مبادرة حمدوك ..الفرص والتحديات
بقلم:حسين سعد
في يونيو الماضي أعلن رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك، عن مبادرة له بعنوان الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال الديمقراطي الطريق الي الامام ،وتهدف المبادرة الي توحيد مكونات الثورة والتغيير وإنجاز السلام ،وفي اغسطس الماضي أعلن حمدوك عضوية الآلية الوطنية، وتضم (71) من قادة الأحزاب السياسية والإدارات الأهلية والطرق الصوفية،وأوكلت رئاسة المبادرة إلى رئيس حزب الأمة القومي المكلف، اللواء فضل الله برمة ناصر، وضمت عضويتها عدداً من أعضاء مجلس السيادة الانتقالي، إلى جانب رؤساء الأحزاب السياسية لتحالف قوى الحرية والتغيير وقادة المجتمع الأهلي والمدني والديني. وكان حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، والزعيم القبلي محمد الأمين ترك،والاستاذة الجامعية هادية حسب الله والحقوقية شاهيناز جمال والمدافعة عن حقوق الانسان والحرية الدينية مريسليا يعقوب ودفعت الكنداكات الثلاثة المعتذرات بأسباب طرحنها للراي العام ومن بين تلك الاسباب وجود عضو بالالية منسوب للنظام البائد بجانب تركيبة الالية وعددها ونسبة تمثيل النساء والشباب، ومن جهتها وصفت اللجنة الفنية لمبادرة إصلاح قوى الحرية والتغيير، مبادرة حمدوك بأنها (ولدت ميتة) لأنها لم تمثل القوى الإصلاحية بشكل منصف، إلى جانب استثناء تمثيل الجيش،ووفي إتجاه مغاير وجدت المبادرة ترحيب وقبول في الداخل ومساندة دولية ،وبعيدا عن الموقف الداعم أو الرافض للمبادرة لكنني اري ان المبادرة التي دخلت شهرها الرابع لن حقق مقاصدها،وقبل الخوض في ذلك لابد من قراءة سياق طرح المبادرة والتوقيت الذي يحمل ملامح سلبية واخري ايجابية انعكست في جدليتي الرفض والقبول ،فالازمة الوطنية تتسم بالتعقيد الشديد ،فضلا عن ارتباطها بهيكلة الحكم والنظام السياسي ومكوناته،والتهميش المتطاول لاقاليم محددة وفرض حروب عليها وصراع المصالح الدولي والتنافس الاقليمي والموقع الجغرافي للبلاد وغيرها من التفاصيل العديدة التي يكمن فيها الشيطان،نحاول عبر هذا التحليل مستقبل المبادرة في ظل التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وجائحة كورونا والتفلتات الامنية واصلاح القطاع الامني والعسكري، واصلاح الخدمة المدنية وقيام المفوضيات البالغة احدي عشر مفوضية لم يكتمل تكوينها حتي الان وبعضها لم تطرح مشروعات قانونها ومن بين هذه المفوضيات مفوضيات كان يجب ان تجد الاولوية العاجلة مثل مفوضية المراة والمساواة والنوع ومفوضية محاربة الفساد
مشاكل وتوترات:
صحيح ان الحكومة تواجه بكثير من التحديات بعضها موروثة من تركة النظام البائد، هذه التحديات تجعل تطبيق وتنفيذ ما ورد من تعهّدات أمراً في غاية الصعوبة ومُستبعدا إلى حدٍ كبير،هناك ايضا تحديات سياسية وانقسامات عميقة وعدم اجازة قانون النقابات كل هذه الازمات تزامنت مع تصاعد حالات الاستقطاب السياسي وسط مكونات الحرية والتغيير وأطراف العملية السلمية، والفشل في وحدة قوي الحرية والتغيير، وقد أفضت هذه الأزمة