نظرية الدولة الإقليمية

✍️ جونا كوكو/ مهندس معماري ومهتم بقضايا التخطيط العمراني والحضري

 

قدم معماري هيرز فكرة أساسية تتلخص في أن الدول الإقليمية أخذت أهميتها الحالية بعد التطورات التكنولوجية المتطورة الحديثة وظهور الجيوش الكبيرة وان القلاع والمدن الاقطاعية القديمة المحاطة بالاسوار أصبحت شئ عديم الفائدة مثلآ السودان ( القيادة العامة للجيش والمؤسسات الحكومية الأخرى ) ، فالأمن هو الاعتبار الوحيد في تكوين الأقاليم السياسية أوجب التوسع في السياسات الدفاعية ونقلها من أسوار القلاع والمدن المحصنة إلي الحدود الجديدة للدولة الإقليمية المعاصرة .

(1) التخطيط الإقليمي :-
– ينبثق التخطيط الإقليمي من التخطيط القومي الشامل، ويحدد الخطوط العريضة التي توجه نحو الإقليم وتطوره اقتصادياً واجتماعياً وعمرانيا خلال الفترة المحددة لتنفيذ المخطط . ويتم ذلك عن طريق الترابط والتكامل بين ما تسفر عنه دراسات العديد من العناصر الأساسية الخاصة بكل إقليم كالبيئة الطبيعية ومصادر الطاقة والموارد البشرية وما إلى ذلك . وقبل أن نتناول بالعرض موضوع التخطيط الإقليمي نود أن نوضح ما هو المقصود بالتخطيط الإقليمي .

(2) تعريف التخطيط الإقليمي :-
– التخطيط الإقليمي باختصار هو أسلوب علمي لحل مشاكل الإقليم اقتصادياً و اجتماعياً و عمرانياً . ولكن ما معنى كلمة ( تخطيط ) ؟ التخطيط – Planning – هو ( أسلوب و منهج يهدف إلى حصر ودراسة كافة الإمكانيات والموارد المتوفرة، وتحديد كيفية استغلالها لتحقيق الأهداف المرجوة خلال فترة زمنية معينة) ( وإن كانت النظرية الحديثة للتخطيط عملية مستمرة لا ترتبط بفترة زمنية معينة ) . و إن الإقليم هو عبارة عن رقعة من الأرض تتسم بخصائص معينة تميزها عما يجاورها . وبدمج مفهومي التخطيط والإقليم يمكننا تعريف التخطيط الإقليمي بأنه :-
– عبارة عن دراسة الموارد الطبيعية والبشرية سواء المستغلة منها أو الغير مستغلة في رقعة محددة من الأرض( إقليم ) لمعرفة إمكانياتها ومواردها واستغلالها خلال فترة زمنية معينة لتحقيق أهداف محددة من شأنها النهوض بهذه الرقعة من الأرض( الإقليم ) وإنعاشها .

والتخطيط الإقليمي بذلك هو علم وفن وحركة سياسية، فهو علم لأنه يبحث في حقائق الأشياء بإجراء البحوث العلمية والدراسات الميدانية المختلفة، وهو فن لأنه يرتب وينظم استعمالات الأرض داخل الإقليم ، وهو حركة سياسة لكون السلطات العامة في الدولة هي التي تصدر قراراتها بتنفيذ بنود الخطط الإقليمية .
وكما يعرف الباحث – جون فريدمان J.Friedmann – ان علم التخطيط الإقليمي بأنه –
( هو نوع متخصص من التخطيط السكاني، يهتم أساسا بالترتيب المبني على التقويم الشخصي للأنشطة الاقتصادية الموجودة في مكان اقتصادي معين ، يشتمل على مدينة واحدة مع تحديد وتوضيح الأهداف الاجتماعية المراد تحقيقها من خلال عملية التخطيط ) .

