ما حدث بقرية افيطس
برير إسماعيل
أهالي قرية إفيطس ريفي مدينة كوستي في إنتظار القصاص بعد أن تعرَّض مواطنهم الراحل محمد آدم دفع الله سائلين المولى له الرحمة و المغفرة لإهمال كبير في قسم الحوادث في مستشفى كوستي تسبب في فقدانهم له و للأبد.
المواطن السوداني محمد آدم دفع الله من قرية إفيطس ريفى مدينة كوستي فارق الحياة بسبب الإهمال و اللامبالاة التي حدثت له من قِبل المدير العام لوزارة الصحة في ولاية النيل الأبيض الدكتورة سارة لافينيا و من قِبل الأطباء في مستشفى كوستي الذين دخلوا في إضراب عام دون أن يراعوا المهمة الإنسانية لمهنة الطب.
أصل الحكاية:
المواطن السوداني محمد آدم دفع الله من قرية إفيطس ريفي مدينة كوستي و كعادة أهل الريف السوداني العريض يذهبون في الصباح الباكر إلى المدن الكبيرة بحثاً عن العلاج تارة و عن شراء بعض الإحتياجات البسيطة من سكر و شاي و زيت و بن …إلخ تارة أخرى مع أنهم في الكثير من الأحايين يغادرون قراهم الطاردة بسبب إهمال الدولة المركزية لهم بحثاً عن حياة أفضل في المدن الكبيرة و لكنهم لا يجدونها في الغالب الأعم.
لقد غادر الراحل محمد آدم دفع الله قريته إفيطس مستخدما بص القرية في الصباح الباكر متجها صوب مدينة كوستي لقضاء بعض إحتياجاته و لكن شاءت الأقدار أن يحصل حادث حركة و إلى هنا و الأمر أكثر من عادي لأن الحادث يمكن أن يحدث في كسر من الثانية.
بعد وقوع الحادث حاول صاحب البص وهو الإنسان المفضال إبراهيم عبد الله بليلة إسعاف الراحل محمد آدم دفع الله و لذلك إتجه به إلى مستشفى كوستي قسم الحوادث.
من المفارقات المحزنة لم يجد إبراهيم بليلة صاحب البص و رفاقه من الركاب في قسم الحوادث بالمستشفى مَنْ يعينهم على إسعاف الإنسان المصاب بل علموا بأن الأطباء في المستشفى بما فيهم الأطباء العاملين في قسم الحوادث قد دخلوا في إضراب عام بسبب خلافات لهم مع الدكتورة سارة لافينيا المدير العام لوزارة الصحة في ولاية النيل الأبيض.
على حسب الرواية التي ذكرتها بعض المصادر الموثوق فيها في المدينة تعود جذور الخلافات التي تسببت في قتل المواطن محمد آدم دفع الله بين الدكتورة سارة المدير العام لوزارة الصحة في ولاية النيل الأبيض و الأطباء المضربين عن العمل إلى أن الدكتورة أتت بأناس في مواقع هامة و لكنهم لم يكونوا من أصحاب الكفاءات و من حق الدكتورة سارة إثبات عدم صحة رواية المحتجين دون أن يؤدي هذا الخلاف العبثي بين قوى محسوبة على الثورة إلى الإهمال الذي يتسبب في قتل المواطنين !.
على العموم لا يهم لا من قريب أو من بعيد إبراهيم عبد الله بليلة صاحب البص الذي تفرغ و بعض رفاقه الميامين من ركاب البص لإنقاذ حياة هذا المواطن المصاب بسبب الحادث محمد آدم دفع الله لا يهمهم معرفة جذور هذه الخلافات الفارغة المحتوى فهم يريدون فقط إسعاف المصاب و إنقاذ حياته و في نفس الوقت يريدون ألا تتأثر حياة كل المواطنين بمثل هذه الإضرابات غير المسؤولة الخالية من الوازع الأخلاقي.
