغيير الاجتماعي مرتبط بالتغيير الفكري والاكتشافات الحديثة والمختلفة كلما كانت الأفكار التي تخدم حياة الإنسانية وتحفظ الكرامة والأشياء المكتشفة حديثاً لها التأثير المباشر على حياة الناس قطعاً فهي تساهم في تعزيز مفهوم التغيير الاجتماعي . قال كودي إن ثيمات هذه الورش ركزت على تمكين المجتمعات من خلال استخدام اللغة البصرية لمناقشة تحديات التغيير الاجتماعي التي تهم السودانيين بشكل عام، وخاصة مجتمعات اللاجئين والنازحين والناجيين من الحروب في مناطق هامش السودان كما شملت هذه الموضوعات العملية السياسية، قضايا السلام، والتنمية المستدامة. في هذه الورشة، قدم البروفسور خالد كودي محاضرة بصرية ومداخلات ناقشت العلاقة بين الدين والدولة، مسلطًا الضوء على التعدد الديني وضرورة اعتماد العلمانية كمبدأ دستوري لضمان إدارة التنوع الديني وتحقيق المساواة في الحقوق والحريات في السودان.
قال كودي إنه استفاد من تجارب ورش مشابهة أُقيمت في مناطق مثل كاودا، الخرطوم، كمبالا وغيرها ، مشيراً إلى أنه تم دعم هذه الورشة من قبل جامعة نورثايسترن وكلية بوسطن، وقال إن الجامعة الأمريكية بالقاهرة استضافت هذه الورشة، معبراً عن شكر وتقديره لها على استضافتها للفعالية، وعبر أيضاً كودي عن امتنانه لجميع الفنانين التشكيليين وقادة المجتمع المدني وقال إنهم أثروا الورشة بمشاركتهم النشطة. ووجه الشكر الخاص للدكتورة أميرة أحمد، وإلينا هابرسكي، وفاطمة أحمد العقلي، وأسرار ناجي الديب.
يظل الفن بكل أشكاله أيقونة الحياة وكثيراُ ما يعكس الجانب الملئ من الكوب لأنه مكتنز بالجمال والروح الايجابية. فكم من لوحة زينت نفوس البشر وكم من قصيدة ضمدت الجراحات .وكم من نص مسرحي أو درامي تربع على عرش القلوب، وكم من كلمات صنعت التغيير.