مشروع السودان الجديد واختراق البنية المفاهيمية للتنظيمات السياسية السودانية .
علي أقيجي
ما نود الاشارة اليه في هذا المقال هو دراسة وتحليل لطبيعة التفاهمات السياسية والتحالفات والتكتيكات التي تنتهجها الحركة الشعبية لتحرير السودان لتحقيق مشروع السودان الجديد ، ولا يمكن فهم طبيعة هذه التفاهمات السياسية للتنظيم دون ادراك لمشروع السودان الجديد او البرنامج السياسي للحركة الشعبية ، اوحتى اليات تحقيق مشروع السودان الجديد من : نضال مسلح او ثورة سلمية محمية بالسلاح او حتى تفاوض ياخذ احيانا طابع تفاهمات سياسية حتى مع قوى السودان القديم بغية نشلها من وحل السودان القديم ومن ثم المضي قدما لتكون قوى سودان جديد .
والشاهد في تاريخ الحركة الشعبية النضالي منذ عام
1983 / 16 مايو ، ومع العمل النضالي المسلح لتفكيك الوضعية المأزومة الذي تم علي اثرها تشكيل الدولة السودانية ، دأبت الحركة الشعبية في عمل تحالفات وتفاهمات واضحة من اجل تحقيق السودان الجديد ، ابتداءا من مبادرة السلام السودانية ( إتفاق الميرغنى – قرنق):
١/ الميرغني _ قرنق عام 1988 حيث تم التوقيع على مسودة تفاهمات في تلك الفترة تضمنت عدة بنود منها
إلغاء قوانين سبتمبر المجحفة التى أتى بها الرئيس جعفر نميري، وتجميد كافة القوانين الأخرى التي إستندت على قوانين سبتمبر إضافة إلى حيادية الدولة وضرورة عمل المؤتمر الدستوري وخلق دستور يراعي التعدد والتنوع، إضافة الى بنود أخرى تتعلق بضرورة إلغاء كافة التحالفات العسكرية الخارجية في تلك الفترة والعمل على إعادة هيكلة الجيش.
٢ / التجمع الوطني الديمقراطي 1989
بمبادرة من الحركة الشعبية تأسس التجمع الوطني الديمقراطي الذي كان يضم ( الحركة الشعبية لتحرير السودان ، الحزب الشيوعي السوداني ، حزب الأمة ،الحزب الإتحادي الديمقراطي، حزب البعث ، مؤتمر البجا ، أسود الرشايدة أو الأسود
الحرة ، إتحادات نقابات العمال ….) وتم عمل مجموعة من المواثيق والإعلانات السياسية في تلك الفترة تضمنت المواثيق عدة قضايا أساسية كقضايا الدين والدولة، سيادة القانون وغيرها ( ميثاق التجمع الوطني الديمقراطي 1989 _ إعلان لندن 1992 _
إعلان نيروبي _ إعلان أسمرا للقضايا المصيرية 1995
) وعمل التجمع على التبشير بمشروع السودان الجديد ومن خلال العمليات العسكرية ضد نظام المؤتمر الوطني في تلك الفترة.
إتفاقية السلام الشامل 2005
قادت بعض التفاهمات السياسية في تلك الفترة إلى توقيع إتفاق سلام بين الحركة وجمهورية السودان بعد حرب دامت لعقود حقق من خلالها السودان الجديد في المناطق المحررة من خلال غرس روئ وأفكار السودان الجديد وتوصيل فكرة مشروع السودان الجديد لكل السودانيين ورغبة كل السودانين في المعرفة أكثر عن مشروع السودان الجديد، وقد ظهر ذلك جليا في الإستقبال التاريخي للراحل القائد د. جون قرنق ديمبيور وسط الخرطوم عقب توقيع الإتفاق ،
ومنما لا شك فيه عمل مشروع السودان الجديد على إختراق البنى المفاهيمية حتى لتنظيم الحركة الإسلامية من خلال عمليات التفاوض من خلال طرح رؤى وأفكار السودان الجديد ومنطقية الرفاق في تلك
اللحظة، وقد تمظهر ذلك جليا في بنود الإتفاق الذي تضمن قضايا تهتم بعلاقة الدين بالدولة وفدرالية الدولة ووثيقة الحقوق التي تعتبر الأولى من نوعها في تاريخ صناعة الدساتير في السودان ، إضافة إلى قضايا الجيش والمنظومة الأمنية .