الحكاية المحزنة تقول لقد نصح بعض الأطباء الجدد المتدربين في حوادث مستشفى كوستي إبراهيم عبد الله بليلة و رفاقه بالذهاب بالشخص المصاب إلى أي مكان آخر في المدينة لأنهم ليس لديهم ما يقدمونه له في قسم الحوادث بل لم تكن لديهم حتى عربية إسعاف ناهيك عن وجود بقية الأشياء المنقذة للحياة بينما حضرات الأطباء في إضراب عام.
لقد ذهب إبراهيم عبد الله بليلة صاحب البص و بعض رفاقه من الركاب برفقة الإنسان المصاب محمد آدم دفع الله إلى مستوصف خاص في كوستي بعد أن فشل قسم الحوادث في المستشفى الرئيس في المدينة في مساعدتهم و لكن للمفارقة العجيبة نصحهم القائمون على أمر المستوصف الخاص بالذهاب بالمصاب إلى الخرطوم لأنهم لا يستطيعون فعل أي شيء له في كوستي في ظل الأوضاع الحالية المتردية.
إلا أن إدارة المستوصف الخاص في كوستي طلبت من إبراهيم و رفاقه البحث عن إسعاف خاص لكي يذهبوا به إلى الخرطوم و كان سعر هذا الإسعاف الخاص 800 ألف جنيه سوداني أي ما يقارب المليار جنيه سوداني يجب أن يدفعها مواطنون قادمون من قرية نائية و يعملون بحثاً عن سُبل العيش الكريم بحكاية رزق اليوم باليوم بعد أن رفعت الدولة أياديها عن كل شيء بما في ذلك دعم صحة الإنسان في عهد حكومة جاءت من بعد ثورة عظيمة و بدلاً من دعم ملايين الشرائح الضعيفة وضعت الحكومة أرجلها على ظهور المواطنين المعدمين في كل المدن السودانية بصورة عامة و في الريف السوداني العريض بصورة خاصة .
إتجه بعض أهالي قرية إفيطس بقيادة إبراهيم عبد الله بليلة صاحب البص بالمصاب إلى الخرطوم مستخدمين الإسعاف الخاص لإنقاذ حياته و بعد رحلة معاناة طويلة قضوها في كوستي بحثاً عن معين دون جدوى وصلوا إلى الخرطوم.
في الخرطوم إزدادت محنتهم لأنهم قضوا بها ما يقارب الثلاث ساعات بحثاً عن جهة تستلم منهم هذا المصاب دون جدوى و أخيرا و هم في طريقهم إلى الجهة التي طلبت منهم الحضور لإنقاذه في الخرطوم فارقت روح الفقيد محمد آدم دفع الله الطاهرة جسده الذي أعياه الرحيل و أعيته متاعب الحياة و كانت النهاية المحزنة و تمَّ دفنه في الخرطوم بينما عاد إبراهيم عبد الله بليلة و رفاقه إلى قرية إفيطس ريفي مدينة كوستي لتلقي واجب العزاء في فقيدهم بل شهيدهم محمد آدم دفع الله الذي غادر القرية و إلى الأبد.
الخلاصة تتحمل وزارة الصحة الإتحادية عبر الوزير الإتحادي الدكتور عمر النجيب مسؤولية جريمة قتل المواطن محمد آدم دفع الله بسبب الإهمال الذي تعرَّض له في مستشفى كوستي قسم الحوادث و السبب في تحمل الوزارة لهذه المسؤولية العظيمة هو أنَّ وزارة الصحة الإتحادية هي الجهة المسؤولة أمام الله و أمام الشعوب السودانية التي ثارت ضد نظام الجبهة القومية الإسلامية بسبب ظلمه للناس مسؤولة عن هذا التقصير الكبير الذي شاركت فيه الدكتورة سارة لافينيا المدير العام لوزارة الصحة في ولاية النيل الأبيض و شارك فيه الأطباء في مستشفى كوستي الذين دخلوا في إضراب عام بطريقة غير راشدة.
