مهام موسم الشوق الحلو…!!
د. مرتضى الغالي
نرجو أن تُقال (على وجه السرعة) عثرات مفاوضات جوبا بين السلطة الانتقالية والحركة الشعبية – عبد العزيز الحلو.. وكنا نتفاءل بحسب ما نعلمه عن الصبغة العقلانية للحلو واتساع افقه الاستراتيجي والوطني؛ كما كنا نأمل ألا يُشابه الاتفاق معه الاتفاقيات السابقة مع فصائل الحركات التي كان بعض قادتها يرّكزون على تسليم الفلوس لهم (يداً بيد) على غير المعهود في التعامل بالأموال العامة التي لا يتم تسليمها للمسؤولين في أياديهم.. بل يتم تخصيصها للبرامج والمشروعات.. والواجب في مثل هذه الحالات توجيه المال للبرامج الاسعافية الغذائية والصحية في المناطق التي نكبتها الإنقاذ بالحرب والصرف على تفكيك المعسكرات وإعادة النازحين واللاجئين إلى مساكنهم والتلاميذ إلى مدارسهم وإعادة وانتشال الأهالي من (التروما) والرعب الذي عصف بصحتهم النفسية من طول معاقرة المخاوف والشح والجوع والعطش والمهانة بعد المحارق المروّعة…!
ولا احد يتمنى أن يستمر تعثر التفاوض ونأمل أن تكون رئاسة الحكومة المدنية قريبة من مسارات المفوضات.. لا أن تتركها فقط لرئاسة الجنرال الكباشي لسوابقه في (دردقة الصخور تحت العجلات) وكنا نرجو أن يكون على رأس المفاوضات من جانب سلطة الانتقال شخصٌ قلبه على الثورة وعلى السلام بعيداً عن أي تأثيرات إنقاذية سابقة أو مُفترضة مع خلوه من أي احتقانات تجاه آمال الثورة وشبابها ولجان مقاومتها.. ولا نريد العودة إلى (واقعة الحتانة) ولقائها المشبوه والبلاغات التي تواترت على لجان المقاومة ممن جعلته الثورة في موقع رئاسة قومية في مجلسها السيادي..!!
على كل حال كان العشم أن يكون على رأس الفريق مفاوض (اخف مؤونة) من الكباشي.. وفي كل الأحوال نأمل أن تسير رياح التفاوض رخاءً.. وكان الناس يرون أن كلمة التفاوض ليست هي الأمثل، وكانت الآمال كباراً بأن ما ينبغي أن يكون بين الطرفين هو حوار لا تفاوض بعد أن غارت الإنقاذ من وجه السودان واصبح الطريق ممهداً إلى تلاقي الأهداف بين طرفي الطاولة للإسراع بإعادة الأوضاع الناشزة التي أوجدتها الإنقاذ بين المركز والأطراف لا البناء عليها والتمسك بها.. حتى يضم الوطن جناحه على كل مناطقه وعلى جميع أبنائه وحتى تتم إزالة التهميش والمركزية الظالمة بعد الخسارة الكبرى بانفصال الجنوب… بهذا يستوجب على الطرفين المزيد من العقلانية فليس الأمر إملاء شروط وليس من مهام جولات التفاوض الآن إعادة ترسيم الدولة السودانية.. فهذا شأن المؤتمر الدستوري والحوار الجامع بين جميع مكونات الوطن.. ولا يمكن لهذه المفاوضات أن تقرر وتبت في طبيعة الحكم أو أن تعيد ترتيب المستويات الفيدرالية والاتحادية وأوضاع الأقاليم وترتيبات الحكم المحلي.. وليستذكر الطرفان ولنستذكر جميعاً أن ما فعلته الإنقاذ بحروبها وعنصريتها ومحارقها كان القصد منه توريط الوطن في دائرة مفرغة تتيح لها البقاء الدائم في السلطة وخلق حالة عصية على المعالجة لمن يأتي بعدها..لاولم تكن تبالي بما يصيب البلاد والعباد.. فليلتزم التفاوض جانب الموضوعية بعيداً عن (الفاولات)..!! فالحلو الآن لا يفاوض الإنقاذ وإنما إخوته تحت رايات الديمقراطية والسلام والتعددية والمساواة والحرية.. أو هكذا ينبغي أن يكون الحال.. ولا داعي على سبيل المثال أن تقرر هذه المفاوضات في يوم العطلة الرسمي وتحويله إلى الثلاثاء أو الأربعاء.. ومن هنا نهدي المتحاورين من الطرفين أبيات الشاعر التركي الثوري (ناظم حكمت) التي اعتذر فيها من السجن إلى زوجته قائلاً (كنا نريد أن نرسل لك باقة بنفسج كالعادة كل أربعاء.. ولكن هذه المرة كان الرفاق جياعاً فأكلنا بثمنها خبزاً)….!!