كلمة القائد عبدالعزيز آدم الحلو فى ندوة ” تحديات السلام الشامل “
بتاريخ ١١/٩/٢٠٢٠
باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال أزجى التحية الثورية الخالصة
لشباب و شابات و جماهير إنتفاضة ديسمبر بالعباسية
من وحى العنوان فإن الحديث عن السلام يعني أو يستدعي الحديث عن الحرب تلقائيا . لأن الحرب الأهلية هي السمة البارزة التي ميزت تاريخ السودان المستقل.
و السؤال الذى يطرح نفسه هو : لماذا إستمرت الحرب الأهلية منذ الإستقلال و إلى يومنا هذا؟ اي منذ الإستقلال فى ١٩٥٦ و لمدة 64 عاماً؟ يجيب البعض بأن العلاقة بين الدولة و مواطنيها مأزومة، و ذلك لأن أقلية من الأفندية قد إختطفت جهاز الدولة و قامت بإستثماره إقتصادياً ضد غالبية الشعب السوداني و إستخدمته فى سياسة فرق تسد و أضرب الجحر بالحجر.
لقد نجحت النخب الحاكمة في إستغلال الدين و الجهوية سياسياً .. و قد إستخدمت شعوب دارفور، جبال النوبة، الفونج و البجا في حربها ضد الجنوب حتى إنفصل فى 2011م. لكن رغم التضليل و التمويه، فقد تمكن بعض أبناء الهامش من إكتشاف أسرار اللعبة تدريجياً و تعرفوا على طريقة إشتغال آليات التمركز و التهميش و من هو الذي يهمش الآخرين .. إكتشفوا أن الجنوب نفسه ضحية مثلهم و أن الظالم هو نخب الخرطوم. لذلك إنضم النوبة الى الحركة الشعبية في 1984م و بعدهم الفونج من النيل الأزرق فى 1985م ، ثم حمل البجا السلاح في 1995م، و أخيراً دارفور في 2002م… هذا لا يعني أن المهمشين بالمركز كانوا نيام ، فقد كانت تنتابهم صحوات تمثلت في إنتفاضات أكتوبر 64 و ابريل 85 و سبتمبر 2013 و ديسمبر 2018 . ذلك يؤكد صحة أطروحة الحركة الشعبية بأن التهميش درجات و أن 95% من السودانيين مهمشين إقتصادياً … و هذا ما يعرف بالتهميش البسيط في أدبيات الحركة الشعبية، وهو عابر للأعراق و الإثنيات و الثقافات و الأديان و الجهات. و هنالك التهميش المركب الذي تتداخل فيه بجانب العامل الإقتصادي عدة عوامل و موانع أخرى كالعرق و الدين و الجهة و النوع تحرم الأفراد و الجماعات من الحقوق و فرص الحصول على الإمتيازات التى يتحصل عليها الآخرون . و يتفرع إلى عدة درجات تقاس على أساسه درجة التهميش.
و لكن تلاحظ أن النخبة الحاكمة أو المالكة للسلطة سرعان ما تقوم بإختطاف ثورات المركز و تنفيس شعاراتها و قطع الطريق على مطالبها في إقامة العدل و المساواة بين السودانيين.
أما بخصوص ثورات الهامش فقد تعود المركز على تقديم الحلول الجزئية و رشوة القيادات بالوظائف و تجنب معالجة و مخاطبة جذور الصراع مما دفع جنوب السودان للإنفصال في 2011… و لكن ، و فور إنفصال الجنوب في 2011 و بسبب من الحلول الجزئية فقد ظهر جنوب جديد يمتد من النيل الأزرق في الشرق على الحدود الإثيوبية مروراً بجبال النوبة، ثم أبيي و حتى دارفور في الغرب. و إتضح أن مطالب الجنوب الجديد هي مطابقة بل هي نفس المطالب التي سعى الجنوب لتحقيقها من أجل الوحدة العادلة و لم يستجاب له.
ظهور الجنوب الجديد يرجع لتنامي الوعي في أوساط الفئات المهمشة و التي كانت ضحية للتغييب بإسم الدين تارة و العرق و الإثنية تارة و اللون و الجهة تارات.