معلوم بالضرورة بأن أقسام الحوادث في كل أرجاء الكرة الأرضية لا يمكن قفلها أو تركها بلا إسعافات تساهم في إنقاذ حياة الناس .. فما هي الجدوى إذن من إسم الحوادث إن كانت هذه الأقسام لا تقوم بهذه المهمة الإنسانية?.
الطب مهنة إنسانية في المقام الأول لذلك لا ندري كيف يدخل الأطباء في مستشفى كوستي أو في أي مستشفى في السودان بل في كل دول العالم في إضراب عام بسبب خلافات بين العاملين في الحقل الطبي مهما كانت مسبباتها و جذورها لدرجة إنه الأطباء لا يساهمون في إنقاذ حياة المواطنين.
ما حدث للمواطن الراحل محمد آدم دفع الله يعتبر جريمة قتل بكل المقاييس شاركت فيها الجهات التي تمَّ ذكرها في هذا المقال و لذلك لو كانت لدينا حكومة ثورية في مستوى تطلعات و آمال الشارع السوداني الثائر لفتحت الحكومة بلاغاً جنائيا ضد الأطباء في مستشفى كوستي و ضد المدير العام للصحة في ولاية النيل الأبيض و لتمَّ تقديم الجميع إلى محاكمات علنية و من بعد ذلك يتم رفع الضرر النفسي العميق الذي تعرضت له أسرة هذا المواطن المكلومة.
لا ندري كم هو عدد الحالات المحزنة المشابهة لحالة الإهمال التي تسببت في قتل المواطن محمد آدم دفع الله في كل قرى و فرقان و حَلاَّل الريف السوداني العريض لأنَّ الحال من بعضه البعض بعد أن وجدت هذه القضية طريقها إلى وسائل الإعلام و نأمل في أن تكون قضية رأي عام في عهد الثورة المجيدة بعد أن دفع آلاف المواطنين الثمن غالياً بسبب الأخطاء القاتلة لعدد كبير من الأطباء في عهد نظام الجبهة القومية الإسلامية سيء السمعة دون أن تتم محاسبتهم على هذه الجرائم بسبب إنتشار الفساد في مفاصل الدولة من أعلى قمة فيها إلى خفيرها.
الخلاصة يبدو بأنَّ تحقيق العدالة في السودان بعد الثورة العظيمة صار أمراً بعيداً عن المنال في كل يوم تشرق فيه الشمس .. فلم نستطع تسليم المطلوبين للجنائية الدولية .. و لم نستطع الكشف عن مرتكبي الجرائم الخطيرة في الجنينة و فتابرنو و كسلا و نيرتتي و بورتسودان و كلوقي و أمقينص .. و لم نستطع الكشف عن هوية مرتكبي جريمة فض الإعتصام .. و لم نستطع محاكمة مدبري إنقلاب 30 يونيو 1989 بصورة تليق بحجم الجرائم البشعة التي إرتكبها قادة الإنقلاب العسكريين و السياسين .. و ها هو نحن الآن أمام جريمة مكتملة الأركان طرفها وزارة الصحة الإتحادية التي يجب عليها فتح تحقيقاً شفافاً لكي لا تروح روح المواطن محمد آدم دفع الله عليه رحمة الله شمار في مرقة كما راحت أرواح الكثيرين المغدور بهم في عهد نظام الجبهة القومية الإسلامية و للأسف الشديد من بعد النجاح الجزئي للثورة العظيمة لأنَّ النجاح الكامل لها كان في حاجة ماسة إلى وحدة القِوى التي شاركت فيها و هذا ما لم يتحقق حتى الآن الأمر الذي تسبب في سيطرة اللجنة الأمنية على المشهد السياسي برمته*.
08 سبتمبر 2021م.
[…] ما حدث بقرية افيطس; SPLM-N […]