السياسية إلى تزايد تحديات مواجهة جائحة كورونا من جهة، ومن جهة أخرى تكثيف الضغوط النفسية التي يواجهها المواطنون السودانيون نتيجة حالة القلق السياسي المصاحبة لتصاعد المخاوف وعدم اليقين من قدرة النظام الصحي على استيعاب الارتدادات الصحية التي أفرزتها كورونا فضلا عن تصاعد حدة المواجهات القبلية التي بلغت مرحلة القاء قنبلة (قرنيت) في بورتسودان، واستخدام مدفعية ثقيلة في جنوب كردفان قبل نحو شهران حيث تم اعلان حالة الطواري في ست محليات، وفي الوقت الذي تعيش فيه الخرطوم ازمة سياسية قاسية واقتصادية طاحنة حيث تقف الاولي حجر عثرة أمام مكافحة الكورونا ومعالجة الاوضاع الاقتصادية، وصعبت حدة الاستقطاب السياسي من القدرة على مواجهة الصراعات القبلية الدامية وتداعياتها، وفي ظل هذه الاوضاع، فإن الدولة تبدو معرضة لأزمات قد يصعب تجاوزها، والأرجح أن استمرار الأزمة السياسية قد تسبب في تعرض البلاد لانتكاسة إجتماعية وسياسية وإقتصادية وصحية، نتيجة انشغال مراكز السلطة بصراعاتها السياسية، وهو الأمر الذي فرض حالة من الضبابية على آفاق الحلول الناجعة، وبينما تتزايد حالات المواجهات القبلية، فإنه من المرجح أن تزيد الأزمة السياسية المتفاقمة من صعوبة الخروج من الوضع الذي وصلت إليه الاوضاع الحالية فضلا عن ترجيح فرص عودة الصراعات القبلية مرة أخرى بسبب اتفاق المسارات وقسمة الثروة والسلطة وتشكيل المجلس التشريعي وتسمية ولاة الولايات.
السياق الراهن:
يقول الدكتور جمعة كندة في ورقة له بعنوان (السياق السياسي الراهن في السودان ..فرص وتحديات الانتقال): انه بالرغم من التحولات الإيجابية بعد قيام الثورة وتشكيل حكومة الفترة الإنتقالية يظل إستمرار حالة “اللاحرب واللاسلام” نتيجة لتعثر عملية تحقيق السلام الشامل والعادل والمستدام هو أبرز المؤشرات هي ممارسات الاحزاب السياسية ورفاق الكفاح المسلح، وخصائصها التي تعتبر من العوامل المؤثرة في السياق الراهن ويمكن ملامسة ذلك في الاتي:
(1) غياب الإرادة السياسية للممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب والحركات المسلحة رغم مطالبتها بحكومات ديموقراطية مدنية.
(2) إستمرار الدورة الخبيثة لأزمة الحكم، وعدم الأستقرار السياسى، وغياب ثقافة التداول السلمى للسلطة فى السودان.
(3) ظهور إنقسامات وإنشطارات أميبية داخل الاحزاب، وحركات النضال المسلحة لا بسسب خلافات جوهرية فى المبادئ والفكر أو المنهج. ولكن بسبب الضيق من الرأى والرأى الأخر داخل الحزب لغياب الديموقراطية.
(4) عدم قومية الأحزاب والحركات المسلحة (جغرافيا – جهويا- إقليميا – دينيا – طبقيا – فئويا – اجيالياً – وبرامجيا)
(5) غياب القاسم المشترك الأعظم الذي يمثل الحد الأدني لبرنامج وطني لكل الأحزاب وبدونه لا يمكن أن تكون المرحلة الإنتقالية (بالرغم من أنها هي المرحلة الحرجة والمنعطف التاريخي) هي المرحلة التأريخية المفصلية.
(6) ضعف تواصل الأجيال ووجود فجوة بين جيل الشباب وجيل الكبار خاصة داخل الاحزاب مما يؤثر بشكل سلبي في تمثيل الشباب في المنابر ومراكز صناعة القرار.
