من مخيم لاجئين إلى نجم كرة قدم واعد… رحلة كيبّا جورج الضو في كرة القدم
بقلم : كالو يوسف (دي جونتا)
وُلد كيبّا جورج الضو في 16 نوفمبر 2001 في ضواحي الخرطوم، ويُعد من اللاجئين السودانيين الذين ترعرعوا في ظروف صعبة بمخيم كاكوما في كينيا. هو الابن الأوسط في عائلة مكونة من خمسة أطفال، حيث قام والداه جورج الضو توتو وسيسيليا سعيد ألنور بتربيته مع أشقائه. بعد ستة أشهر من ولادته، فرت عائلته من ويلات الحرب في السودان واستقرت في كاكوما، ليبدأ كيبّا مسيرته في الحياة في بيئة قاسية. في 24 مايو 2020، توفي والده بسبب مضاعفات مرض السكري وارتفاع ضغط الدم، وهو حدث ترك بصمة عميقة على حياة كيبّا، مما أثر في طموحه ومستقبله الكروي.
بدأ كيبّا مشواره التعليمي في مدرسة توركويل التمهيدية، ثم انتقل إلى مدرسة بالوتاكا الابتدائية. وعلى الرغم من الظروف الصعبة، برز شغفه المبكر بكرة القدم، ليبدأ في صقل مهاراته تدريجياً. ومع انتقاله إلى المرحلة الثانوية في مدرسة “جرين لايت”، كان شغفه قد تحوّل إلى التزام حقيقي تجاه اللعبة، متأثرًا بمشاهدة النجوم العالميين عبر شاشات التلفاز. جذبته حماسة المباريات الكبيرة، وتحليل الخطط التكتيكية، ما جعله يحلم بمستقبل كروي واعد.
أطلق عليه أقرانه لقب “بوجبا” بفضل أسلوب لعبه في خط الوسط وقدرته البارعة على التمرير والسيطرة على الإيقاع، مشابهًا بذلك النجم الفرنسي بول بوجبا. مسيرة كيبّا هي قصة ملهمة، مليئة بالصمود والعزيمة، وسط تحديات حياة اللاجئين ونقص الدعم للمواهب الشابة.
على الرغم من محدودية علاقته المباشرة بالسودان، حيث انتقل مع عائلته إلى كينيا وهو في سن صغيرة، إلا أن نشأته في مخيم كاكوما كانت مليئة بالتحديات. كان كيبّا يستخدم كرة القدم كوسيلة للهروب من واقع الحياة الصعبة. لكن كرة القدم في كاكوما كانت تفتقر إلى التنظيم والفرص، حيث غابت الدوريات المحترفة عن المشهد، ما جعل مسيرة اللاعبين الواعدين مثل كيبّا مليئة بالعقبات.
بدأ كيبّا مسيرته الكروية بشكل جاد في سن الثانية عشرة، حيث انضم لفريق “بلاك كوبرا” كحارس مرمى، قبل أن ينتقل إلى مركز المدافع. لاحقًا، انضم إلى فريق “دينجر إف سي” ليلعب في مركز الظهير الأيمن. وبعد فترة قصيرة، قرر التحول إلى مركز الوسط الميدان، مستلهمًا من أداء بول بوجبا في كأس العالم 2018. كانت هذه النقلة نقطة تحول في مسيرته، حيث ركّز بشكل كبير على تطوير مهاراته في التمرير والتحكم في المباراة.
شهد شهر ديسمبر 2018 محطة محورية في مسيرته الكروية، عندما برز خلال بطولة مجتمعية، حيث أثار اهتمام الكشافة بأدائه اللافت. حصل على لقب “بوجبا” من الجماهير، وسرعان ما تم التعاقد معه من قِبل فريق “جولودا” الذي يلعب في دوري كاكوما الممتاز. رغم هبوط الفريق إلى الدرجة الأدنى، إلا أن موهبته لم تغب عن أنظار المتابعين. في عام 2019، انضم كيبّا إلى فريق “الجبل 99″، أحد أعرق الأندية في الدوري المحلي، حيث برز كعنصر أساسي في تشكيلة الفريق وأظهر مستوىً رائعاً.
وفي أكتوبر 2019، انتقل كيبّا إلى “كاكوما يونايتد” الذي ينافس في دوري FKF DIVISION II. لكن مع اندلاع جائحة كورونا، توقفت المنافسات لفترة، مما أثّر على مسيرته مؤقتًا. بعد الجائحة، عاد إلى تدريبات ما قبل الموسم، حيث لفت أنظار فريق “هيلسايد إف سي”، ووقّع معه في 2022 بعد أداء مميز في مباراة ودية.جاءت فرصة كيبّا الكبرى في ديسمبر 2022، عندما شارك في مباراة ودية استعدادًا للموسم ضد “كاكاميغا هوم بويز”، أحد فرق الدرجة الأولى في الدوري الكيني. رغم عدم إتمام الصفقة للانضمام إلى الفريق، إلا أن مستواه الفني لفت أنظار العديد من الكشافين. وفي يوليو 2023، تلقى دعوة لاختباره مع فريق “رينبو إف سي”، الذي ينافس في دوري الدرجة الثانية الكينية (NSL). تمكن كيبّا من إثبات نفسه ضمن الفريق بعد تقديمه أداءً مميزًا خلال الاختبارات.
مسيرة كيبّا المدعومة بالعائلة، خصوصاً والدته، وكذلك المنظمات الدولية مثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وLWF، ساعدته في تجاوز العديد من الصعوبات. كانت هذه المنظمات توفر له الموارد الأساسية وتتيح له فرصة المشاركة في الأنشطة الرياضية المنظمة.ورغم الشكوك التي كانت تثار حوله من قبل المجتمع والآباء الذين يرون كرة القدم مسارًا غير مضمون، استمر كيبّا في السعي نحو النجاح. نصيحته للاجئين الشباب الطامحين هي “أن يبقوا مصممين على تحقيق أحلامهم، وأن يطلبوا الإرشاد من المدربين، وألا يهملوا تعليمهم، وأن تكون لديهم رؤية بعيدة المدى لمستقبلهم”.في المستقبل، يحلم كيبّا باللعب في أحد الدوريات الكبرى في أوروبا، مع طموح بتمثيل بلده على المستوى الدولي. كما يسعى إلى رد الجميل لمجتمعه من خلال تأسيس أكاديمية كرة قدم لتطوير المواهب الشابة وخلق فرص جديدة. بالإضافة إلى ذلك، يطمح إلى تطوير برامج تستخدم كرة القدم كأداة للتنمية الاجتماعية والسلام، تجمع الناس من خلفيات مختلفة وتساهم في محاربة التحيزات.رحلة كيبّا جورج الضو من مخيم اللاجئين إلى ملاعب كرة القدم هي شهادة حية على قدرة الإنسان على الصمود والمثابرة. على الرغم من الظروف الصعبة التي نشأ فيها، إلا أن إيمانه بقدراته وشغفه باللعبة جعلاه يصل إلى مستويات عليا من النجاح في مسيرته الرياضية.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.