مبادرة المجتمع المدنى السودانى : بيان ترحيب بإتفاق إعلان المبادئ
ترحب مبادرة المجتمع المدنى السوداني بإتفاق المبادئ بين الحكومة الإنتقالية والحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو.
إن هذا الإتفاق الذي تم التوقيع عليه في مدينة جوبا في يوم الأحد 28/3/2021، يمثل خطوة صحيحة مشروعة لتجاوز أهم العقبات التى ظلت تعيق الوصول إلى سلام يحفظ دماء الأبرياء في ربوع السودان وإلى إتفاق سياسي يعالج جذور أزماتنا الوطنية، بل هو اختراق حقيقى نافذ نحو سلام مستدام يمهد الطريق لشعبنا ليشرع فى بناء دولة الحرية والعدالة والمساواة. تثمن مبادرة المجتمع المدني السوداني موافقة الحكومة الإنتقالية على فتح المعابر لدخول العون الإنساني الدولي لمعسكرات النازحين واللاجئين مما يؤكد صدق نواياها وجديتها في تحقيق السلام. إن النجاحات الكبيرة التى حققتها الحكومة الإنتقالية في مسارات السلام في طريقها إلى الإكتمال والشمول لكل الأطراف ولمعالجة الأسباب الجوهرية لأزمات البلاد السياسية.
إن الإتفاق الأخير يعتبر إضافة نوعية لعملية السلام، ويجد من مبادرة المجتمع المدنى السودانى الدعم والتأييد الكامل بعد أن نبذت فيه كل الأطراف الحرب والاقتتال وأكدت بوضوح على نيتها التفاوض السياسي لتأسيس دولة مدنية ديمقراطية فيدرالية تضمن حرية الدين والعبادة لكل المواطنين، وبأن لا تتبنى الدولة اي وجهة نظر أحادية تفرض ديناً رسمياً أو ثقافة أو عرقاً محدداً للدولة. إن مبادرة المجتمع المدنى السوداني تؤمن بأن الدولة المدنية، التي تضمن حرية العبادة والاعتقاد للجميع هى القاعدة التى يجب أن يقوم عليها دستور البلاد الدائم ليصبح السودان وطناً جامعاً تتساوى فيه كل مكوناته وكياناته العرقية والدينية والثقافية المتعددة دونما تمييز أو تهميش.
إن البلدان متعددة الأعراق والقوميات، ليس بمقدورها بناء دولة الوحدة الوطنية أو إحترام حقوق المواطنة عبر هيمنة العقل الجماعى (الخاص بجماعة معينة)، انما بالإتفاق والعقل الجمعى (المشترك لكل الجماعات) التى تسكنها. السودان بلد متنوع الأعراق والأديان والثقافات، وفيه من الموارد البشرية والطبيعية ما يجعله من أكثر البلدان ثراء وتقدم، اذا ما اُحسنت الدولة إدارة هذا التنوع ليصبح مبدعاً وخلاقاً لكن محاولات فرض الهيمنة الثقافية والدينية الآحادية على كيانات البلاد المتعددة قد اقعدت به كثيرا وحجمت إمكانياته وقدراته.
إن مبدأ فصل الدين عن الدولة، إلى جانب أنه شرط موضوعى لتحرر الشعوب من الاستغلال السياسي، فأنه يمثل أيضاً الضمان الأوحد للكيانات المضطهدة دينياً وعرقياً وثقافياً لكى تحقق ذاتها وتعيش فى عدل وكرامة وكبرياء فى أوطانها. إن إنتفاء حق التمتع الكامل بالحقوق الأساسية يجبر الكيانات المضطهدة لأن تسعى لتقرير مصيرها، وهذا حق أساسي آخر منصوص عليه فى القوانين الدولية. ولا يستطيع كائن من كان ان يمنع عنهم هذا الحق! فما الذى سيحدث لو ان المؤتمر الدستورى المزمع، والذى يمكن ان تسيطر عليه الاحزاب الدينية والعروبية المتعطشة للسلطة والتى تملأ الساحة السياسية فى السودان، لو إن هذا المؤتمر الدستورى اتخذ القرار: بأن السودان دولة عربية إسلامية؟! فمَن وما الذى يمنع تلك الشعوب من تقرير مصيرها؟.
إن مبادئ المساواة والعدل والحرية هي قيم ديمقراطية وحقوق اساسية حسمتها ثورات الشعوب فأصبحت قواعد ومرتكزات لكل الدساتير الديمقراطية. إن مبادرة المجتمع المدنى السودانى ترى إن مهمة المؤتمر الدستورى المزمع، لا تتعدى ترسيخ هذه المبادئ والحقوق الاساسية للديمقراطية والحكم الراشد فى الدستور الدائم للسودان وفى القوانين والتشريعات التي تنبع من ذلك الدستور. على المؤتمر الدستوري البحث حول جدوى تدخل المؤسسة الدينية فى العمل السياسى الحزبي وما يرتبط بذلك من محاولات لإبتزاز بسطاء الناس وإستغلال عواطفهم الدينية من أجل تحقيق المكاسب السياسية. إن تجربة حكومة الإنقاذ المدحورة وادعاء التطهر الدينى أصاب الوطن بكثير من الإحن والمحن بعد أن افقدتنا الحروبات الجهادية ربع شعب البلاد وثلث مساحة الوطن. تسبب ذلك النظام الفاشل في الفتنة العنصرية التي نشاهد تجلياتها الصادمة اليوم وفي الموت والتشرد والدمار لملايين المدنيين، الى جانب الفساد الذى لم يسبق له مثيل ومن معانآة كل الوطن، وكيف انتهت على ايديهم القيم الدينية وحقوق الإنسان في البلاد.
تعيد مبادرة المجتمع المدني السوداني التاكيد بإن المسئولية الأساسية للدولة هى تحقيق الحرية والسلام والعدالة الإجتماعية، وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، من تعليم وصحة ومسكن وماء صالح للشرب وغيرها من وسائل الرفاهية الإجتماعية، كما عليها بناء الهياكل الارتكازية للتطور والتنمية الإقتصادية من طرق وجسور وسبل الإتصالات والكهرباء ولا شأن للدولة فى التدخل فى معتقدات الناس بأي صفة كانت، ثقافية او دينية. إن التجارب الإنسانية أثبتت إن الأديان تتحاور وتتطور فى ظل الحريات العامة وفى ظل وجودها بمعزل عن الدولة، ومتى ما دخلت الأديان الحيز التنفيذي للدولة، فهى تتصادم وتتشيطن وتصادر الحريات بعد أن تتحول إلى وسائل سلطوية فاسدة، خاصة وأن من يُسمون انفسهم برجال الدين هم بشرُ وليس فيهم من هو محصن من الفساد.
الخرطوم ٣ أبريل 2021م