(7) ما زال السودان غير قادر علي فرز قيادة كارزمية Visionary Leadership سواء كان علي مستوى الأحزاب وبالتالي على مستوى قيادة الدولة Statesmanship. فالسلام يحتاج الى قيادة كارزمية مقنعة ومؤثرة علي الكل.
(8) الفشل المتكرر في إدارة التنوع والتباين بين مكونات الحرية والتغيير وبينها والمكون العسكري وحركات الكفاح المسلح من جهة أخرى وبالتالي غياب الرؤية المشتركة في القضايا الحيوية مثل السلام.
(9) لم تستطع حكومة الفترة الانتقالية من تقديم موقف إطاري عام حول كيفية تحقيق السلام حيث أصبحت الحكومة تتعامل مع مبادرات من حركات النضال المسلح كاساس لعملية المفاوضات، ومن
أهم إفرازات هذا الموقف ظهور ما عرف “بالمسارات” والتي شكلت وما تزال تشكل واحدة من تحديات تطبيق إتفاقية سلام جوبا.
(10) تعدد القوات النظامية، وعدم توفر الارادة المطلوبة في توحيد وإصلاح المؤسسة العسكرية أدى الى تعثر عملية الترتيبات الامنية لاتفاق سلام جوبا بما فيها تشكيل القوة المشتركة لحماية المدنيين.
(11) تراجع غير معلن لبعض القوى السياسية المشكلة للحاضنة السياسية لحكومة الفترة الانتقالية فيما يتعلق بأستحقاقات السلام وكلفتها السياسية خاصة في مجال قسمة السلطة وتوزيع الثروة وإعمال مبدأ الفدرالية مقابل المركزية القابضة لكل مفاصل السلطة والثروة. النتيجة ظهور خطاب سياسي معادي لبعض القوى الموقعة علي أتفاقية سلام جوبا بجانب تنامي خطاب الكراهية مما أثر على تنقيذ العديد من بنود أتفاقية السلام.
(12) من أهم تحديات مفاوضات جوبا الحالية بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان – بقيادة عبدالعزيز الحلو – هي عدم وجود موقف تفاوضي محكم ومتفق عليه بين مكونات الحكومة المختلفة (مدنيين – مدنيين وعسكريين- عسكريين ومدنيين- عسكريين، وبين السياسيين ومنظمات المجتمع المدني وقوي الثورة الحية). وفي المقابل ظلت الحركة الشعبية تبادر في تقديم وثائق تعكس موقفها التفاوض وتصورها في كيفية السير فيها.
سد النهضة والفشقة
هناك عامل مهم في مفاوضات سد النهضة وهو الانتخابات الاثيوبية التي حقق فيه تحالف حزب الازدهار الحاكم في إثيوبيا، بقيادة رئيس الوزراء آبي أحمد، فوزًا كبيرًا في الانتخابات التشريعية، التي جرت في 21 يونيو 2021 وأُعلنت نتائجها الرسمية في 10 يوليو، والتي كان مقررًا عقدها في العام الماضي، لكنها أُجّلت مرتين بسبب انتشار وباء فيروس كورونا، وجاءت هذه الانتخابات في وقت تواجه فيه إثيوبيا أزمات خارجية وتوترات داخلية متعاظمة، وبسببها لم يجرِ التصويت في نحو خُمس دوائر بالبلاد البالغ عددها 637 دائرة، حيث اقتصر الاقتراع على ثمانية من أصل عشرة أقاليم، تنافس في الانتخابات التشريعية الإثيوبية نحو 46 حزبًا سياسيًا، بينها 17 حزبًا قوميًا و29 حزبًا إقليميًا، وبلغ عدد المرشحين فيها (9505)، وأظهرت النتائج، التي أعلنتها لجنة الانتخابات الوطنية، فوز تحالف حزب الازدهار بـ 410 مقاعد من أصل 436 مقعدًا كانت محل تنافس في غرفة البرلمان الذي يضم 547 مقعدًا، على أن تجري جولة ثانية من التصويت لاستكمال المقاعد المتبقية البالغ عددها 111 مقعدًا في 6 سبتمبر المقبل، بحسب ما أعلنته لجنة الانتخابات الوطنية، وقد شهدت الانتخابات مقاطعة من جانب أحزاب معارضة كبرى في البلاد، بما فيها الأحزاب الرئيسة في إقليم أوروميا، وهو الإقليم الأكثر كثافة من ناحية عدد السكان ويتحدّر منه آبي أحمد نفسه،حيث قاطع الانتخابات حزبان من أبرز احزاب المعارضة في الاقليم هما مؤتمر أرومو الفدرالي وجبهة تحرير ارومو ،وأقرت المفوضية الإثيوبية لحقوق الإنسان، وهي هيئة إثيوبية، بوقوع تجاوزات بما فيها “اعتقالات غير مناسبة”، وعمليات ترهيب و”مضايقات” جرت لمراقبين وصحافيين قبل التصويت وبعده.
