مأساة مدرسة (ود الكبير) للبنات بالقضارف.. فصول شيدت بمواد مشعة وطالبات يعانين من الأمراض
إبراهيم عبد الرازق _ القضارف
تعاني مدارس الأساس في بلادنا عددا من المشاكل والنواقص، غير إن ما حدث مدرسة البنات للأساس في حي (ود الكبير) بمدينة القضارف، المدرسة بناها المواطنون ثم أزالها الوالي عبدالرحمن الخضر، لتبنيها مرة أخرى شركة مجهولة الهوية بمواد مشعة تخلف أضرارا صحية وسط التلميذات، ليتم إزالتها للمرة الثانية تفاديا لتفشي الإصابات، ثم يصل الحال إلى أن تدرس الطالبات في فصول من الخيم وأخرى تحت ظلال الأشجار وثالثة بلا سقوف، فكيف انتهت الأمور إلى هذا السيناريو منذ العام ٩٧، وما ذنب أكثر من ( ٦٧٠) تلميذة بمرحلة الأساس ليواجهن كل هذه المعاناة والعذاب؟
أصل الحكاية!!
رئيس المجلس التربوي خليل عبد الله حسن قال إن المدرسة أنشئت عام ١٩٩٧ بجهد شعبي، لكن مبانيها أزيلت عام ٢٠٠٧ في عهد الوالي – وقتها – عبد الرحمن الخضر، ومضى خليل في حديثه لـ (الديمقراطي) قائلا: بعد الإزالة الأولى تولت شركة مشبوهة – لا تتوفر معلومات كافية عنها حتى الآن – إعادة بناء المدرسة بمواد مصنعة محليا تعرف بـ (الجوجاوة) وتخلط بمواد أخرى تصنع هنا في القضارف، ومع مرور الوقت اكتشفنا أن المواد التي استخدمت في البناء مواد مشعة تحتوي على (فسفور وماغنيزيوم)، حسب ما أثبتته التقارير العلمية والفحوصات المعملية بعد ملاحظة أن المواد تلك تتسبب في رفع درجة الحرارة داخل الفصول، فإذا كانت الدرجة ٣٠ مئوية مثلا تكون داخل الفصل ٤٥ درجة مئوية، ما أدى لأوضاع صحية متردية وسط التلاميذ ظهرت في التأثير على النظر وعدد من المشاكل الصحية الأخرى.
وتابع خليفة: بعد سقوط النظام المباد وفي عهد الوالي العكسري نصر الدين عبدالقيوم وبعد ضغوط كبيرة وجهد من لجان المقاومة وقوى الحرية والتغيير بالولاية أزيلت المدرسة للمرة الثانية، وما زالت عمليات البناء مستمرة حتى الآن، شيدنا عددا من الفصول بمواد شبه ثابتة، لدينا الآن أربعة فصول ومكتب لم تسقف بعد، وهناك خمسة فصول دراسية يتنقل تلاميذها وتلميذاتها بين ظلال الأشجار.
وأوضح أن وزارة التربية بالولاية أحضرت عددا من الخيام، بينما يقوم المجلس التربوي بتشييد عدد من الرواكب لإجلاس التلميذات، كخطة إسعافية لإكمال العام الدراسي الحالي.
وتمسك خليفة بمحاسبة المتسببين في إلحاق الأضرار الصحية بالتلميذات والمعلمين، وقال: نحن نطالب أولا بتحديد هوية واسم مالكي هذه الشركة ومحاسبتهم على استخدام المواد المشعة، كما نطالب حكومة الثورة بدعم المدرسة ومراجعة المواد المستخدمة في بناء المدارس.
المشهد الآن!!
أبدت كيلة المدرسة، بخيتة محمد أحمد دريب، دهشتها من تعامل الدولة مع قضية المدرسة في الوقت الذي لا يفصلها من أمانة الحكومة سوى أقل من مترين، وقالت: السودان كله سمع بأحداث مدرسة ود الكبير للبنات، ما عدا أمانة حكومتنا.
ومضت في حديثها لـ (الديمقراطي): قضينا العام الدراسي السابق ضيوفا على مدرسة البنين المجاورة، لحين انجلاء المشهد، وفي العام الحالي وزعنا التلميذات على النحو الآتي الصف الأول وبه ١١٤ تلميذة في خيمة أحضرتها منظمة (اليونسيف) التهوية فيها غير جيدة، من الصف الثاني حتى الصف الخامس البنات يدرسن تحت ظلال الأشجار، لدينا ثلاثة فصول مبنية وغير مسقوفة ندرس بها التلميذات في الفترة الصباحية، وبعد ذلك يتنقلن بحسب توفر الظلال تحت الحوائط أو الأشجار، هذا كله مع أزمة مياه حادة يعاني منها العاملون والمعلمون والتلميذات بالمدرسة.
احتواء الموقف!!
مدير مرحلة الأساس عبد الرحيم بلة والمدير التنفيذي للمحلية زارا المدرسة، وعقدا اجتماعا مع طاقمها للوقوف على الأوضاع.
