مبادئ بينيهريو وحقوق استرداد ملكية الارض بعد السلام فى السودان

بقلم عثمان نواى

 

ان قضايا ملكية الارض فى السودان تعد من اهم أسباب إشعال النزاعات المحلية بين المكونات الاجتماعية والقبيلة وايضا بين الدولة والمواطنين، كما أن حقوق ملكية الارض والموارد على سطحها وفى باطنها تعد من أهم أسباب النزاعات فى السودان. والان والبلاد تتجه نحو إصلاحات متعددة فى ما بعد التوقيع على اتفاقيات سلام جوبا، فإن مسألة استرداد الارض للملايين الذين تشردوا داخليا واللاجئين بسبب النزاعات فى السودان تعتبر من أهم التحديات، سواء لتطبيق الاتفاقيات التى تم توقيعها او التى سيتم توقيعها مستقبلا.

ومن المؤسف ان القوانين المتعلقة بملكية الارض فى السودان منذ عهد الاستعمار الى الان ظلت قوانين مجحفة فى حق المواطنين والمجموعات التقليدية من ملاك الارض. كما ان توجهات الدولة المستمرة منذ عهد عبود ومن ثم النميرى للسيطرة على الأرض ووضع يد الدولة عليها قد أدى إلى عمليات نزع للأراضي واستغلالها من مجموعات وجهات مصالح تتضارب مع حقوق الملكية ومصالح السكان وملاك الارض الأصليين. كما ان عمليات توزيع الارض من قبل الدولة باغراض استثمارية، وهى العملية التى توسع فيها نظام الكيزان، جعلت ملكية الارض فى السودان أداة اغتناء سريع رئيسي وهذا ما نشاهده مما يتم مصادرته بشكل مستمر من قبل لجنة إزالة التمكين من ممتلكات اغلبها أراضي زراعية وسكنية. وهذا مما يدل على الخلل الكبير فى القوانين والنظم المتعلقة بتسجيل وملكية وتوزيع الأراضي فى السودان. كل هذا الخلل القانونى والهيكلى كما ذكرنا قد أسهم سابقا فى توليد نزاعات فى السودان، ولكنه الان سيشكل تحديات كبيرة في وجه تطبيق ما نصت عليه اتفاقيات السلام فيما يتعلق باسترداد الأراضي والممتلكات للاجئين والمشردين قسريا.

والمشردين قسريا من ممتلكاتهم ومساكنهم وأراضيهم هم كل من اضطر بشكل قسرى الى ترك منزله او ارضه او تم نزعها منه بالقوة الجبرية او اضطر للفرار منها فى ظل ظروف نزاعات او حروب. وفى السودان هناك ما لا يقل عن ٣ مليون نازح داخليا إضافة الى مئات آلاف اللاجئين خارج السودان. وفى ظل الفترة الانتقالية الحالية والتى يجب ان تؤسس الى عملية بناء هيكلى جديد للدولة السودانية، فإن مسألة ملكية واسترداد الأراضي للمشردين قسريا تعد من أهم قضايا صناعة الاستقرار وبناء عملية انتقال سلمى فى البلاد. وسواء لما تم الاتفاق عليه من صكوك السلام فى الفترة الماضية او ما سيتم مستقبلا، فإن هناك مبادئ دولية لضمان حقوق استرداد ملكية الارض للمشردين واللاجئين تسمى مبادئ بينيهريو. هذه المبادئ يجب أن تكون فى قلب عملية بناء السياسات والقوانين والتشريعات وأيضا فى تحديد التفاصيل للمفوضيات التى سيتم انشاءها. وقد تعهدت اتفاقية سلام جوبا فى مسار درافور فى فصل التعويضات وجبر الضرر المادة السادسة على الإلتزام بالمبادئ الدولية بما فى ذلك المتعلقة بحقوق النازحين واللاجئين فى التعويض واسترداد الملكية. وهذه نقطة جيدة يجب التاسيس عليها.