(3) الهدف من التخطيط الإقليمي :-
– يهدف التخطيط الإقليمي إلى خلق نوع من التوازن بين الأقاليم ( Regional Balance ) والتخلص من ظاهرة الاختلال الإقليمي، ويكون ذلك عن طريق تضييق الفجوات بين المناطق المختلفة .
وما دام التوصل إلى حالة التوازن المثلى في علاقات المناطق مع بعضها البعض عملية صعبة بحكم الديناميكية المميزة للبيئات البشرية ، فإن أقصى ما يطمح إليه المخططون هو العمل المستمر على تخفيف الهوة بين المناطق الهامشية ( Per – phetal ) والمناطق المتطورة ( Developed Regions ) ويشير الباحثون إلى المبررات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية التي تستدعي الأخذ بأسلوب التخطيط الإقليمي .

(4) المبررات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والعمرانية والسياسية التي تستدعي الأخذ بأسلوب التخطيط الإقليمي

1 – مبررات تخلف بعض الأقاليم :-
– عملية التخلف وما له من آثار سلبية على عملية التنمية الشاملة ، فتخلف أحد الأقاليم من شأنه أن يعوق نموه ويبطئ من عملية التنمية القومية الشاملة بأسرها . وعلى ذلك فإن الأخذ بمبدأ التخطيط الإقليمي يؤدي إلى زيادة معدلات النمو التي يمكن أن يحققها المجتمع ليس على المستوى الإقليمي فحسب إنما على المستوى القومي ككل .

2 – مبررات عمليات التنمية الشاملة المستدامة :-
– إن عملية تنمية وتطوير أحد الأقاليم تحتاج إلى اهتمامات متداخلة في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعمرانية ، نظراً لأن دفع إقليم جديد إلى صفوف الأقاليم الكائنة فعلاً يتطلب عناية خاصة من نواحي عديدة كالعمران وإقامة الوحدات الإنتاجية الخدمية والصحية والتعليمية و … إلخ ، وما يصاحبها من احتياجات القوى البشرية المدربة ، خصوصاً وأنه في المراحل الأولى لا يتحقق نمو هذا الإقليم إلا بخطة إقليمية مرتبطة بالخطة القومية الشاملة .

3 – مبررات إقامة صناعات جديدة :-
– إن إقامة صناعة جديدة في إقليم معين و ما يصاحبها من احتياجات هائلة خاصة في الجوانب العمرانية والبشرية، ولا شك أن هذا العمل الكبير يتطلب تخطيطاً على مستوى الإقليم لإقامة التنسيق والتكامل بين المستوي المحلي و المستوى الإقليمي والمستوى القومي .

4 – مبررات تحقيق النمو المتكافي :-
– إن عملية تحقيق النمو المتكافئ بين مختلف أقاليم الدولة وما له من ضرورة قصوى لتدعيم النمو المتوازن بين مختلف قطاعات الاقتصاد القومي . ويعتبر النمو المتكافئ الذي تسعى إليه وتعمل من أجله الإدارة المحلية، والنمو المتوازن الذي ترتكز عليه الخطة القومية جانبين أساسيين لتحقيق النمو الذاتي للاقتصاد بأسره . ويعتبر النمو الذاتي بدوره أساساً لتحقيق التنمية الشاملة المستدامة .

5 – مبررات نشر الوعي التخطيطي :-
– تاخذ عملية نشر الوعي التخطيطي على المستوى الإقليمي و المحلي، دور أساسي وما تلعبه من دور أساسي في الأداء التنفيذي للخطة القومية، ولا ريب في أن النشاط التخطيطي يتطلب مثل هذا الوعي على المستويات المحلية خصوصاً وأن الوحدات المحلية والإقليمية هي في ذاتها الوحدات المنفذة للخطة الإقليمية .

6 – مبررات تحقيق اللامركزية الاقتصادية على المستوى القومي :-
– إن تحقيق اللامركزية الاقتصادية علي المستوى القومي من الأمور الأساسية في الخطة الشاملة للدولة بمعنى أن الإقلال من تركيز المشروعات الصناعية في المدن الكبرى وتوزيع الجديد منها على الأقاليم من شأنه أن يدفع التطور الاقتصادي والاجتماعي القومي .

