مقال مكتوب قبل سنتين .!!!

عادل شالوكا

 

هل توجد حكومة في السُّودان .. أم عصابات للنهب والقتل والدمار .. ؟

لا شك إن جميع السُّودانيين يتابعون ما يحدُث الآن، ويتوقَّعون الأوضاع الكارثية التي قد تنجرِف إليها البلاد في المُستقبل القريب ما لم تحدُث مُعجزة أو أمر غير مألوف وسط السَاسة والنُخب التي أدمنت الفشل منذ أكثر من نصف قرن. وكما يبدو فإن هذا الإدمان سيستمر لوقت طويل .. وسنواتٍ عِجاف أُخرى قادِمة – (متوقَّع حدوث إنقلاب آخر في الساعات أو الأيام القليلة القادمة). فهي دائرة شريرة (حكومة تُسمَّى بديمقراطية / إنقلاب عسكري / إنتفاضة شعبية تعقُبها حكومة إنتقالية .. وهكذا) .. والقاسم المُشترك في جميع هذه الفترات والأنظمة المُتعاقبة .. هو الحروب المُستمرة وإبادة الشعوب .. !!. هذا الفشل المُستمر ونمط الحُكم المُتكرِّر جعل هذا البلد المنكوب .. بلداً للـ(عجائب السِّياسية) .. فكل ما هو غريب وغير منطقي وغير معقول وغير مقبول .. تجِده في السُّودان ..!! . بلادٌ أنجبت الكثير من العُلماء والقادة الوطنيين والمُناضلين الشُرفاء .. ولكن يحكُمها غيرهم .. ولعشرات السنين ..!!. وأصبح ذلك هو ما يُميِّزُها لدرجة أن الأمر أصبح عادياً .. فكأنَّما هي لعنة الرعيل الأول (وارثي السُلطة) من الإستعمار ..!!.

من الغرائب (القريبة) .. إننا طالعنا في هذه الأيام خبراً منسوباً إلى الناطق الرَّسمي بإسم المُنسقية العامة لمعسكرات النازحين واللاجئين بدارفور – نُشر بتاريخ الجمعة: 24 ديسمبر 2021 مفاده الآتي:

((طالبت السُلطات الأمنية بمدينة “مورني” محلية كرينك – ولاية غرب دارفور – المواطنين والنازحين بدفع مبلغ مليار جنيه سوداني لكل شهر مُقابل توفير الأمن وتسيير الدوريات داخل المدينة بعدد سبعة عربة دفع رباعي، على أن يتم سداد المبلغ لكل شهر عبر الغرفة التجارية – وهي عبارة عن إمداد القوات الأمنية – حسب إدِّعائهم – (وقد تم دفع الشهر الأول بالفعل)، وكان نازحي ومواطني منطقة (مورني) قد دفعوا مبلغ (25) مليار ونصف جنيه سوداني مُقابل مقتول مجهول خارج المدينة)) – إنتهَى.

هذا الخبر (غرابتِه) تكمُن في إن الحكومة هي المُناط بها خدمة مواطنيها الذين يدفعون الرسوم والضرائب (وغيرها من الأتاوات التي تُجمع بغير وجه حق) بموجب عقد إجتماعي يُفترض أن يُبرَم بين الحاكِم والمحكوم، يتنازل فيه الفرد طواعية عن سُلطاتِه لصالح حكومة تُلبِّي حاجتِه، وتعمل على بسط الطمأنينة والأمن وتوفير الخدمات وتحقيق التنمية والرفاه للأفراد. فهذه الحكومة الآن تُطالب مواطنيها بدفع مليارات الجنيهات مُقابل حمايتهم .. !!. فما هي واجبات الحكومة إذاً حيث أن المواطنين هم من يدفعون ثمن حمايتهم .. ؟!!. ولماذا يلجأؤون إلى الحكومة أصلاً طالما هم (المواطنين) من يدفعون التكلُفة ؟ .. ولماذا لا يحمون أنفسهم بتوفير السلاح وعربات الدفع الرباعي بدلاً عن دفع (المليارات) إلى للحكومة ..؟ وإذا فعلوا ذلك فما هو مصير الدولة التي تسمَّى بالسُّودان .. ؟. وهل توجد في الأصل دولة (السُّودان) أم هنالك عصابة عُنصرية جاثمة على صدور الشعب لسنوات طويلة تنهب ثرواته وتقتل وتنتهك الحقوق وتُمارس القتل والإغتصاب والإبادة على أساس عُنصري وتوفِّر الحماية لبعض المواطنين وتفتك بسواهم .. ؟ هذا هو ما يحدُث الآن في السُّودان .. مؤشِّر قوي للقتال والدمار والحرب التي ستطال الجميع في المُدن والقُرى والأرياف – في الهامش والمركز .. حينها سيعلم الجميع إنهم كانوا يربُّون (المرافعين) في حظائر الخراف .. ولكن بعد فوات الأوان.

