ماذا الفشل؟
✍️ مبارك عمر
يجب على السودانيين والسودانيات أثناء هذه الحرب التفكير في سودان ما بعد الحرب ولا ندع الحرب تشغلنا عن ما بعدها ،طالت هذه الحرب أم قصرت فهي ستنتهي ولكن ماذا بعدها ؟هل نرجع لتكرار تجاربنا السابقة التي قادتنا لفشلنا المتكرر أم نفكر هذه المرة خارج الصندوق بعمل paradigm shift وذلك بمناقشة القضايا الأساسية التي تُبنى على ضوئها الدول ؟ القضايا التي سكت عنها السودانيين والسودانيات زمنا طويلا ولم تناقش بشكل جاد في اروقة الخطابات الرسمية ل “الدولة”، السودان طوال تاريخه ما بعد “الإستقلال” لم يكن دولة حسب المفهوم الحديث للدولة الوطنية = تلك الهيئة البشرية التي تحتكر العنف الرمزي والمادي، العنف الرمزي عبر الأيديولوجيا والعنف المادي عبر الجيش والشرطة ..إلخ، أغلب دول العالم وهي ذاهبة إلى الأمام تناقش مشاكلها وتقوم بحلها وتتقدم الدولة و تستمر في التطور والتطوير، نحن في السودان في سيرورتنا تتعقد مشاكلنا وتظهر مشاكل جديدة نقوم بترحيلها إلى الأمام تعيق تقدمنا وتظهر النتائج اكثر تعقيدا في كل مرحلة من مراحل تجاربنا وهكذا. . السودان عبر تاريخه شهد حروب أهلية عديدة و ثورات / انتفاضات عديدة ولكن لم يُستفاد منها بالشكل المطلوب “المؤسس لسودان جديد ” آخرها ثورة ديسمبر المجيدة التي لم تكتمل والحرب الدائرة الآن في مناطق مختلفة من السودان والتي هي نتاج طبيعي للفشل السياسي الذي في كل مرة يلتقي وطموحات جنرالات الحرب ومتاجريها كل هذا هو تجلي لتناقضات أساسية لدولة قامت على أسس خاطئة وفي كل مرة تحاول إعادة إنتاج نفسها تُواجه بأسئلة جديدة تخلق مشكلات جديدة تُزيد من أزمة الوضعية المأزومة أصلا ، ما بعد ثورة ديسمبر مثلا أنشغل الساسة وبعض المفكرين بالانتقال / التحول الديمقراطي قبل الحديث عن ان هل فعلا هناك دولة محترمة يُصلح فيها انتقال من ثم التحول الديمقراطي؟! ام أننا نحتاج لفتح نقاش جاد حول قضايا أساسية وتأسيسية، هذه الأخطاء القديمة المجددة هي نفسها التي وقع فيها السودانيين والسودانيات في ثورات وظواهر كبرى سابقة نتج عنها فشل سياسي قادنا الى إنقلابات عسكرية وحروب أهلية . فجوهر الأزمة في السودان، هو في الحقيقة التجليات الطبيعية لعدم حسم تلك القضايا المصيرية التأسيسية، أي هو الصراع والنزاع حول كيفية بناء دولة ما بعد الاستقلال (الدولة السودانية الوطنية الحديثة)، وحول أن هذه الدولة تقوم على الاعتراف بالتعدد الإثني والديني .. ألخ ، دولة المواطنة المتساوية التي تقف على مسافة متساوية من الأديان والثقافات دولة يسطيع فيها السودانيين والسودانيات إخراج السلطة من المقدس إلى المجال الدنيوي الذي يعمل من خلاله المواطنين على حُكم أنفسهم وإختيار طرائق عيشهم ” دولة المواطنين وليست دولة المؤمنين ” دولة تُحدد هُويتها بناءا على سيرورة التأريخ وحقائق الواقع وليست مأخوذة من تصورات مُتخيلة قائمة على الأيديولوجيا التي تزيف الواقع وتفرض أشكال مُتوهمة من الوعي، دولة قائمة على التنمية المتوازنة والتوزيع العادل للسلطة والثروة لمناطق وقرى السودان المختلفة وحفظ حق الجميع في العيش الكريم ، دولة قادرة على إطلاق طاقات حياة السودانيين في العمل والإنتاج والاستفادة من الموارد المختلفة، دولة قادرة على خلق سياسات ومناهج تعليمية حديثة ونوعية مواكبة للتطور البشري والتقني والفلسفي، وليست قائمة على مناهج تُكرس للغباء والتجهيل الممنهج بإسم العلم ، دولة تقوم على جيش واحد يكتحر العنف يُحافظ على الحدود والدستور بعقيدة قتالية وطنية مبنية على الولاء للسودان وليست عقيدة جهادية تؤسس للتمليش وتقسم الناس على أسس خاطئة بهدف السيطرة والتحكم والعبث بموارد البلاد.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.