7 – مبررات تحقيق الرابطة الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية بين أقاليم الدولة :-
– إن تحقيق الرابطة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والعمرانية يؤدي إلى تدعيم الوحدات المحلية وتأكيد إحساسها بالوحدة القومية .
أي أن تدعيم وتطوير مختلف أقاليم الدولة من شأنه أن يقوي العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وأن يزيد من تماسك البنيان الاجتماعي للوحدات الإقليمية ويؤدي إلى تحقيق الرابطة الحقيقية بين الوحدات الإقليمية ، وهذه الرابطة هي بدورها أساس الوحدة القومية .

8 – مبررات التعرف على الاحتياجات والرغبات الحقيقية للمجتمع :-
– تأتي عملية التعرف على الاحتياجات و الرغبات الحقيقة للمجتمع من خلال مساهمة الدوائر المحلية في العملية التخطيطية الإقليمية ويعتبر ذلك أساسا جوهريا لتوجيه وتعبئة موارد وطاقات المجتمع نحو تحقيق مجموعة أهداف محلية وقومية وإقليمية تفي بأكبر قدر ممكن من هذه الحاجات و الرغبات .

9 – مبررات امتصاص العمالة الزائدة عن حاجة المدن الكبرى :-
– إن عملية امتصاص العمالة الزائدة عن حاجة المدن الكبرى لعواصم الأقاليم ، يرجع إلى أن عدم الاهتمام بالوحدات المحلية و الإقليمية من الوجهة الإنتاجية والخدمية من شأنه أن يزيد من هجرة العمالة الزائدة من الريف والقرية إلى المدن الكبرى . ونظراً إلى أن هذه العمالة غير مدربة ، كما أنها زائدة عن الطاقة التشغيلية للعمل المتاح بالمدن، فإن استمرار هجرتها من الريف إلى المدن يمثل مشكلة بطالة مقنعة يصاحبها مشاكل عديدة خاصة في مجالات الإسكان والعمران والنقل والمواصلات وباقي المرافق المختلفة ، وأيضاً في مجال الأمن .
لذلك فإن الاهتمام بالأقاليم وإقامة الوحدات الاقتصادية والخدمية والعمرانية وتطوير كفاءتها من خلال التخطيط الإقليمي سيزيد من الطاقة التشغيلية لقوى العمل المتاح بهذه الأقاليم ، ولن يؤدي هذا فقط إلى إيقاف الهجرة إلى المدن الكبرى فحسب ولكن يعمل أيضاً على العدالة الاجتماعية وتوزيع الدخل لجميع فئات المجتمع .

(5) أنواع التخطيط الإقليمي :-

– تتعدد جوانب التخطيط سواء على مستوى الدولة ( تخطيط قومي ) أو على مستوى الإقليم ( تخطيط إقليمي ) أو على مستوى المدينة ( تخطيط حضري ) . ومن أهم هذه الجوانب أو الأنواع ما يلي :-

1 – التخطيط الاقتصادي Economic Planning : –
– هو عبارة عن عملية وضع وإعداد القرارات المنظمة للنشاط الاقتصادي في الإقليم و استخدام الموارد لتحقيق الأهداف التي ينشدها المجتمع. وبذلك فهو يشتمل على جميع الأنشطة الاقتصادية المتعلقة بالإنتاج الزراعي والصناعي والتعديني والتجاري والعمراني وغيره، والعوامل المؤثرة في كل نشاط . وقد أصبح النشاط الاقتصادي التجاري في الوقت الحاضر من أهم أنواع التخطيط، حيث أن نجاح المجتمع مرتبط بنجاح اقتصادياته .

