لماذا علي الحركة الشعبية أن تحقق سلام لا يخاطب جذور الأزمة ؟

بقلم / كومان سعيد

 

 

لا اعيب فرح الكثير من السودانيين بتوقيع الجبهة الثورية إتفاقية سلام جوبا , فمن هذا الذي يعيب فرح الناس بتحقيق السلام والطمأنينة والأمن والحب وهي قيم و أهداف سامية مقام سمو الأنبياء والآلهة .إن التضحيات الجسام التي قدمها أبناء وبنات الشعب السوداني منذ أول احتجاج على السلطة الحاكمة و الدولة هي تضحيات عظيمة لا يكافئها في المقابل لا السلام ولا التنمية ولا اجتزاز الإسلاميين وإقتلاع جذورهم الخربة وتفكيك التمكين ولا أي شيء يمكن أن تقوم به الحكومة الانتقالية من إصلاحات سياسية واقتصادية ولا حتي تحقيق العدالة الانتقالية والمحاسبة التاريخية..إن التضحيات التي قدمها السودانيين في الهامش هي تضحيات مهرها العمر والموت. إن كثيرين من فقدوا اعزائهم فقدوا معهم الرغبة في البقاء فما عاد هناك ما يثير فيهم شعور البهجة والحياة ولو اجتمع البشر جميعا لمواساتهم .من الذي يستطيع أن يعوض الأسر التي فقدت من تحب من أم , وأب , وأبناء ؟ من يستطيع ان يعوض أجيال فاتها أن تتعلم القراءة وتعرف معنى الكتابة ؟ أن حق الناس في السلام الشامل العادل هو حق أصيل لا يقبل المساومة . فبعد كل هذه التضحيات الجسام التي قدمها هذا الشعب لماذا عليه أن يوقع إتفاقية سلام لا تجتز الأسباب التي من أجلها قامت الثورة والنضال ؟ . إن اتفاقيات السلام وإيقاف الحروب لابد أن تبني على مبادئ , وهذه المبادئ لابد أن تقوم على مركزية الإنسان Human centrism يجب أن ذيكون الإنسان هو محور التفكير والاهتمام والإتفاق. إن رد الاعتبار لكرامة الناس و تحقيق أمنهم في الشعور بالوجود والسلام والشعور بالذات كقيمة لإدارك النفس وبالتالي ما حول النفس من إقتصاد ورفاهية هي مبادئي و حقوق ضحايا لا يمكن التنصل عنها . إن تحرير المقهورين من قاهريهم وتحقيق الحرية في جوهرها الذي يبني على مركزية الإنسان human centrism هي ليست فلسفة يقرأها من يرتشفون القهوة مساء في ازقة القهاوي المسائية ,بل هي المعنى الحقيقي والجوهري للسلام. هناك الكثير من التساؤلات و التململ حول موقف الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال بقيادة القائد عبدالعزيز التفاوضي . استطيع ان اتفهم تعطش الناس وتطلعهم لتحقيق سلام شامل وبالتالي التنمية ولحق ركب الأمم في سلم التقدم و الرفاهية . ولكن لماذا علي الحركة الشعبية أن تحقق سلام لا يخاطب جذور المشكلات ولا يلبي طموحات من دفعوا الثمن غاليا طوال فترة النضال الطويلة ؟ . هل علي الحركة الشعبية أن تهرول إلى جوبا لتوقيع اتفاقية سلام فقط لأن بعض الحركات المسلحة قد وقعت ؟ الحركة الشعبية لديها رؤية واضحة جدا فيما يتعلق ببناء وإعادة هيكلة الدولة ,إن مشروع السودان الجديد هو مشروع يقوم على المواطنة دون تمييز والفصل التام ما بين الدولة كمؤسسة خدمية و الدين كعقيدة ميتافيزيقية روحية شخصية ويجب أن يكون هذا واضحا وضوح الشمس في أي اتفاقية سلام تصل إليها الحركة الشعبية مع أي حكومة كانت وهو مبدأ لا يقبل التفاوض فيه وهو يمثل جوهر النضال و الإرث النضالي الطويل للحركة الشعبية وجماهيرها .
إن مطالب الحركة الشعبية مطالب مسنودة بجماهير الحركة الشعبية التي ما فتئت تقاتل وقدمت التضحيات الجسام من أجل تحقيق المواطنة المتساوية والسودان الديمقراطي القائم على الوحدة الطوعية . إن انفصال الجنوب إن دل إنما يدل علي هشاشة بنية الدولة السودانية الموروثة من المستعمر والتي ما فتئت تقلد المستعمر في كل سياسته التمييزية تجاه أبناء الوطن الواحد . وإن هذه السياسات لو لم تجتز من جذورها ستخلق جنوبا جديد ولا أسف . على ماذا يكابر هؤلاء الساسة و يعاندون في تحقيق السلام الشامل (علمانية الدولة) ؟. لماذا علي الحركة الشعبية أن تقبل بمدنية الدولة هذه ومن ثم تعمل على تسريح جيشها الضامن الوحيد لتحقيق أمال وتطلعات الهامش داخل المؤسسة العسكرية السودانية ؟ أليس لدينا أزمة ثقة تاريخية فيما يتعلق باتفاقيات السلام ؟ إن موقف الحركة الشعبية ورؤيتها لا يمثل موقفا لبعض السياسيين في الحركة الشعبية أو المثقفين من ابناء الهامش إنما هو موقف يعبر عن كل أبناء الهامش وكل جماهير الحركة الشعبية من كل الفئات النساء و الرجال غير المتعلمين و المتعلمين , الكبار والصغار ,المسيحيين , المسلمين , وكل التواقين إلى السلام العادل. علي الحركة الشعبية أن لا توقع أي اتفاق للسلام لا يخاطب المشكلات التي حمل الناس لأجلها السلاح. علمانية الدولة وحدها لا تلبي طموحات الناس في النضال والثورة لابد ان تكون هذة العلمانية مقرونة بالحكم الذاتي والحماية الذاتية التي تعتبر الضامن الوحيد لتحقيق السودان العادل القائم على الوحدة الطوعية والمواطنة بلا تمييز .ان هذا الشعب يستحق ان ينعم بسلام عادل وشامل وهو حق أصيل لا يمن عليه به أحدا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.