مفهوم الهوية في المجتمعات والدول العربية وفلسفتها عند الدول الغربية (١–٢)

الباحث: عبدالعزيز أحمد ديرو

 

نتناول في هذا المقال بشئ من التفصيل عن مفهوم الهوية وأنواعها وتكوينها في المجتمعات وبعض الدول العربية كما نشير أيضا علي السودان باعتبارها دولة بلا هوية، ورؤية السودان الجديد في هوية الدولة السودانية.
يعاني الإنسان العربي المعاصر من أزمة هوية وانتماء عميقة وشاملة وتعود جزور هذه الأزمة إلي وجود الإنسان العربي في ظل كيانات إجتماعية متعددة ومتعارضة تبدأ بالقبيلة والطائفة حيناُ وتنتهي بالدين والاثنية أحياناً أخري. فإذا دققنا النظر في المجتمعات العربية والوطن العربي فنلاحظ بأنها كيانات مركبة تركيب شديد التعقيد، تتداخل فيه عناصر الولاءات المحلية بالولاءات الوطنية حيت لا تتطابق فيه حدود الجغرافيا مع حدود المشاعر ولا حدود السياسة مع حدود الأمة والسبب في ذلك وحسب آراء بعض الكتاب يعود إلى أن نشوء الدول العربية لم يأتي بشكل طبيعي وتطور مستمر وإنما نتيجة عوامل خارجية علي الأقل فيما يتعلق بتحديد الحدود الدولية لهذا الدول وفصلها عن بعضها بواسطة الدول المستعمرة.
الهُوِيَّةُ هي مصطلح يستخدم لوصف مفهوم الشخص وتعبيره عن فرديته وعلاقته مع الجماعات كالهوية الدينية أو الوطنية أو العرقية يستخدم المصطلح خصوصا في علم الاجتماع وعلم النفس، وتلتفت إليه الأنظار بشكل كبير في علم النفس الاجتماعي. فكلمة «هوية» منسوبة إلى الضمير «هُوَ» فهي تعني تعني هوية الآخر أو الغريب عند بعض المجتمعات العربية خاصة في دول الخليج، حيث يسألوا من هو؟ وتستعمل كلمة هوية في الأدبيات المعاصرة لأداء معني كلمة Identity والتي تعبر عن خاصية المطابقة. أي مطابقة مطابقة الشئ لنفسه، أو مطابقة لمثيله، وفي المعاجم الحديثة فأنها لا تخرج عن هذا المضمون، فالهوية هي: حقيقة الشئ أو الشخص المطلقة المشتملة على صفاته الجوهرية والتي تميزه عن غيره، وتسمي بالذات.
والهوية هي التعبير الاجتماعي والثقافي لعملية انتماء وعطاء الإنسان لذاته وانيته الحضارية في ظل تسارع التغيرات الذي يعيشها العالم اليوم في جوانب الحياة المختلفة – السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية. مصطلح الهوية واحدة من أكثر المصطلحات حاجة إلي الإثارة والمدارسة والفهم ومن ثم التجسيد، ذلك أن الإنتماء حاجة متأصلة في طبيعة النفس البشرية، وإنسان من غير هوية لا معنى له. وعلماء الإجتماع يرون بأن المجتمع القوي هو ذلك الذي يعتز بهويته كواحدة من ثوابته الراسخة، فإن بروز الكثير من المعطيات علي خارطة التحول العالمي قد أضعف من واقع وصلابة هذا المفهوم في وعي الأجيال الحاضرة.
الهوية هي مجمل السمات التي تميز شيئا عن غيره أو شخصا عن غيره أو مجموعة عن غيرها. كل منها يحمل عدة عناصر في هويته. عناصر الهوية هي شيء متحرك ديناميكي يمكن أن يبرز أحدها أو بعضها في مرحلة معينة وبعضها الآخر في مرحلة أخرى.الهوية الشخصية تعرف شخصا بشكله واسمه وصفاته وجنسيته وعمره وتاريخ ميلاده. الهوية الجمعية (الوطنية أو القومية) تدل على ميزات مشتركة أساسية لمجموعة من البشر، تميزهم عن مجموعات أخرى. أفراد المجموعة يتشابهون بالميزات الأساسية التي كونتهم كمجموعة، وربما يختلفون في عناصر أخرى لكنها لا تؤثر على كونهم مجموعة.
تُعرّف الهوية أيضا بأنّها مزيج من الخصائص الاجتماعية والثقافية التي يتقاسمها الأفراد ويُمكن على أساسها التمييز بين مجموعة وأخرى، كما تُعرّف على أنّها مجموعة الانتماءات التي ينتمي إليها الفرد وتُحدّد سلوكه، أو كيفية إدراكه لنفسه، والهوية تتأثّر بعدّة خصائص خارج نطاق سيطرة الأفراد كالطول، والعرق، والطبقة الاجتماعية والاقتصادية،والآراءالسياسية، والمواقف الأخلاقية، والمعتقدات الدينية. وتزيد معرفة الشخص لهويته من خلال احترامه وفهمه لذاته، و في نفس الوقت لا تُعدّ هوية الفرد ثابتةً حيث تتغيّر وتتطوّر مع الزمن، فقد كانت الهوية في الأصل قضيةً فلسفيةً ومنطقيةً غرسها العالم فرويد في علم النفس، وطوّرها العالم إريكسون الذي بيّن أنّ الهوية ليست فرديةً فحسب، بل هي قضية جماعية واجتماعية، تشمل الاختلافات والشعور بالانتماء بين الأشخاص والمجموعات. فإذا سألنا من أين تم تكوين الهوية وكيف؟ فنجد أن تكوين الهوية وفقاً لعلماء النفس يعرف بأنّه العثور على الذات وفهمها من خلال مطابقة مواهب وقدرات الفرد مع الأدوار الاجتماعية المتاحة، ولذلك يُعدّ تعريف الفرد لذاته خياراً غايةً في الصعوبة نظراً لاتّساع العالم الاجتماعي من حوله، ويُمكن اكتشاف وتطوير مهارات الفرد الشخصية من خلال عملية التجربة والخطأ.