التفاهمات السياسية في فترة الثورة وإلى الآن :
عقدت الحركة الشعبية أكثر من ستة تفاهمات سياسية منذ إنتظام ثورة ديسمبر المدن السودانية إلى هذه اللحظة التي نكتب فيها هذا المقال وهى:
إتفاف الحلو حمدوك :
حيث تم التوقيع على إعلان مبادئ بين الحركة الشعبية ورئيس مجلس الوزراء السابق عبد الله حمدوك وجاءت هذه الاتفاقية بعد الجمود الذي حدث في التفاوض بين الحركة وحكومة الامر الواقع بعد التمترس الواضح لوفد الحكومة في عدم مناقشة القضايا الحساسة كقضايا طبيعة الدولة ومصادر التشربع الدستوري وأيضا وضعية الدعم السريع في ظل وجوده كقوة موازية ، وكان التمترس الواضح إلى أن جاء إتفاق الحلو حمدوك الذي ناقش القضايا المصيرية والتي نعتبرها من مرتكزات مشروع
السودان الجديد كقضايا العلمانية ، وإدارة التعدد والتنوع الثقافي الإثني الديني ، وتفكيك القبضة المركزية من خلال عمل فدرالية حقيقية. وغيرها من القضايا التي لا يسع المجال لذكرها .
إتفاق البرهان الحلو مارس ٢٠٢١
حيث إتفق الطرفان أيضا على قضايا أساسية وقضايا تأسيسية للخروج بالسودان إلى بر الأمان حيث ظلت الحركة ثابتة في مبادئها التي تتمثل في فصل الدين عن الدولة، لامركزية الدولة، إدارة التنوع، ضرورة وجود جيش وطني مهني وتضمنت تلك الإتفاقية هذه المبادئ كبنود للاتفاقية
أتت بعدها عدة إعلانات وتفاهمات مع القوى المدنية خصوصا بعد إنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر نذكر منها الإتفاق الموقع مع الحزب الشيوعي وحزب الأمة والحزب الإتحادي والحزب القومي وحركة جيش تحرير السودان وتحالف قوى جبال النوبة المدنية
كل هذه التحالفات تصب في مصلحة تحقيق السودان الجديد إذ لم تتراجع الحركة عن موقفها الثابت فيما يختص بمبادئ مشروع السودان الجديد ومرتكزاته وأهدافه الواضحة التي تعبر عنها المنظومة ك قضايا فصل الدين عن الدولة والمبادئ فوق الدستورية بإعتبارها الحافظ للنظام الديمقراطي العلماني وقضايا أخرى تخص دمج المليشيات وقوات الدعم السريع في جيش وطني مهني واحد .
ولعل البيان السياسي المشترك الذي تم توقيعه بين الحركة الشعبي وقوى الحرية والتغيير – الكتلة التاريخية خير مثال على إختراق المثل والقيم والمبادئ التي ظل ينادي بها بها المشروع للتنظيمات السودانية ، وهنا لابد أن نفرق بين الاعلان السياسي والتحالف السياسي حيث عادة ما تولد التحالفات لتوازن قوة، أو للعمل على إنجاز شيئ ما سواء كان مرحلي أو إستراتيجي وتكون الأطراف فيه ملزمة بالإلتزام بلوائح التحالف وقد يكون التحالف بين القوى التي تتقارب سواء في الأيدولوجيا أو المشاريع أو حتى رغبة في مشاركة في إنتخابات في حالة التحالفات الإنتخابية ،
ولكن الإعلان السياسي لا يعني بالضرورة الدخول المباشر في تحالف مع الأطراف الموقعة على الإعلان ،
وتحليلا للإتفاق الأخير الموقع مع الكتلة الديمقراطية نجد فيه إنتصار كبير لمشروع السودان الجديد إذ نجد أن كل البنود المتفق عليها في الإتفاق ، ظلت تنادي بها الحركة الشعبية منذ تأسيسها ولكن يبقى الرهان في مدى إلتزام القوى التي وقعت مع الحركة الشعبية في مدى إلتزامها الأخلاقي بالإتفاقيات والتفاهمات السياسية التي تعتبر بمثابة علاج ووصفة جاهزة لكل أمراض السودان القديم .
علي اقيجي [email protected]
24 /فبراير / 2023
هذا شرح مهم جدا لمشروع الحركة وهذا يعتبر تنوير الأعضاء وغيرهم من الشعب السودانى وغيرهم من الناس بموضوع مشروع الحركة وهذا يعتبر التواصل مع القاعدة السياسية وجماهير الحركة في كل مكان وهذا جانب مهم جدًا لكسب ثقة الناس والشعب السودانى ، نحن محتاجين تطوير إعلامنا نجعله قريب من جميع الناس . المقالات وحدها لا تكفي ، هنالك وسائل اخرى ومؤثرة جداً في الناس ، مثلا ً نقل مراسم التوقيع على هذه الوثيقة التفاهم وتكون لايف على الفيس بوك او غيرها مثل اليوتيوب هذه وسائل إعلامية موثرة جداً وسريعة جدا بدون تكاليف.