و إتضح أنه و بسبب تزايد الوعي على مستوى السودان كله، فقد أصبحت الحلقات تضيق يوماً بعد يوم حول عنق النخبة الحاكمة و التي تقوم بإستغلال السودانيين بمختلف إنتماءاتهم للبقاء فى كراسى الحكم ..حتى قامت ثورة ديسمبر المجيدة بتكسير و تخطي جميع أدوات و آليات فرق تسد بدءاً من اللون و الدين و العرق و الإثنية و الثقافة و الجهة لتوحد كل السودانيين حول المشتركات و القضايا الأساسية التي تجمعهم كلهم كالمطالب المتعلقة بالحقوق و الحريات و ضرورات الحياة الكريمة لكل سوداني أو سودانية دون تمييز، و المساواة في حقوق و واجبات المواطنة.
تم ذلك بعد أن أدت سياسات النخب الحاكمة المتمثلة في الحروب الأهلية و الإبادة إلى تهجير 8 ملايين سوداني تحولوا إلى لاجئين وصلوا الى كل أصقاع الدنيا ، و تنزيح الملايين داخل السودان و تكديسهم في المدن ، بل و تحويلهم من منتجين إلى مستهلكين… إضافة الى عمليات الإفقار الممنهجة التي طالت 95% من السودانيين بسبب تدمير المشاريع الإنتاجية و سيطرة نمط الإقتصاد الريعى الذي يعتمد على الكسب دون المشاركة أو الإهتمام بالإنتاج. للدرجة التي صارت فيه هذه الأقلية من النخبة تستأثر ب82% من الدخل القومي مقابل 18% ل99% من السودانيين و إحتياجاتهم من التنمية و الخدمات.
هذا ما يفسر التدهور المريع للإقتصاد السوداني و التشوهات التي لحقت بالمجتمع مؤخرا ، ولماذا تحول السودان إلى بيئة طاردة لبنيه و قاد لهجرة العقول و الخبرات و كذلك رأس المال المالي حيث ذكر السيد الصادق المهدي في كتابه “الديموقراطية عائدة و راجحة” الصادر فى عام 1990م ، بأن ودائع السودانيين في البنوك الاجنبية وقتها ما يعادل 60 بليون دولار، و أكد في ذات الوقت و الكتاب بأن السودانيين قد إشتروا و إمتلكوا أكثر من مائة ألف شقة في القاهرة لوحدها. و بمناسبة عنوان كتاب السيد الصادق المهدى “الديموقراطية عائدة و راجحة” يثور تساؤل وهو ما تعريف السيد الصادق المهدى لمصطلح الديموقراطية الذى يرد في كل تصريحاته و كتاباته تقريباً؟ و عما أذا كان ممكناً أن توجد ديموقراطية في ظل قوانين تفرق الناس على أساس الدين و الملة؟ و سؤال آخر فى نفس المضمار و هو هل بالامكان إقامة ديموقراطية في ظل دولة متحيزة عرقياً و ثقافياً و جهوياً؟
يظهر أن الازمة السودانية عميقة و تحتاج لحل شامل .. ذلك لأن الإستعمار التركي المصري 1821 قام بتأسيس الدولة المركزية الحديثة و جمع شعوب السودان المختلفة ثقافياً و المتفاوتة تاريخياً داخل هذا الشكل المركزي للدولة مما أدى الى تكوين البنية الإجتماعية المشوهة للدولة السودانية الحديثة التي ظلت قائمة منذ تأسيسها و الى اليوم.
و بعد خروج المستعمر تبنت النخب نفس أدوات المستعمر للسيطرة على الوضعية التى خلقها المستعمر ، مثل مشروعية العنف و الغلبة و نمط التخطيط التنموي الذي يركز التنمية و الثروة في الوسط ثم الإستبداد بالسلطة عبر أستخدام أجهزة القمع النظامية و تسليح القبائل لحماية الإمتيازات الموروثة.. حتى إنفصل الجنوب ليظهر الجنوب الجديد.
