نزيف الدم و قتل المواطنين العُزل في كرينك السودانية الدارفورية

✍🏿: برير إسماعيل

جريان نهر الدماء و مصرع الإنسان السوداني الممتاز في كرينك السودانية الدارفورية على حسب تعبير الراحل المقيم د. عبد الله بولا عليه رحمة الله الذي تحدث عن شجرة نسب الغول في مشكل (الهوية الثقافية) و حقوق الإنسان في السودان في سِفره الخالد الذي أجاب فيه بصورة مباشرة على سؤال الراحل المقيم الطيب صالح من أين أتى هؤلاء?

شعار كل البلد دارفور يجب أن يكون برنامجاً عملياً و ثورياً في كل المنابر السودانية الثائرة و ليس خطاباً شعاراتياً للكسب السياسي الذي لا يحس به الضحايا و أهاليهم لأنه حل سريع الذوبان قِيل في الأصل لإستهلاك الكلام.

خالص التعازي و أصدقها لأهالي الشهداء المغدور بهم في كرينك و نسأل الله لهم شآبيب الرحمة و الغفران و لكن لا يُخفي على أحد الغياب التام لمؤسسات الدولة المحايدة التي كان لِزاماً عليها أن تعمل من أجل خدمة كل مواطنيها بعد أن تكون على مسافة واحدة من الجميع.

الشاهد أن مؤسسات دولة المنظومة الإنقلابية الحالية في السودان كانت طرفاً رئيساً و مشاركاً بفاعلية في الصراع الدموي في كرينك و بالتالي لم تكن جزءاً من الحل و السبب في ذلك هو أن مؤسسات الدولة الإنقلابية لم يطالها التغيير حتى في فترة حكم تحالف قوى الحرية و التغيير لا من حيث الشخوص و لا من حيث السياسات و القوانين و لذلك تقودها حالياً نفس العقليات الجنجويدية التي ربَّتها و درَّبتها القيادات المجرمة في الجبهة الإسلامية القومية التي حكمت البلد عبر ذات الممارسات الإجرامية في كرينك و فتابرنو و نيرتتي و كسلا و بورتسودان و أمقينص و الخرطوم.

ما جرى في كرينك من جرائم خطيرة لم يكن فيه جديداً نوعياً يُذكر بل هي إحدى حلقات مسلسل القتل و التصفيات الدموية للمواطنين التي ظلَّت مستمرة في السودان لسنوات عديدة على أساس الإنتماءات الإثنية الضيقة و خلافها من الإنتماءات الرجعية التي عطَّلت قدرات البلاد و أذلّت المواطنين بعد أن فشلت النُخب السودانية التي حكمت الدولة الوطنية في تقديم مشروعاً وطنياً يساهم بدوره في إيحاد حلولاً للأزمات تكون مرضية لجميع الأطراف المعنية بالصراع.

عليه ما لم تتوحد الآن و ليس في يوم الغد كل مكوّنات قِوى الثورة العريضة الحيَّة التي لها مصلحة حقيقية في التغيير الجذري و ليس التغيير الشكلي بعد الجريمة النكراء التي شهدتها كرينك فلن تتوحد هذه القوى الثورية الحيَّة في المستقبل القريب علماً بأن عدم وحدة هذه القوى الثورية الحيَّة صاحبة المصلحة في الثورة تمثل الثغرة الأساسية التي وظَّفتها و توظِّفها على الدوام لصالحها المنظومة الإنقلابية التي ليست لديها ممانعة من الإستمرار في السلطة على فوهات البنادق.

بكل تأكيد فإن أحداث كرينك المأساوية عرَّت إتفاقيات سلام جوبا من ورقة التوت التي ظلَّت تتستر خلفها بعد أن فشلت هذه الإتفاقيات الصُّورية في توفير الحرية و السلام و العدالة و الأمن و الطمأنينة للمواطنين في كل أنحاء السودان بصورة عامة و في المناطق التي تأثرت بالحروب العبثية بصورة خاصة.

