لماذا تصر حركة مسلحة في جبال النوبة، السودان – على علمانية الدولة؟
وكالات: splmn.net
تقرير: زينب ضبع.
نقلا عن ال BBC
عاد مصطلح “علمانية الدولة” إلى الواجهة مجدداً في السودان، في أعقاب توقيع حركتين مسلحتين في شهر مايو/آيار الماضي مع رئيس الوزراء السوداني السابق، ورئيس تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية عبد الله حمدوك ما عرف باتفاق نيروبي الذي ينص على علمانية الدولة.
ووقع كل من رئيس حركة تحرير السودان عبد الواحد محمد نور، ورئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان- قطاع الشمال عبد العزيز الحلو على الاتفاق على حدا، بحضور الرئيس الكيني وليام روتو في العاصمة الكينية نيروبي.
ورفضت الحركتان التوقيع في عام 2020 على اتفاق سلام وقع عليه الجيش مع الحركات المسلحة في مناطق دارفور وولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان في عاصمة دولة جنوب السودان جوبا.
لتعود حركة الحلو وتوقع عام 2021 مع الحكومة السودانية اتفاق “إعلان المبادئ” والذي ينص على فصل الدين عن الدولة، وكفالة حرية المعتقدات وهو ما آثار جدلا حينها ما بين مؤيد ومعارض.
ديانات أفريقية قديمة
وتعد حركة الحلو أكبر جماعة مسلحة في السودان ويسيطر مسلحوها على أجزاء واسعة في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان.
ويقع إقليم جبال النوبة في ولاية جنوب كردفان ضمن مناطق سيطرة الحركة، لكنه يتمتع بخصوصية، تطالب بموجبها الحركة بعلمانية الدولة.
فبعض من سكانه يعتنق ديانات أفريقية وثنية قديمة كالكجور إلى جانب الإسلام والمسيحية وهناك تعايش ديني فيما بينهم.
وتقول سوسن جمعة موسى التي تنحدر من جبال النوبة لبي بي سي إن “علمانية الدولة أساسية للتعايش في السودان وتخشى من أن المساس بها قد يعرض التعايش الديني في الإقليم للخطر.”
وتواصل” التعايش الديني موجود مقارنة بالمناطق الأخرى كدارفور، حيث لا يمكن زواج المسيحية والمسلم والعكس، ولكن يسمح في الإقليم بزواج المسيحيين أو المسلمين مدنيا من أصحاب ديانة الكجور”.
تحريم “مشروب الماريسا”
وقد تعني علمانية الدولة التغيير في أبسط الأشياء مثل بعض العادات التي يمارسها سكان إقليم النوبة والتي شهدت اختلافا في زمن النظام السابق.
إذ يحتسي سكان جبال النوبة مشروب “الماريسا”، المُصنع من الدقيق المخمر كجزء من ثقافتهم الأفريقية.
ولكن الوضع تغير بعد صعود جعفر النميري إلى الحكم عام 1983، عندما أصدر ما يعرف بـ “قوانين سبتمبر”، وأعلن بموجبها تطبيق الشريعة الإسلامية، وحظر تناول الخمور في السودان.
وتقول سوسن جمعة موسى أن سكان الإقليم لا يعتبرون الماريسا خمراً.
وتستنكر تحريم ذلك المشروب أثناء فترة حكم الرئيس السابق عمر البشير في حين لم يُحرم مشروب الشربوت الذي “يتناوله معظم الشعب السوداني أثناء عيد الأضحى على الرغم من أنه مصنع من بلح مُخمر”.
ويقول سودانيون لبي بي سي إن الشربوت هو مشروب شعبي معتدل، يُغلى ويضاف إليه الزنجبيل لمدة يوم كامل، إلا إذا رغب الشخص في تخميره لمدة يومين.
وفي عام 2020 في أعقاب الثورة التي أطاحت بالبشير، سمحت الحكومة الانتقالية حينها، باحتساء الخمور لغير المسلمين.
وفي عام 1983، قاتل الآلاف من سكان الإقليم مع المسلحين الجنوبيين ضد حكومة الخرطوم، في حرب الجنوب التي اندلعت بين القوات الحكومية والحركة الشعبية لتحرير السودان.
وفي عام 1994 أعلنت حكومة البشير الحرب على إقليم النوبة، وأصدر مجلس علماء الأبيض فتوى بـ “وجوب قتال سكان الإقليم بعد تكفيرهم واستباحة أرضهم وسبي نسائهم”.
وتقول ست البنات ميرغني، المحامية والعضوة في حركة تحرير السودان – قطاع الشمال، بقيادة عبد العزيز “إن فكرة إعلان الجهاد على مناطق جبال النوبة أصدرها فقهاء تابعون للسلطة والدولة الدينية التي أعطت حينها “تفويضا إلهيا”، بحسب قولها.
وتوضح ميرغني إن حركة الحلو تصر على علمانية الدولة “لأن السودان كان لديه نظام يستند إلى الدين في السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية ولا يراعي التنوع الإثني والديني… نحن نطرح دستور علماني ينظم التنوع الديني والإثني ويجرم العنصرية”.