كل ذلك و المركز سادر في غيه، بدلاً عن البحث عن صيغة علمية و عملية لإدارة التعدد و التنوع الذي تذخر به البلاد.
الآن نحن كسودانيين مواجهون بسؤال أساسي؟ كيف يحكم السودان، او كيف تتم إدارة هذه التعددات و التنوعات و االتباينات الموجودة في السودان؟
كنا متفائلون بوفد الحكومة الإنتقالية الذي جاء لمحادثات السلام في جوبا أن يقدم لنا وصفة ناجعة للحل، و لكن تفاجأنا عندما تشبث وفد الحكومة بالشريعة الإسلامية كمصدر أوحد للتشريع، رغم مرارة ثلاثين عاماً من حكم الجبهة القومية الإسلامية التي حولت السودان إلى دولة فاشلة بكل المقاييس و المعايير.
و لكن أرجو ألا تصابوا بالإحباط.. لأنه و أخيراً فقد وجد السيد رئيس وزراء الحكومة الإنتقالية الدكتور عبدالله حمدوك الوصفة السحرية و التي من الممكن أن تفتح الباب للحل الشامل.. و تلك الوصفة تتمثل في إتفاق 3 سبتمبر المشترك بأديس أبابا حيث تم فيه الإعتراف بالتعدد و التنوع العرقي و الإثني و الديني و الجهوي و على ضروره المساواة بين الجماعات العرقية و الإثنية و الثقافية و الدينية و الإقليمية كشخصيات إعتبارية أمام الدولة حتى يتساوى الأفراد أمام القانون. و بذلك إستحق الدكتور حمدوك لقب ممثل الإرادة الشعبية السودانية و بجدارة .
لقد كان مطلبنا في الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال هو العلمانية و لكن تنازلنا من أجل السلام و الوحدة و قبلنا بدستور يقوم على الفصل بين الدين و الدولة لتحيد الدولة حتى تقف على مسافة واحدة أو متساوية من كل الأديان و الملل و النحل و الأعراق و الإثنيات و الثقافات و الجهات في السودان .
ذلك سيفسح المجال لإعادة هيكلة الدولة السودانية على أسس الحرية و العدالة و المساواة و بناء دولة موحدة طوعيا و متسامحة مع كل مكوناتها المختلفة و مع جيرانها لتصبح وطنا يسع الجميع.
فصل الدين عن الدولة هو الخيار الوحيد لإنقاذ السودان من الإنهيار لأنه الضمانة الوحيدة لحلحلة قبضة قوى الإسلام السياسي من على مفاصل السلطة و الأقتصاد وهو الضمانة الوحيدة لإعادة السلطة للشعب.. و تحقيق تحول ديموقراطي حقيقي و إستقرار و تنمية مستدامة.
بناءا على ما تقدم نطالبكم بالإلتفاف حول إتفاق 3 سبتمبر – أديس أبابا و العمل بل والتأكد من إجازته بواسطة كل مؤسسات الحكومة الإنتقالية من أجل إستكمال مهام الفترة الإنتقالية و إنجاز أهداف ثورة ديسمبر المجيدة.
هذا هو الطريق للسلام الشامل الدائم.
عاش كفاح الشعب السوداني
و النصر للجماهير
حل مشكلة السودان في يد الحلو. كلنا مع الحلو و النصر أكيد!
وردت بالمقال هذه الجزئية ..
لقد كان مطلبنا في الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال هو العلمانية و لكن تنازلنا من أجل السلام والوحدة.
ثم قلتم ..
قبلنا بدستور يقوم على الفصل بين الدين و الدولة لتحيد الدولة حتى تقف على مسافة واحدة أو متساوية من كل الأديان و الملل و النحل و الأعراق و الإثنيات و الثقافات و الجهات في السودان .
لا ادري اين التنازل هنا .. لان العلمانية هي فصل الدين عن الدولة. اذا لم تتنازلوا .
اعتقد كنتم تقصدون انكم تنازلتم عن حق تقرير المصير .