وأكد مدير عام وزارة التربية بولاية القضارف عبد الوهاب إبراهيم سلامة جميع التلاميذ في نهري المدرسة بنينا وبنات وتابع في حديثه لـ (الديمقراطي): الدراسة تسير بانتظام واستقرار بكل الحلقات ولا توجد أي إصابات أو شكاوى صحية من التلاميذ، الفصول محل الشكاوى أزيلت تماما، ونقلت المواد المشعة إلى خارج المدرسة. وأضاف عبد الوهاب أن الجهود الرسمية والشعبية مستمرة لإكمال بناء المدرسة بصورة تليق بالتلاميذ. وانتقد عبد الوهاب تناول بعض وسائط الإعلام للقضية ومضى قائلا: هناك جهات نشرت صورا للمدرسة في وضعها القديم ولم تبرز ما تم من مجهودات، وطالب المدير المركز بمزيد من الاهتمام بهذه المؤسسة المنكوبة.
تداعيات أخرى!!
خلال جولتنا في منطقة (ودالكبير) لاحظنا اهتماما كبيرا من الأهالي بقضية المدرسة، وشدد المواطنون على المطالبة بتخليص الحي فورا من المواد الضارة والأنقاض.
وقال عضو مجلس الآباء هشام الإدريسي: منذ ٢٠١٩ “بدأت حالات مرضية مجهولة في الظهور وسط تلميذات مدرسة (ودالكبير) – بلدية القضارف”.
وتابع هشام في حديثه لـ (الديمقراطي): الحالات تمثلت في حساسيات في الصدر، وحور وارتخاء في العيون مصحوبا بالنعاس، وبعد تحرك المجلس التربوي مع الجهات المختصة اتضح بأن السبب في ذلك هي المواد التي أنشئت منها المدرسة التي تشمل (الماغنزيوم والفسفور والكالسيوم) وتم أخذ عينات للفحص وأوصى التقرير بإزالة المدرسة والتخلص من الأنقاض بطريقة علمية لتطمر في الصحراء بعيدا عن المناطق السكنية، كما أوصت الجهات المسؤولة باستعمال (الكممات والجوينتات) في عملية الإزالة للمخاطر الصحية بعد ان ظلت الحالات في تزايد.
انتصار الإرادة!!
أخيرا انتصرت إرادة الحق، بعد مجاهدات استمرت لمدة أربعة أعوام في ظل تعنت الدولة السلطوية الفاشلة، كما يقول معلم بالمدرسة، ويمضي في حديثه لـ (الديمقراطي): الإنقاذ امتد فسادها في كل مؤسسات السودان وعانى من ظلمها الشعب طيلة سنوات التمكين السياسي التي أدت لاستشراء الفساد وظلم العباد. وتابع: الإزالة جاءت بردا وسلاما على أهل القضارف عامة وأولياء الأمور خاصة والتلميذات وسكان الحي خاصة.
وأكد ألإزالة جاءت بإرادة الجماهير بعد أن ظل هاجس المرض يطاردهم والكل يعلم أن لعنة المدرسة قد طالت كل بيت بالحي عبر فلذات أكبادهم ممن أصيبوا الأمراض، وأرهقتهم اقتصاديا واجتماعيا، حيث بلغت أعداد الإصابات 45 حالة بالحول الخفي والارتخاء في عضلات العين والحساسيات في الصدر والأمراض الأخرى من نتاج استخدام مواد ضارة بصحة الإنسان والبيئة من قبل الشركة المشيدة للمبني التي يملكها نافذون في العهد البائد.
الدولة العميقة!!
والد تلميذة وعضو بمجلس الآباء، انتقد حكومة الولاية في تعاطيها مع القضية، وقال في حديثه لـ (الديمقراطي): لم يزر أي والٍ بعد سقوط النظام المدرسة، ما زالت الأخطار الصحية تحدق بالجميع، المدير التنفيذي لبلدية القضارف لازال يتعامل بعقلية الدولة العميقة في تعطيل دولاب العمل متحججا بأعذار واهية رغم توجيه الوالي له بإزالة المدرسة حسب مواصفات التقرير الصحي وكذلك التخلص من الأنقاض عبر طمرها في الصحراء لخطورتها على الإنسان والبيئة، حيث يستمر تأثيرها في أعماق الأرض؛ ورغم ذلك لم يحرك ساكنا، ويتحدث عن مديونية الشركة على البلدية.
وتابع: رغم المخاطر الصحية على العمال والمواطنين أزليت المدرسة تحت غطاء تجميلها بواسطة عمال دون طرق علمية وهذا له ما بعده، ونعيب على وزارة التربية والتعليم الاتحادية والولائية مماطلتهما في التحرك رغم التقارير الصحية وتقارير مجلس البيئة وتقارير المواصفات فهم لم يحركا ساكنا، بل ساهما في معاناة الأطفال بالإجراءات العقيمة وتعطيل ملف مكتمل.
نقلا عن صحيفة الديمقراطى