
ميثاق السودان التأسيسي: نموذج جيد لحل الأزمة السودانية.
بقلم
الأستاذ/ باب الله كجور.
لقاوة - المناطق المحررة
من يطلع على البنود الواردة في المبادئ العامة من وثيقة “ميثاق السودان التأسيسي” التي تم التوقيع عليها في 23 فبراير 2025 بالعاصمة الكينية “نيروبي” سينأى بعيدا عن المكابرة والتعنت، وبنظرة فاحصة بعيدا عن المزايدات سيجد إن الوثيقة تجاوزت نقاط وقضايا خلافية ظلت تؤرق مضاجع، وترهق كاهل السياسيين، وكانت تشكل حجر عثرة كلما جلس الفرقاء السودانيين إلى طاولة التفاوض والحوار للوصول إلى إتفاق حد أدنى يذوب جبل جليد عدم الثقة وتقاطعات المصالح للخروج بالوطن من النفق المظلم وعنق الزجاجة وحالات الإحتقان والحروب المستمرة منذ الإستقلال المزعوم في العام 1956 وإلى اليوم.
فالاتفاق على مبدأ الوحدة الطوعية لشعوب السودان هو بمثابة إعادة أعتبار للذين لم تتم مشاورة أسلافهم عند إنشاء الدولة الحديثة، وهو بمثابة عودة لمنصة التأسيس للدولة السودانية من جديد، وأن تكون الشعوب السودانية مالكة بالأصالة للسيادة الوطنية ومصدر للسلطة وذلك يعد إنتصار لإرادة للشعوب السودانية وتأسيس وبناء دولة علمانية ديمقراطية لامركزية قائمة على الحرية والمساواة والعدالة غير منحازة لهوية ثقافية أو عرقية أو دينية. وتم النص على أن يتم ذلك في الدستور الإنتقالي والدستور الدائم المستقبلي، وكما تم النص على “علمانية الدولة” وهو تطبيق عملي لفصل الدين عن الدولة كقيد وشرط للمحافظة على ما تبقى من خارطة البلاد من الإنشطار والتشظي.
ميثاق السودان التأسيسي وفر فرص للتغيير الجذري في الدولة السودانية لإسكات الأصوات التي ظلت تتمسك وتطالب بقيام دولة ثيوقراطية مفصلة بمقاس (ثوب الدين الشفاف والقصير)، الذي لا يعترف بالآخر، وحظر تأسيس الأحزاب والتنظيمات السياسية على أساس ديني عنصري في هزيمة لدعاة الغلو والتطرف والرجعية، وصياغة وتصميم أهداف المناهج التعليمية وفقا للتنوع التاريخي والتنوع المعاصر.
وإنشاء وتطوير منهج للتربية الوطنية وأعادة كتابة التاريخ الإجتماعي والسياسي كخطوة تهدف لبناء الشعور بأننا جميعا ننتمي لهذا الوطن، وجعل المواطنة أساس للحقوق والواجبات للقضاء على التمييز الذي صنعه المركز عبر إدارته الإستعمارية وفي عهد الحكومات التي سميت جزافا بالوطنية.
الميثاق نص على إعتماد السودانوية كهوية جامعة تصحيحا للمسار السابق، وإنهاء تطاول أصحاب الهوية الأحادية الإقصائية التي لا تمثل الإ القلة من الذين لا يرون التنوع الزاخر في الشعوب السودانية، وقد جعل الميثاق العاصمة القومية مرآءة تعكس التنوع والتعدد وتعطي حق المشاركة في إدارته للكل. الميثاق كان بمثابة مقلاع كبير لتحطيم صنم وتفكيك تمثال وهدم لجدار فصل عنصري مبطن ظل يشكل رمزا للعبودية والإستعلاء الثقافي والعرقي.
الميثاق التأسيسي هو إعادة لبناء المؤسسات العسكرية والأمنية بإنشاء وتكوين جيش وطني جديد موحد، وقوات شرطهة تلتزم بالحيادية والإستقلالية، وجهاز أمن ومخابرات مهني لا يخضع لأي أيديولوجيا، فضلا عن إنتهاج سياسة خارجية تراعي حسن الجوار وتحمي المصالح، وتتسم بالإبتعاد عن التدخل في شؤون الغير، وتمتاز بالواقعية السياسية.
ومن خلال هذه الخطوة التأسيسية سيتم تصفية إقتصاد “الريع العشائري الطفيلي” إنصافا للكادحين والشرائح المنتجة، وعدم الإفلات من العقاب لمرتكبي الجرائم ضد المدنيين العزل، وإثبات حق الضحايا في الإنصاف بسبب الجرائم التي لا تسقط بالتقادم، وتأكيد لسيادة حكم القانون.
وعلى الرغم من تباين الآراء بين مؤيد بقوة، ومعارض بشدة ومنتقد بلطف، وهمز ولمز السلطة المركزية الإنقلابية والمجموعات المرتبطة بها عضويا ووجدانيا والتي تتخذ من بورتسودان مقرا لها، وتعتقد في غرارة نفسها إنها الوصية والمسؤولة عن الشأن السوداني بشكل حصري، وأن أفكارهم ومواقفهم وخياراتهم هي أمر مسلم بها وغير قابل للتبديل مهما حصل من منطلق، وإنهم الأصلاء (العرف عزو مستريح) والآخرين مجرد (تمامة جرتق) وأتباع.
إن ميثاق السودان التأسيسي بلا شك هو نهاية حقبة وبداية فصل جديد من تاريخ بلد أنهكته الحروبات والصراعات المسلحة ونموذج صالح لحل الأزمة السودانية وأرضية تبنى عليها أى خطوات للتسوية الشاملة في المستقبل.
فالقوي الموقعة على ميثاق السودان التأسيسي من الأحزاب السياسية وحركات الكفاح المسلح ونقابات وشخصيات قومية تعي وتفهم وتدرك جيدا جذور المشكلة السودانية، وأن قضايا البلاد المصيرية لا تتحمل أنصاف الحلول ولا مكان فيها للمسلمات والثوابت الواهية التي تخدم من له إمتياز ومصلحة آنية.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.