ما حدث الان حدث قبل مائة ثمانية وثلاثون عام في سقوط الخرطوم علي يد انصار المهدي حقا نحن امة لا نتعظ من التاريخ

 

في 26/ يناير 1885 بلغ عدد القتلى من سكان الخرطوم يوم سقوطها أربعة و عشرون ألف رجل.
وقتل الأطفال و كل ذكر ولو كان رضيعاً إلا أن النساء لم يقتلن.
ابتدأت هذه المذبحة عند طلوع الفجر وبين شروق الشمس، أصدر الخليفة أمراً بالكف عن القتل و أُخرج السكان من منازلهم بملابس النوم وأصدر أمين بيت المال أمراً إلى الحاج خالد العمرابي بالوقوف على باب الخندق لتفتيش كل خارج من سكان المدينة الذين أُمروا بالبقاء في بقعه بين الخندق و معسكر ابن النجومي واستولى الدراويش على المنازل ( حدث و يحدث الان) .
وفي اليوم التالي بدأ تعذيب الناس حيث يستدعون صاحب المنزل و كبار أفراد عائلته إلى منزل الأمين ويبتدؤن مكالمتة بقولهم له حيث أنك كفرت بالله و رسوله و حاربت المهدي فقد أهدر الله و رسوله دمك وحرم مالك و صيره حقاً للمهدي و المهدي عفا عن دمك ولا سلامه لك في الدنيا و الآخرة إلا بتسليم جميع أموالك حتى الخيط و المخاط.
وسواء اذعن لهذه الاكاذيب وسلم ماله أو لم يسلم فلا بد من ضربه ألف صوط والمرأه نصفها و توثق يداه و رجلاه و يلقي على الأرض و يصب عليه الماء البارد في الليل ، وبقي السكان في حالة العذاب هذه حتى جُمعت الأموال و الأمتعه في بيت المال.
ومن الاحداث التي وقعت يوم سقوط الخرطوم أن رجلاً اسمه (كريب) من أقارب المهدي ومن حراس الخليفة شريف الذين يطلق عليهم اسم (الملازمية) ( الدعامة ) ومعه نحو عشرة من أقاربه دخلوا منزل رجل مصري اسمه (ابراهيم) له سبعة إخوه فقتلوا الثمانية وفتشوا المنزل فلم يجدوا به مالاً وكان لابراهيم غلام في التاسعة من العمر فأخفته امه ونساء اعمامه في وسط الأمتعه خوفاً عليه من القتل إلا انهم عثروا عليه في غضون التفتيش و اخرجوه فتراءت امه ونساء اعمامه على أقدام (كريب) و رفقائه وقلن له ان والده و اعمامه السبعه قتلوا فنسألك بالمهدي أن تترك لنا هذا الصبي فالتفت عليهن وقال كيف نتركه ونحن لم نجد في بيتكن ذهبا ولا فضه وكلكن نساء مسنات ليس بينكن من تميل النفس إليها ثم صاح برفقائه وقال قطعوا الصبي ثماني قطع واتركوا لكل واحده منهن قطعه ولم يتم هذه العباره حتى تناول رفقائه الصبي وقطعوه ثماني قطع و ألقوا لكل إمرأة قطعه، ومثل هذه الحادثه يعد بالالوف ذكرنا منها هذه للدلالة على اخواتها.
وأُخذت النساء سبايا وأرسل أمين بيت المال بنحو ألف عذراء من بنات أعيان المصريين فاختار المهدي منهن ثلاثين فتاة من ذوات الحسن و الجمال آباؤهن من وجهاء المصريين سكان المدينة و وزع الباقي على حرسه وذوي قرابته وكلهن كموطوآت بملك اليمين.
وأرسل أمين بيت المال عدداً عظيماً من النساء إلى عبدالله التعايشي فأبقى لديه العذارى منهن ووزع الباقي على حراسه وذوي قرابته أيضاً، وصار كلما قضى وطره من واحدة يهديها إلى احد رجال حاشيته.