سياق الانتخابات
جرت الانتخابات التشريعية في مناخ سيطرت فيه على المشهد السياسي للبلاد تحديات داخلية وإقليمية كبيرة، وكان لبعضها تداعيات مهمة على العملية الانتخابية، وأهمها:
(1) حرب اقليم تيغراي وتعتبر الانتخابات احد الاسباب التي ادت الي اندلاع ازمة في الاقليم،
(2) حذرت الأمم المتحدة من كارثة إنسانية تحيق بأكثر من 400 ألف شخص يواجهون المجاعة في تيغراي، كما يقف 1.8 مليون آخرون على حافة المجاعة.
(3) تصاعدت الضغوط الدولية على حكومة آبي أحمد بسبب التقارير الحقوقية الدولية المتعلقة بالإقليم، وأدى ذلك الى تحول في موقف المانحين التقليدين لإثيوبيا.
(4) في ديسمبر 2020، جمّد الاتحاد الأوروبي 107 ملايين يورو كانت مخصصة لدعم ميزانية الحكومة.
(5) في مايو 2021م فرضت الولايات المتحدة قيودًا على مسؤولين إثيوبيين على خلفية ارتكابهم تجاوزات خطيرة خلال الحرب في تيغراي، وقد تدفع هذه الضغوط حكومة آبي أحمد الجديدة إلى رفع الحصار عن الإقليم، والالتزام بإيصال المساعدات الدولية، وإطلاق حوار مع قادة جبهة تحرير شعب تيغراي لحل النزاع، خاصة بعد إجراء الانتخابات التي أدت دورًا رئيسًا في اندلاع الحرب، ومن المؤكد أن هذه الخطوة ستجنّب إثيوبيا الذهاب إلى حرب أهلية طويلة الأمد، في ضوء تصاعد التوترات العرقية في مناطق وأقاليم أخرى من البلاد. ويُستبعد، (بعد أن ضمن آبي أحمد بقاءه في الحكم نتيجة فوز حزبه في الانتخابات) أن تعود الحكومة الفدرالية إلى مهاجمة الإقليم، ليس لأن موسم الأمطار الذي بدأ منذ وقت قريب يتسبّب في صعوبة الحركة وقطع خطوط الإمداد فحسب، بل بسبب عدم رغبة الحكومة في تحمّل المسؤولية عن تفاقم الأوضاع الإنسانية التي يعانيها الإقليم أيضًا. بيد أنه، من جهة أخرى، إذا لم تضمن حكومة الإقليم توفير الخدمات الحيوية، مثل الاتصالات والكهرباء، التي تتحكم فيها الحكومة الفدرالية، فإن جبهة تحرير شعب تيغراي قد تبدأ حربًا جديدة مع إقليم أمهرة المجاور، لفتح معبر نحو السودان، وسيطلق هذا بدوره أزمة جديدة بين إثيوبيا والسودان.