وبالطبع في هذه الأيام لم تنسَى (حكومة الإنقلاب) أن تحشِد قواتِها التي تُسمَّى بـ(القوات المُسلَّحة السُّودانية) – وهي في الأصل عبارة عن مليشيات غير مهنية (قادتها عُنصريون) إحترفوا قتل الأبرياء من المواطنين العُزَّل على أساس عُنصري. هذه القوات تم حشدها في المناطق المُتاخمة لمناطق سيطرة الحركة الشعبية لتحرير السُّودان – شمال تهديداً بشن الحرب (المُجرَّبة). وهو ما كان يفعله (عمر البشير) وغيرهم من الحُكَّام الذين كانوا ينظرون إلى قضايا الهامش كـ(مشكلة أمنية) تُحسَم بالسِّلاح والتجريدات العسكرية والإبادة الجماعية، الأمر الذي أدَّى إلى فصل جنوب السودان ويُهدِّد الآن بفصل مناطق أخرى – الخيار الأقرب حالياً في ظل وجود هذه العقلية المريضة – كما قامت هذه الحكومة التي (يترأَّسها البُرهان) بإصدار أمر الطوارئ رقم (3) لسنة 2021 الخاص بمنح تفويض سُلطات القبض على الأشخاص ومنح الحصانات .. !!. وقد منح الأمر أيضاً القوات النظامية (ومن بينها جهاز المُخابرات) سُلطات: (إعتقال الأشخاص، التفتيش، الرقابة على المُمتلكات والمُنشآت، الحجز على الأموال وغيره، حظر أو تنظيم حركة الأشخاص). كما نصَّ الأمر على عدم إتخاذ أي إجراءات في مواجهة أفراد القوات النُظامية التي تتولَّى تنفيذ قانون الطوارئ وحماية السلامة العامة لسنة 1997 المُعلن بتاريخ: 25 أكتوبر 2021 وفق المرسوم الدستوري رقم (18) .. !!.

هذه التحرُّكات هي بالطبع رسالة (مقروءة) بصورة جيِّدة للجميع، ولا تفوت على فطنة السُّودانيين وعبقريتِهم. هذه الحكومة التي يقودها الآن المُكوِّن العسكري في مجلس السِّيادة (الإنقلابيون) الذين ربما يتوقَّع منهم الشعب السُّوداني أن يتنازلوا طواعية عن السُلطة ويسلِّموها لـ(حكومة مدنية) – وهذا ما نصبو إليه جميعاً – ولكنه إحتمال بعيد المنال في ظل الأوضاع الراهنة التي تُحيط بهم ومن أهمُّها تورُّطهم في ملفَّات لا يُمكن أن يفلتوا منها إلَّا عبر تشبُّثهم بالسُلطة .. وبالتَّالي لن نتشاءَم لثقتنا في هذا الشعب العظيم، الشعب المُعلِّم الذي صنع الثورات وأدهش العالم أجمع .. قاوم كافة صنوف البطش والقهر والإضِّطهاد بكافة الوسائل .. سلميةً كانت أم كفاح مُسلَّح .. واجه شبابِه الموت في ثورة ديسمبر المجيدة بصدورٍ عارية، يدفعهم الأمل نحو السُّودان الجديد .. ووطن يسع الجميع.

ولكن الأوضاع حالياً لا تُنذِر بالخير أو السلام والتحوُّل الدِّيمقراطي الذي ننشده .. بل تُنذِر بالحرب الشاملة وتفكُّك البلاد وتفتُّتِها .. فإلى أين نحن ذاهبون ..؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.