مناظير

زهير السراج ‏[email protected]

 

العقول المستعبدة !

قرأت كتاب التفكير المقصود ( Intentional Thinking ) ألذي أبدع فيه الباحث (دييل إيست) ــ Dale East بعرض مجموعة من التقنيات التي يستطيع معها الشخص التحكم في طريقة تفكيره.

قادني هذا الكتاب لاستنتاج أنه من الصعب التحكم في عقولنا إذا كنا لا نملكها ! نعم لا نملكها لأنها مجرد أجهزة تسكن بالدور العلوي من أجسادنا وتم تأجيرها للآخرين للتحكم بها.

من المؤلم أن تجد أشخاصا غُرر بهم على الرغم من تخصصاتهم العلمية، وأشخاصا كل أحكامهم وقراراتهم سطحية رغم شهاداتهم العليا، وأشخاصا تحليلاتهم وقراءاتهم لا توازي خبراتهم العملية، كل ذلك بسبب تأجير عقولهم!

قبل أن تحكم على هؤلاء وتقول الحمدالله على نعمة العقل، يجب أن تحاكم نفسك بصدق لترى إن كنت ما زلت تملك عقلك أم إنك أجرته! وحتى تتأكد من سلامة ملكية عقلك يجب أن تكون خاليا من أحد العلامات الخمس للعقلية المؤجرة، وهىَّ:

أولا، العقلية المؤجرة لديها تسليم تام بمسلمات غير قابلة للنقاش! وهذه المسلمات مبنية على تسليم الآخرين وتظل تردد (بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون). وهذه العلامة تعد من أبرز علامات العقلية القابلة للتأجير المنتهي بالتمليك! حيث تترك لغيرها فرض المسلمات ولا تحاول التفكر في تلك المسلمات، أو إعطاء فرصة لمراجعتها وتعديلها، فيصبح العقل مستأجرا تعود ملكيته لمن وضع تلك المسلمات.

ثانيا، العقلية المؤجَرة لديها قواعد وافتراضات غير منطقية، مبنية على اجتهادات شخصية وضعها الآخرون لنا وقمنا بتطبيقها دون مراعاة أنها ليست مبنية على أبحاث أو تجارب مثبتة أو قواعد رصينة! فتم تأطير حياتنا وعقولنا بقوالب جاهزة من صنع غيرنا لا نستطيع الخروج منها، فنتوهم أننا نفكر ولكن في الحقيقة نحن نفكر داخل حدود ضيقة يصعب الخروج منها.

ثالثا، العلامة الثالثة من علامات العقلية المؤجَرة أنها عقلية تقدس الاشخاص، وليس الفكرة، ولديها تفضيل لبعض الشخصيات والجماعات الذين يستأجرون تلك العقول بالمجان ومدى الحياة! وهذا التقديس يجعلها عقولاً لا تُحاكم الفكرة، بل تأخذها كما هي، وتتحول إلى عقلية عاجزة عن أخذ المفيد وترك الضار، لأنه يستحيل عليها مخالفة تلك الشخصيات والجماعات، وتتحول إلى عقلية قائمة على النسخ واللصق وتقديس المنقول دون تحليل ونقد من باب قدسية أصحابها.

رابعا، العقلية المؤجَرة غالبا ما تخضع للتفكير الجمعي او تفكير القطيع وهو نمط من محاكمة الحقائق والآراء يتقدم فيه الحفاظ على تماسك المجموعة وسيادتها على البحث بموضوعية عن الحقائق. وبسبب الضغط الملح على التوافقية يقوم الفرد بتأجير عقله ويُخفي صوته حتى يتوافق مع صوت الجماعة. ويسهم التنمر عبر وسائل التواصل الاجتماعية اليوم بشكل كبير في تأجير العقل لصالح التوجه الافتراضي الجمعي.

خامسا، العقلية المؤجَرة أحكامها فورية وانطباعاتها قطعية، فبسبب كثير من الموروثات تصبح لدينا عقول مؤجرة تصدر أحكاما فورية مبنية على أحكام مسبقة، حولت الاعتقادات إلى عقائد، والعادات المجتمعية إلى انطباعات وقناعات قطعية! فتصبح الأحكام والقرارات تحت تأثير سلطة الموروث لا سلطة العقل الحر العلمي.

تلك هىَّ العلامات الخمس للعقلية المؤجَرة، وبصراحة شديدة أجد أنها تنطبق على الكثيرين منا وربما على شعبنا بأكمله، فهل تملك عقلك أم تؤجره لغيرك يستخدمه لاستغلالك وتنفيذ ارادته ثم السخرية منك .. أيهما أنت ؟!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.