وأرسل أمين بيت المال أيضاً بمئات من النساء إلى الخليفتين علي ود حلو و محمد شريف وكان عملهما بهن مثل عمل عبدالله التعايشي.
وكثير من أولئك النسوة إمتنعن من الفسق و الفجننور بهن فعذبن عذاباً أليماً وضربن ضرباً مبرحاً وحُلقت شعور رؤسهن وكثير منهن فضلن الموت على الحياة ورأيت امرأة أحد السناجك وهي تركية من جهة أبيها و سودانية من جهة أمها انتحرت تخلصاً من العذاب الذي نالها على إثر إمتناعها من تسليم نفسها لعبدالله التعايشي.
وضربت إمرأة الشيخ محمد السقّا شيخ القرّاء في الخرطوم وعذبت ستة شهور لإمتناعها من تسليم نفسها إلى عبدالله التعايشي، والخلاصه ان عدد النساء اللواتي سُبين لايقل عن خمسة و ثلاثين ألف فتاة.
وشاهد ذلك انك تجد عند أصغر أمير من أمراء المهدي عشرين فتاة أما الأمراء الكبار و أقارب المهدي فإن اللواتي يأخذهن كل واحد منهم يزيد عددهن على العشرين عذراء ولايظنن القارئ أنهم يختلسون أولئك الفتيات بل يأخذونهن بأمر من المهدي او أحد الخلفاء او أمين بيت المال موضحاً في كل أمر اسم الفتاة واسم ابيها و جدها وأوصافها وأنها أُعطيت لفلان غنيمة له يحل له وطؤها بملك اليمين ويجوز له بيعها مالم تصر ام ولد. ومن وجدت عنده من أتباع المهدي إمرأة وليس لديه أمر بالبيانات التي ذكرناها تصادر أمواله ويُقبض عليه ويُعامل معاملة السارق.
وكان المهدي أصدر أمراً حظر فيه سبي كل أمرأه لها بعل ولكن هذا الأمر كان لايعمل به إلا إذا كانت المرأة طاعنة في السن أو قبيحة المنظر لاتميل إليها النفس.
وكان أمين بيت المال يمسك النساء ويفتشهن بعد خلع ملابسهن فمن وجدت سليمة من العيوب أخذت ومن وجدت بها عيب انتهرت و طردت هذا مجمل مافعله المهدي بسكان الخرطوم من جهة الأموال و الأعراض ذكرته بغاية الايجاز لأني إذا تتبعت التفصيل أفنيت الأعوام.
وأصدر المهدي منشوراً قال فية إن جميع الذين خرجوا من قيقرة الخرطوم أي (خندق الخرطوم) لايعتبر زواجهم شرعياً لأنه حصل في زمن الفترة التي كانت قبل بعثته وأمر بعقد زواج كل زوجين من اولئك الأسرى وإذا كان في المرأه شئ من الحسن أو بقية من الشباب لايستأنف عقد زواجها بل تؤخذ غنيمة.
وكتب أمين بيت المال إلى المهدي يستفتيه في أنه وجد بالخرطوم عتقى اعتقهم مواليهم قبل فتح المدينة بزمن طويل فهل يعاملون كالأحرار أو الأرقاء فأجابه بأن الذين أُعتقوا كفار لا يعتبر عتقهم و أمره بمعاملة اولئك العتقى معاملة الأرقاء
(هذه المكاتبات موجوده بدار الوثايق القومية في الآثار الكامله للامام المهدي).
ذكرت أنني أسلمت نفسي ومن معي من الجنود في منتصف النهار فقبضوا علي و أوثقوني كتافاً و ساقوني إلى أمين بيت المال يحيط بي نحو مائتي نفر من الدراويش شاهرين سيوفهم وكلهم يصيحون بي و يقولون ياكافر ياعدو الله فالفيته بمنزل أبي بكر الجاركوك أحد أعيان المدينة ووجدت المنزل مملوء بالنساء وهو مشتغل بفرزهن ولما أُوقفت بين يديه كان مشتغلاً بالنظر إلى فتاة فاتنة وهي مجرده من ملابسها و بيدها خرقة تستر بها عورتها وهو يقلبها يمنى و يسرى و الدموع تتساقط من جفونها و هي تقول “رضينا بقضائك ياالله”.

وبعد أن فرغ من أمر الفتاة إلتفت إلى نحوي وقال أعوذ بالله من هذا الوجه الأبيض ثم إلتفت للحراس الذي حولي وقال لهم من هو هذا الكافر فقالوا هو إبرهيم باشا فوزي فقال لماذا لم تقتلوه فقالوا تركناه ريثما يظهر أمواله و أموال غوردون والحكومة ثم صاح بي وقال دلنا ياكافر على هذه الأموال فقلت ان أموالي أُخذت من منزلي وأما أموال غوردون والحكومة فلست موكلاً بحفظها ثم استل سيفه من غمده وتقدم إلي وقال هذا الكافر لايظهر هذه الأموال وقتله خير من استحيائه فأمسكه من حوله و قالوا له ارجئه ريثما نعذبه أو يدلنا على الأموال ثم صاح بالعبيد فطرحوني على الأرض وجلس واحد منهم على رأسي وأمسك إثنان السياط وضرباني حتى كلت سواعدهما فأبدلا باثنين آخرين حتى سال الدم من جسمي وبعد أن تمزق جسمي زجوني في السجن وبقيت ثلاثة أيام فيه يسوقوني للإستنطاق و الضرب في غدوه و روحة.
وفي اليوم الثالث اخرجوني من السجن موثوق الكتاف يحيط بي الحراس و ارسلوني إلى منزلي فوجدت به أحد الأمراء فجمع أمتعتي وكتبها في ورقه عرضها علي فلم أجد شيئا مفقودا منها ثم قال لي إن الأموال الظاهرة كلها استوليت عليها ولم يبقى غير مايخفى في بطن الأرض فقلت انني لم اخف شيئاً في بطن الأرض فأخذ يوعظني تاره و يهددني تارة اخرى فقلت له انني لم اخفي شيئاً ولم يكن لدي مال غير مااستوليت عليه فساقني و معي ماخف حملة من الأمتعه الذهبية و الفضية و النقود وبعض حلي مجوهره إلى أمين بيت المال فلما نظر إلى قال كيف أبقيتم هذا الكافر حياً حتى الآن فقال له الأمير نحن نؤجل قتله حتى يظهر لنا أمواله وأموال غوردون و الحكومه ثم قال أمين بيت المال لذلك الأمير ألم يك عنده نساء فقال له عنده محظيتان حبشيتان أخذتهما لنفسي فقال أمين بيت المال كيف تأخذهما قبل عرضهما علي وأخذ الإذن بهما مني فأجابه الأمير انني اخذتهما بسيفي ولا أطلب من بيت المال غيرهما فقال له قد باركت لك فيهما و ملكتك اياهما فشكره وأنا واقف وساعدي موثوقتان كتافاً

المصادر:
مذكرات بابكربدري ( ثلاثة اجزاء)
مذكرات يوسف مخاييل ( تحقيق البروفسور احمد ابراهيم ابوشوك)
مذكرات محمد عبدالرحيم
ابراهيم فوزي (السودان بين يدي غردون و كتشنر )
منشورات الامام المهدي البروفسور محمد ابراهيم ابوسليم —-

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.