للهوية عدة أنواع أهمها الهوية الفردية: وهي الهوية التي تُوضّح ماهية الإنسان ومن هو، وتشمل عدّة عوامل كالرقم الوطني، وبصمات الأصابع، وجواز السفر، وشهادة الميلاد، والتاريخ الشخصي، والأصدقاء، والعائلة، والعلاقات. الهوية الاجتماعية: وهي غير اختيارية لأنّها تلتزم بمفهوم الأدوار الاجتماعية وطرق التصرّف المفروضة على فئة محددة كالأطفال. الهوية الجماعية: وهي الهوية التي تتشاركها المجموعات الاجتماعية. الهويات المتعددة: يُجادل علماء الاجتماع أنّ الهوية أعقد ممّا سبق، وذلك لأنّها تتأثّر بعدّة عوامل ترتبط بالقضايا الاجتماعية المحيطة؛ كالطبقة الاجتماعية، والجنس، والعِرق، والعمر، والجنسية، وغير ذلك. وصمة الهوية: ترتبط بأيّة صفةٍ جسديةٍ أو اجتماعية غير مرغوب فيها. تطوير الهوية: يشمل هذا تطوير الهوية الدينية، والهوية السياسية، والهوية المهنية، والهوية العرقية، والهوية الجندرية، ويتضمّن تطوير الهوية جانبين رئيسيين، هما مفهوم الذات: يُشير إلى قدرة الشخص على بناء معتقدات وآراء شخصية بثقة واستقرار، والجدير بالذكر فأن التطورات المعرفية في مرحلة المراهقة المُبكرة تُساهم في زيادة الوعي الذاتي، والوعي حول الآخرين وأفكارهم وأحكامهم، بالإضافة إلى القدرة على التفكير في الاحتمالات المجردة والمتعددة. احترام الذات: يُشير إلى أفكار الفرد ومشاعره تجاه مفهوم ذاته وهويته الشخصية وتعزيزها وحمايتها. الهويات الاجتماعية تُشير الهوية الاجتماعية للفرد إلى المجموعة التي ينتمي إليها الفرد، والتي تُعرّف عادةً بناءً على الخصائص البدنية، والاجتماعية، والعقلية، للأفراد؛ كالعِرق، والجنس، والطبقة الاجتماعية، والدين، والقدرات البدنية، والحالة الاجتماعية، والمعتقدات الدينية، وغير ذلك. نظرية الهوية الاجتماعية تتمثّل هذه النظرية في دراسة التفاعل بين الهويات الشخصية والاجتماعية، ويقول “دور كانم” محللاً العلاقة بين الهوية الفردية والهوية الجماعية: يوجد في كل من كائنات: كائن إجتماعي ويتكون من منظومة الأفكار والمشاعر والعادات التي تعبر فينا عن المجموعة من ناحية أدي وأن تلاحم هذين الوجهين هو الذي يكون الكائن الإجتماعي. وتُصاغ نظرية الهوية الاجتماعية من خلال أربعة عمليات وهي: التصنيف الاجتماعي وتُشير إلى تحديد الهوية الذاتية للفرد مع مجموعة اجتماعية. الإيجابية داخل المجموعة: تُشير إلى العواطف الإيجابية واحترام الذات الناتجة عن الانتماء للمجموعة. المقارنة بين المجموعات: وتُشير إلى التصورات حول وضع المجموعات المختلفة. العداء خارج المجموعة وينتج عن مقارنات وتصورات بين المجموعات حول عدم شرعية بين المجموعات في المجتمع.
معظم الدول العربية تعاني من إشكالات الهوية سواء كانت دينية مثل الطوائف الدينية كالصراع بين الشيعة والسنة والاكراد في كل من عراق وسوريا ولبنان بينما في السودان الشعب لا يعاني من مشكلة الهوية الفردية ولا الجماعية بل في هوية الدولة، حيث هنآك جماعة من الجماعات السودانية المختلفة ألبست هويتها الخاصة وقام بفرضها على كل الشعب السوداني، ويتم فرضها عبر الدين الإسلامي، اللغة، التاريخ، الثقافة والتعليم وتحويلها إلي أيديولوجيا ليستفيد منها المسيطر أو المركز. النخب السياسية وخاصة الأحزاب التقليدية منها حاولوا وضع فيما يعرف بالثوابت الوطنية والمتمثلة في “الإسلام والعروبة”واعتبروها خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها،
ويُعًد انتهاك لحقوق اغلب الشعوب السودانية المختلفين معهم في العرق والدين والثقافة وحتي اللغة.
بينما رؤية السودان الجديد في هوية الدولة وإدارة التنوع جاء علي لسان القائد الراحل ومهندس السودان الجديد الدكتور جون قرنق دمبيور قال: “بأن الهوية السودانية هي رابطة إجتماعية سياسية تشمل كل القوميات السودانية وكل الأديان وتنتفع من الحضارات الأخرى، وتستفيد من التطورات الإنسانية، وتقوم هذه الرابطة علي حقائق الواقع التاريخي والمعاصر للدولة السودانية” وهي تقوم علي أن الهوية الوطنية غير قابلة للاختزال في أي من مكوناتها.

ونواصل

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.