وتقول الدكتورة زحل الأمين أستاذة القانون الدستوري والدولي في جامعة النيلين إن” أي دستور في دولة حديثة ينص على حرية العقيدة وحرية الأديان وأن يتمتع الأشخاص بحقهم في اعتناق أي دين”.
وتوضح زحل في حديثها معنا أن دستور 1956 بعد استقلال السودان لم يذكر مصادر التشريع. وتضيف: “الأولوية الآن لوحدة السودان، ولكن يمكن الرجوع للشريعة حسب دين الأشخاص لتنظيم فقط قضايا الأحوال الشخصية”.
أعلن نظام البشير الحرب على أقليم النوبة صراحة بعد صعوده إلى السلطة، وفي عام 1994 أصدر مجلس علماء الأبيض فتوى بوجوب قتال سكان أهل الإقليم بعد تكفيرهم استباحة أرضهم “وسبي نسائهم”.
“والدي قبِل بتغيير اسمي حتى لا أُحرم من التعليم”، وتعرّض بعض من سكان إقليم جبال النوبة إلى ما وصفوه بـ”حملات لتغيير هويتهم الأفريقية”.
فالناشط الحقوقي كودي كوكو( اسم مستعار) ولد في الإقليم وينتمي إلى قبائل التيرا التي تنتمي إلى مجموعة الكواليب اللغوية، إحدى اللغات الفرعونية القديمة في إقليم جبال النوبة.
ونزح كوكو مع أسرته من جبال النوبة عام 1986 أثناء حرب الجنوب إلى إحدى الولايات الواقعة شمال السودان، ليستكمل تعليمه في إحدى مدارسها وكان عمره آنذاك سبع سنوات.
ويتذكر كوكو في حديثه معنا إصرار إدارة المدرسة حينها على إعطائه اسماً عربياً، قائلاً: “تم تغيير اسمي في الصف الأول الابتدائي بدون استشارة والدي وهو قبل بذلك حتى لا أُحرم من التعليم”.
ويواصل: “كانت أسماؤنا أسماء أفريقية، ولكن كان هناك برنامج ممنهج في المدارس بإعادة انتاج الطلاب الأفارقة الذين ينتمون إلى الثقافة الأفريقية وتحويلهم إلى الثقافة العربية الإسلامية”.
ويرى كودي كوكو أن علمانية الدولة ستمنحه قبولاً وسط المجتمعات الأخرى في السودان” باعتبار أن النظام السابق كان يقسم السكان على أساس لون بشرتهم ولغتهم وجغرافيتهم وديانتهم وقبائلهم”، حسبما يقول.
ويقول في حديثه معنا: “أنا انتمي لجبال شعب النوبة، ويطلق علينا شعب لأن الشعب هو الذي يشكل حضارة ونحن لدينا 12 مجموعة لغوية وأنا انتمي للمجموعة اللغوية التي تسمى مجموعة كادوقلي”.
يعتنق توتو الديانة الإسلامية، لكنه يعارض تبني الدولة السودانية ديناً واحداً، لأن هذا “يعني تهميشاً للديانات الأخرى، ومن ثم يجب وقوف الدولة على مسافة واحدة من كل الأديان”، وفق قوله.
ويتذكر سلام توتو في حديثه معنا حينما كان طفلاً وفر من إقليم جبال النوبة بعد اندلاع الحرب فيه وذهب إلى الخرطوم وهناك كان يسأله زملاء الدراسة عن ديانته.
ويواصل: “لقب عائلتي توتو وهو مربوط بأثنية في جبال النوبة. واسمي الأول سلام والثاني حسن والثالث عبد الله و على الرغم من ذلك عندما كنت أدرس في المدرسة والجامعة كان يسألني البعض، عدة مرات، مباشرة هل أنت مسيحي أو يسألونني بشكل مباشر عن ديانتي”.
“سلام مؤقت” أعقبه اشتباكات في الإقليم عام 2011
وشهد إقليم جبال النوبة هدوءاً بعيد توقيع اتفاق نيفاشا للسلام بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان عام 2005، والذي مهد إلى انفصال جنوب السودان عام 2011.
لكن القتال بين الجيش السوداني وقوات الحركة الشعبية -قطاع الشمال تجدد عام 2011 بعيد فوز أحمد هارون العضو في حزب المؤتمر الوطني الحاكم حينها والمطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية، بمنصب حاكم ولاية جنوب كردفان على منافسه آنذاك قائد الحركة عبد العزيز الحلو.
وأفادت حينها وسائل إعلام أن الاشتباكات بدأت عندما حاول الجيش السوداني نزع سلاح المقاتلين هناك. وألقى وقتها مسؤولون سودانيون باللائمة على الحركة في بدء القتال.
ولايزال الإقليم يشهد اشتباكات بين الحركة الشعبية والجيش السوداني من جهة والدعم السريع من جهة أخرى.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.