وتعرف مبادئ بينيهريو بأنها المبادئ المتعلقة برد المساكن والممتلكات إلى اللاجئين والمشردين التى أعلنتها لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة فى ٢٠٠٥ وسميت على اسم السيد باولو بينيهريو الخبير البرازيلى فى قضايا الارض والذى رأس اللجنة التى قامت بإعداد هذه المبادئ. وقد كان قد تم تعيينه كمقرر خاص لحقوق استرداد المساكن والممتلكات للاجئين والمشردين فى عام ٢٠٠٢. وقد خرجت المبادئ فى ٢٣ من المبادئ الهادية للدول والمؤسسات الدولية الحقوقية وهئيات ووكالات الأمم المتحدة للحفاظ على حقوق المشردين قسريا بسبب النزاعات فى استرداد أراضيهم وممتلكاتهم ومساكنهم. واكدت تلك المبادئ على حقوق ذكرتها اتفاقيات دولية عديدة والقانون الإنسانى الدولى وأضافت مبادئ خاصة متعلقة بمسالة استرداد الارض والمسكن.
من المبادئ الرئيسية هى الحق فى العودة الطوعية بأمان وكرامة. وحق العائدين فى استرداد منازلهم وممتلكاتهم وأراضيهم حتى وان لم يرغبوا فى العودة إليها. كما ان المبادئ حثت الدول على ان تضمن المساواة والحق فى الوصول إلى القانون ومراجعة الملكيات حسب ما ينصف المشردين قسريا وليس حسب ما تنص عليه القوانين او مستندات الحكومة ، بل حثت على ان يتم احترام روايات وادلة المشردين قسريا التى تثبت ملكياتهم. إضافة الى تأكيد الدول على حقوق النازحين واللاجئين فى استرداد تلك الممتلكات إضافة الى تثبيت قوانين وتشريعات وصناعة آليات تضمن الوصول السهل لهذه الحقوق وبشكل متساوي لجميع المشردين واللاجئين بغض النظر عن النوع والعمر .
وتنبع أهمية هذه المبادئ ليس فقط فى كونها تحدد تفاصيل الحقوق الخاصة بعملية استرداد الارض ،ولكن أيضا فى كونها نصت فى المبدا( ١٢.٥) على ان الدول التى تعانى من أنهيار نظامها القانونى او ليس لديها القدرة على تطبيق المبادئ الدولية فى رد الممتلكات وتمويل عمليات التعويض فانها عليها طلب مساعدة المجتمع الدولي تقنيا وماليا ويجب على المجتمع الدولى والمؤسسات والوكالات التابعة للأمم المتحدة تقديم المساعدة حسب التزاماتها المسبقة بهذه المبادئ. حيث ان عملية استرداد الأراضي والممتلكات تتطلب تمويلا ضخما يسمح بإجراء عمليات جمع المعلومات وتوفيرها بما فى ذلك جمع المعلومات حول اعداد المتضررين وحجم الأراضي والممتلكات وإمكانيات التعويض وإعداد أصحاب الملكيات المحتملين والاوضاع الراهنة لتلك الملكيات التى تشكل تحديات كبيرة. خاصة فى حالة الأراضي التى استقر فيها مقيمون جدد او ثانويين غير الملاك الأصليين. فعمليات الحصر والتدقيق وجمع المستندات كلها تتطلب عمل بحثى وميدانى واسع حتى يتم صياغة قوانين مناسبة للأوضاع الحقيقية على الأرض و تمكن المشردين واللاجئين من الاسترداد الأمن والمستدام لممتلكاتهم مع إغلاق إمكانيات التعرض لاعتداءات او نزع قسرى لما استرجعوه من ممتلكات، وهذا تحدى كبير الحقيقة خاصة فى السودان . ولذلك فإن أهمية مبادئ بينيهريو تنبع من كونها قواعد ملزمة للمجتمع الدولى لدعم دول ضعيفة مثل السودان لتحقيق عملية استرداد متوافقة مع القانون الدولى.
ومع توقيع اتفاقيات السلام الحالية واذا تم توقيع مزيد من الاتفاقيات مستقبلا فإن مسألة استرداد الارض والممتلكات تشكل نقطة رئيسية فى علمية العدالة الانتقالية وبناء السلام. وعليه فإن ما نصت عليه الاتفاقيات الحالية فى قضية انشاء المفوضيات المتعلقة بالأرض يجب أن تهتدى بهذه المبادئ فى مرحلة انشاء قوانين المفوضيات والتعلم من التجارب من بلدان أخرى مثل التجربة فى البوسنة وغيرها فى عملية إعادة ممتلكات المشردين واللاجئين التى جرت فى دول أخرى كثيرة حول العالم لديها تجارب يمكن الاستفادة. فتجربة البوسنة تحديدا تعتبر من أكثر التجارب التى تفخر بها الأمم المتحدة وقد ساهم فيها عدد من الوكالات الدولية مع الاتحاد الأوروبى، حيث تم تقديم اكثر من ٢٠٠ الف طلب استرداد ممتلكات وتم قبول اكثر من ٩٤‰ من تلك الطلبات وتحقيقها، حيث نصت اتفاقيات ديتون للسلام على حق العودة الطوعية ونصت القوانين هناك بعدها على ان حق استرداد الملكية للعائدين فوق اى حقوق امتلاك حدثت بعد الحرب.
وعلى ضوء ما نصت عليه الاتفاقيات الموقعة او ما يمكن ان يتم توقيعه لاحقا فإن قوانين الارض فى السودان تحتاج الى مراجعة شاملة فى كل الجوانب كما انها تحتاج إلى إعادة تركيب وتبيئة ومواكبة للواقع الذى تجاوز قوانين صممت فى ظل حكومات كانت تسعى للهيمنة الاقتصادية والسياسية وتنزيح المواطنين بشكل قسرى لتحقيق مكاسب معينة.
[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.