(6) تزامنت الانتخابات مع موعد الملء الثاني لسد النهضة، الذي بدأ مطلع يوليو 2021م، بعد فشل المفاوضات بشأن السد
(7) جرت الانتخابات التشريعية الإثيوبية في ظل انقسام سياسي ومجتمعي عميق، إذ قاطعتها أحزاب معارضة رئيسة بحجة غياب شروط النزاهة والشفافية، كما جرت في ظل أزمات إقليمية كبيرة استطاع آبي أحمد تجييرها لتحقيق فوز انتخابي كبير.
(8) يراهن أحمد على أن الأغلبية البرلمانية الكبيرة التي حصل عليها سوف تمكّنه من ترسيخ دعائم حكمه، وتنفيذ سياساته. وبالفعل، مكّنته هذه الانتخابات من التحول من رئيس حكومة انتقالية جاء إليها عام 2018 نتيجة توافقات سياسية طارئة إلى رئيس حكومة منتخب بإرادة شعبية. لكن هذه الانتخابات وضعته، في المقابل، أمام أزمات إقليمية وداخلية معقدة يمكن أن تقوّض حكمه، وفي مقدمة ذلك، التوترات الإثنية والنزعات الانفصالية المتعاظمة في عدد من الأقاليم التي تزيدها سوءًا الأوضاعُ الاقتصادية والاجتماعية الصعبة وأزمةُ نزوح داخلية كبرى تشهدها البلاد في ظل تفشي موجة جديدة من وباء كوفيد 19.
(9) تعتبر الانتخابات الإثيوبية الأكثر تعقيداً منذ أكثر من ثلاثة عقود، وتحديداً منذ المصادقة على دستور 1994، حيث عقدت في ظل العديد من التحديات الداخلية، فضلاً عن الانتقادات الحادة التي تحيط بشرعيتها، سواء من الخارج أو من الداخل، حتى قبل الإعلان عن بدئها.
(10) على مدار العقدين الماضيين، شهدت إثيوبيا خمس عمليات انتخابية، دورة كل منها خمس سنوات بحسب الدستور، وعلى الرغم من ذلك، لم تمر أي من الانتخابات السابقة من دون التشكيك في مدى نزاهتها وديموقراطيتها. وعادة ما كانت تصاحب الانتخابات توترات وأعمال عنف في بعض الأقاليم والمناطق، فضلاً عن امتناع بعض الأحزاب عن المشاركة، وإبعاد بعضها الآخر تحت ذرائع مختلفة.
السيناريوهات المتوقعة
السيناريو الاول ..الاحتواء والمعالجات الامنية لاسيما للمواجهات القبلية الطاحنة التي إنفجرت بشكل دامي ومقلق في بورتسودان وقدير ودارفور ومن المؤشرات لذلك احتواء أزمتي بورتسودان ومحلية قدير وتوقيع اتفاق لوقف العدئيات بين مكونات محلية قدير واتفاق اخر مماثل بين الفلاتا والتعايشة بجنوب دارفور عليه نرى استمرار ذات السيناريو..
السيناريو الثاني: تجدد المواجهات القبلية
هذا السيناريو بالرغم من استبعاد حدوثه لكن هناك مؤشرات ترجح رجحانه ومن بينها إستمرار الازمة السياسية وتعقيداتها وتمزق القوى السياسية وتشتتها وعدم القيام باصلاح القطاع الامني والعسكري، ووجود سلام المسارات الذي يغذي ويحقق مكاسب للبعض لذلك هناك مجموعات ستعمل على إعاقة أي خطوات من شأنها تحقيق الاستقرار الاجتماعي، والدافع لذلك فقدانها لمكاسبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كذلك نرى ان الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، والتي دفعتها للاحتجاجات متنوعة في مجالات عدة، وهي قديمة متجددة، ويصعب على الحكومة الإنتقالية تلبيتها على المدى القريب والمتوسط، سواء الاحتياجات الاقتصادية أو الحقوق السياسية ومطالب المواطنة المتساوية، ومن مؤشرات هذا السيناريو هو ان هناك أكثر من (9) مليون شخص بحاجة عاجلة للغذاء، وكذلك حديث حمدوك عن الهشاشة الامنية بالبلاد، فضلا عن وجود صراع وإنقسامات حادة وسط قوى الثورة وتمزقها، وهناك حزمة من المؤشرات تدعم هذا السيناريو وهي بقايا النظام المدحور التي تعمل على تعكير الاجواء وتأخير الانتقال الديمقراطي من خلال اثارة الفتن العنصرية واستغلال الاوضاع الاقتصادية والمعيشية وفي ظل هذا السياق نرجح إستمرار تغذية الخلافات القديمة بين المكونات القبلية الناجمة عن الموارد والمسارات او الحدود او الحظوة السياسية في ضوء انسداد المشهد السياسي، واتجاه فلول النظام المدحور في رفع خطاب جماهيري لاشعال الفتن، وتمدد الخلافات الداخلية بين مكونات قوى الحرية والتغيير، وإنعدام الثقة بينها، في ظل إستمرار تدهور الاوضاع الاقتصادية والمعيشية، لكن هذا السيناريو غير راجح في هذه المرحلة..