2 – التخطيط الزراعي Agricultural Planning : –
– يهدف التخطيط الزراعي إلى مايلي :-
أ – التوسع الأفقي – Horizontal Expansion – و يعني زيادة مساحة الرقعة الزراعية عن طريق استصلاح الأراضي في ضواحي المدن والقري والأرياف أو عن طريق الاستخدام الحضري للمساحات والمسطحات العمرانية داخل المدن الحضرية الكبري مع تحسين وسائل الري والصرف واستخدام التقنية والآلات الحديثة .
ب – التوسع الرأسي – Vertical Expansion – ويقصد به زيادة الإنتاج الزراعي للأرض وتحسين إنتاجيتها مع الاستفادة أيضًا بطرق اقتصادية حديثة من المساحات و المسطحات العمرانية داخل المدن الحضرية الكبرى بطرق اقتصادية مستدامة . ويتطلب ذلك اختيار تقاوي بذور عالية الإنتاج ، وتسميد الأرض ومقاومة الآفات .
ج – اختيار أفضل المحاصيل الزراعية وأكثرها إنتاجاً. ويتطلب ذلك دراسة وحصر خصائص عناصر البيئة الطبيعية من مناخ ومياه وتربة، والتي يمكن على أساسها اختيار أنسب المحاصيل التي يمكن زراعتها في الإقليم .

3 – التخطيط الصناعي – Industrial Planning : –
– يهدف إلى تطوير القطاع الصناعي وتحديثه ، وذلك في الدول التي يوجد بها نشاط صناعي بالفعل . أما الدول التي لم تقطع شوطاً طويلاً في مجال الصناعة، فإن التخطيط الصناعي فيها يرمي إلى إقامة صناعات وطنية تعتمد على الخامات المحلية أياً كانت طبيعتها .
وأياً كان مستوى التخطيط الصناعي، والذي يتوقف على موارد الإقليم وإمكانياته، فإنه يهدف إلى رفع المستوى المعيشي العام للسكان نظراً لارتفاع الدخل الصناعي مقارنة بمعدل الدخل الآخري (الزراعية مثلاً) .

4 – التخطيط التجاري – Commercial Planning : –
– يتطلب التخطيط التجاري دراسة التركيب السلعي لكل من صادرات الإقليم و وارداته و التوزيع الجغرافي لكل منهما، وذلك بهدف وضع خطة تعمل على تنمية حجم الصادرات القومية وتقلل من حجم الواردات قدر الإمكان .

5 – التخطيط العمراني – Architectural Planning : –
– قد يكون التخطيط العمراني تخطيطاً حضرياً أو تخطيطاً ريفياً ، وهو بالأساس يهتم باختيار المواقع المثالية للمحلات العمرانية في الأقاليم المختلفة، مع توزيعها بنمط معين من حيث الحجم والعدد والتباعد، مما يؤدي في النهاية إلى حصول السكان على كافة الخدمات التي يحتاجونها في سهولة ويسر وبدون مشاكل كل ما أمكن ذلك .

6 – التخطيط السكاني – Population Planning : –
– يعتمد التخطيط السكاني على تقدير احصائيات أعداد السكان في سنوات محددة في المستقبل ( على أساس أعداد السكان في سنوات سابقة ) ، حتى يمكن معرفة معدلات النمو السكاني الحالية والمستقبلية مما يسهم في التخطيط المستقبلي الشامل لاحتياجات هؤلاء السكان المختلفة من عمران وخطط إسكان لجميع فئات المجتمع ، ويلقي الضوء على عوامل نمو السكان الحاضرة والمستقبلية وتفاذي حدوث ضعف في نمو الموراد البشرية بشكل غير طبيعي مستدام.

خلاصة القول… إن هيرز رفض فكرة القائلة بأن النزعة الإقليمية غريزية قبل كل شيء آخر ، فأكد على مركزية الحاجة إلى الأمن والحماية كأساس لنشؤ الدولة الإقليمية وعدم التعرض لخطر الهجوم والإعتداء ..

المصادر والمراجع:
1/ الموسوعة الحر ويكبيديا
2/ مؤتمر الموئل الثالث – استعراض نقدى لجدول الأعمال الحضري الجديد-تمويل الإسكان الدولية
3/ إعلان فرانكفورت بشأن المستوطنات البشرية

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.