أحداث كرينك التي هزت الضمائر السودانية الصاحية أثبتت بأن إتفاقيات سلام جوبا كانت إمتداداً للجريمة السياسية الكبرى التي إرتكبتها غالبية قيادات تحالف قوى الحرية و التغيير في حق ثورة ديسمبر 2018 المجيدة عندما شرعنت هذه القيادات للجنة الأمنية لنظام الجبهة الإسلامية القومية عبر الوثيقة الدستورية الكارثية حكم السودان بذات طرائق التفكير المنتجة للتدابير القمعية المتوحشة عند مخاطبة القضايا التي يواجهها المواطنون في كل السودان و في المناطق المتأثرة بالحروب العبثية بصورة خاصة.

الثورة السودانية تاريخياً و التي هدفها العودة بالدولة إلى منصة التأسيس الصحيحة بدأت من أطراف و هوامش السودان و قادها في عهد الدولة الوطنية أي بعد حدوث ما يُسمى بالإستقلال السودانيون الجنوبيون الذين واجهوا وحدهم لا شريك لهم حرب الإبادة الجماعية الأولى التي حصدت أرواح الملايين منهم و لذلك عملت النخب السودانية التي سيطرت على مقاليد السلطة في السودان لأكثر من ستين عاماً على تصفية الثورة من ذات الهوامش و الأطراف التي شهدت الإنطلاقات الثورية القوية ضد السلطة المركزية في قصر غردون السوداني.

عليه لن تُجدي البيانات التي تعبِّر عن قِلة الحيلة التي تقوم بها قيادات حركات الكفاح المسلح الشريك الصُّوري لقادة الإنقلاب الأخير الذي وقع في يوم 25 أكتوبر 2021م و الذي كان بدوره إمتداداً طبيعياً لإنقلاب الوثيقة الدستورية الذي جرت أحداثه في يوم 17 أغسطس 2019م.

إدانة مني أركو مناوي حاكم إقليم دارفور في عهد حكومة الإنقلابيين للجريمة النكراء في كرينك و إتهامه لمؤسسات الدولة الإنقلابية و تحميلها المسؤولية كاملة أمر جيد و لكنه ليس كافياً لأنَّ مناوي نفسه هو الحاكم الشريك في الإنقلاب و إن كانت شراكته صُورية يتحمل المسؤولية كاملة غير ناقصة قيراط واحد عن كل الدماء التي سالت و الأرواح الطاهرة التي ذهبت إلى بارئها.

الموقف الأخلاقي الذي يجب أن تقوم به قيادات حركات الكفاح المسلح المشاركة في إنقلاب اللجنة الأمنية الأخير المسنود بمؤسسات الدولة العسكرية الجنجويدية هو إعلان هذه القيادات وفاة إتفاقيات سلام جوبا و بالتالي إنسحابها من المنظومة الإنقلابية لتلتحم هذه القيادات و كل جماهيرها مع الشارع الثائر ضد الإنقلابيين و حلفاءهم في الداخل و الخارج.

أمَّا الموقف الأخلاقي الذي يجب أن تقوم به قيادات تحالف قوى الحرية و التغيير الرافضة للإنقلاب من حيث المبدأ و التي تعمل على إسقاطه بعد الجريمة البشعة التي شهدتها كرينك هو دعمها للشارع و رفضها للمناورات السياسية التي ستمد من عُمر الإنقلابيين.

الخلاصات تقول إنَّ شعلة الثورة ستظل متقدة و مستمرة و النصر أكيد و لكن في نفس الوقت لابد من وحدة كل مكوِّنات قوى الثورة السودانية الحيَّة على برنامج إسقاط المنظومة الإنقلابية و العمل على إعادة بناء و هيكلة مؤسسات الدولة الوطنية على أسس سليمة تستطيع تلبية طموحات و تطلعات و آمال الحركة الجماهيرية الثائرة في داخل السودان و خارجه.

الأربعاء- 27 أبريل 2022م.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.