السيناريو الثالث ..الاستقراروالسلام:
بالرغم من رجحان هذا اسيناريو وهو الاستقرار والسلام لكن هناك مؤشرات تستبعد رجحان هذا السيناريو في الوقت الراهن ومن بين المؤشرا ت:
(1) عدم تحديد موعد لاستئناف جلسات التفاوض مع الحركة الشعبية شمال وتباعد المواقف التفاوضية معها كما ان تطاول أمد المفاوضات سيقود الي مشكلة زمنية حال التوصل الي سلام مع الحلو وعبد الواحد محمد نور.
(3) السودان يشكل بيئة معقدة بشكل هائل مع وجود عشرات الفصائل والمليشيات المسلحة التي تدفع باتجاه عسكرة المجتمع
(4)التحدي الأكبر يتمثل في تمويل السلام. علينا أن نتذكر أنه إذا كانت الحرب مكلفة، فإن للسلام أيضًا كلفته ومتطلباته، يجب توفير موارد كبيرة لمعالجة قضايا التعويضات وإعادة التوطين والتسريح وإعادة الإدماج، بالإضافة إلى تقديم الخدمات الأساسية وفقًا لنصوص اتفاق جوبا للسلام، على أن توفير الموارد اللازمة يمثل تحديًا لن تتمكن الحكومة الانتقالية من التعامل معه بمفردها. ولعل ذلك هو المغزى من وراء تشكيل بعثة أممية بموجب الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة لمعالجة هذه القضايا.
(5) جهود الشركاء الدوليين بشان دعم السلام وتنفيذه غير كافية بالقدر المطلوب لوضع الاقتصاد الوطني على مسار التنمية المستدامة، لذلك يجب أن تكون هذه الجهود الدولية والإقليمية مصحوبة بوجود مؤسسات فعالة ذات مستويات عالية من القدرات البشرية والتكنولوجية. ولا يخفى أن ثلاثين عامًا من حكم الإخوان المسلمين وسياسات الأسلمة والتمكين، قد شكّلت في نهاية المطاف مؤسسات عفا عليها الزمن في السودان تعاني من عدم الكفاءة، ناهيك عن انتشار الفساد والمحسوبية. وعليه فإن رؤى صنع السلام في السودان بحاجة إلى أن يكون الإصلاح المؤسسي متزامنًا لأوجه الإصلاحات الأخرى، سواء في المجال السياسي والأمني أو الاقتصادي.
(6) هناك مؤشرات قليلة تشير لنجاح سيناريو الاستقراروالسلام وهي الاجتماعات رفيعة المستوي للامم المتحدة مع حمدوك والبرهان وحميدتي، ومعالجة ازمة القضارف وتوقيع اتفاق لوقف العدائيات في جنوب كردفان واتفاق مماثل بين الفلاتا والتعايشة بجنوب دارفور، واعفاء ديون السودان لكن هذه المؤشرات غير كافية لنجاح هذا السيناريو في الوقت الحالي عليه نري ان السيناريو الراجح هو (تجدد الصراعات القبلية)