مهرجــــان كونيغــــــار وأزمــــة الإقليـــــم.

آدْمُ أجْــــــــــــــرَىْ

 

 

إقليم جبال النوبة عرفت منها تضاريسها المشاهدة، أما وعورة تموجاتها الثقافية والإجتماعية ومترتباتهما، فإنها مازالت عصية الإستيعاب بالمستوى الذى يجلب التناغم المنشود. توقعاتها من المركز -الذى لم تختاره يوماً- ليس أكثر من أن يكون مكاناً نظيفاً، ومع ذلك لا يأتى منه إلا أعاصير تغيير وتعرية ثقافية وإضطراب إجتماعى وبكل ما هو سلبى الآثار واضحة، وهى التى تدفعنا إلى التجاسر بالقول أنها مشروع حضارة مجهضة، بالإمكان إيقافها على قدميها وإستئناف السير بها إلى غاياتها الأصلية..
عيد كونيغار فى قرى: نيمانج_أما، له تاريخ موغل فى القدم، هو واحدة من المظاهر الكثيرة التى بقيت صامدة فى وجه عواصف التعرية والإضطرابات الإجتماعية. أفلح هذا العيد فى النجاة من حروب قديمة تعود إلى التركية وما قبلها، والمهدية، وإنهيار الحصون بيد البريطانيين، والثورة الحالية التى تعد الأطول عمراً. صمدت الإحتفالية خلالها ومع أدبيات الهولوكوست: جبل جبل وكركور كركور، بل أتت له بنتيجة معاكسة حيث لأول مرة منذ قرن كامل أمكن إستعادة الحصون.
الضوء الأخضر للشروع فى سلسلة إحتفالات كونيغار، يطلقها سلطان القبيلة -لا علاقة له بالمكوك ولا باقى الإدارات الأهلية – تتوزع الأدوار على أسابيع مرتبة مسبقاً، وتختتم بالمظهر الذى شوهد مؤخراً فى النتل. ما ظهر فيه ليس كل شيئ، ولا أهم شيئ، بل هو إحتفالٌ بمهمة أمكن إنجازها. يسبقها فى صبيحة نفس اليوم وبإجتماع جميع أفراد العائلات، تجرى طقوس كونيغار الحقيقية وترفع الدعوات للجميع.
إنه العيد الأرفع شأناً من بين باقى الأعياد جميعها، يؤكده حجم المشاركة، لابد من عودة جميع أفراد العائلة من أسفارهم، ويبقى الجميع مستنفرين لإستقبال الضيوف والإعتناء بالغرباء، الكل يحرص على إدخالهم دورهم، الصداقات تلعب الدور الأكبر، والفتيات يلعبن أدواراً مقدرة تمتد إلى جوف حلبة المصارعة نفسها. والتى عند الظهيرة يتجه كثيرون إليها، القرى بلاعبيها، ولاعبون يأتون من أنحاء متفرقة من جبال النوبة – ينضمون إلى فريق أقرب قرية من القرى الثمانية إليهم، تبدأ المنافسات وتستمر حتى وقت الأصيل، ثم تتشكل حلقات رقص الكرنق كى تغطى المساحة حتى الليل.
كل شخص له أهميته، رغم المحاولات المتكررة يصعب حرف الإحتفال عن مساره، السياسة لا تعمل هنا ورجال الدولة يفشلون فى تطويعه، وحيث أن الكل منسجم مع الغرض الذى أتى لأجله، لا تحظى الخطب المنبرية بالبريق المعتاد مهما كانت جودتها ومقام صاحبها.
السيول البشرية الفجائية توفر بيئة صالحة لممارسة الأعمال التجارية، لكن عملاً بقاعدة: أن الناس ضيوف القرية، يفترض تقديم كل خدمة لهم مجاناً، فإنهم يستحيون، يمتنعون ويتركون المهمة للوافدين.
التحديات التى تجاوزها كونيغار – علاوة على ما سبق – كثيرة، منها تحريضات منابر رجال الدين، الصدام مع أحكام الشريعة الإسلامية، تحفظات الكيزان، ومحاولتهم الإستثمار فيه كلها باءت بالفشل، ثم تحول مكان الإحتفال- أو جوارها- إلى ساحة مطاحنات حربية، تجاوزته كذلك، وكسبت جولة جديدة.
إنه نموذج واحد مع مئات أخرى تقف حجر عثرة أمام إستيعاب الإقليم فى دولة عروبية إسلاموية. مؤكدا له شيئاً واحداً، إما أنه بحضارته وثقافاته جسم غريب يتطلب تعديله وطمس معالمه، أو أن حظه العاثر هو الذى جعله فى حضن مسخ وليس جزءاً من دولة حقيقية.
عيــــــــــــــد.. سعيــــــــــــــد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.