لماذا الخوف والتضليل من طرح العلمانية
: نضال الطيب حامد
✍🏿: نضال الطيب حامد
يبدوا أن الحديث عن العلمانية أصبح بعبعا مخيفا لما يسمى بالحركة لحركة الشعبية التيار الثورى الديمقراطى بقيادة عرمان وبثينة دينار كلما أتى ذكرها. ولم تجرؤ الأغلبية من الأحزاب السودانية وقياداتها على طرح العلمانية في برنامجها السياسى خوفاً من سخط النخبة الإسلاموية، وقد كان هذا واضحاً فى حديث بثينة دينار عندما تحدثت عن العلمانية، ذكرت بأنهم علمانيون، ولكن الفرق بينهم وبين الحركة الشعبية بقيادة الحلو أنهم يتركون خيار العلمانية للشعب السودانى، ولا يطرحونها كشرط فى حكم الدولة كما يفعل الحلو. والظاهر من حديث بثينة دينار أنهم لا يستطيعون طرح العلمانية لحكم الدولة خوفاً من سخط الشعب، وفى الحقيقة هو الخوف من سخط النخبة الإسلاموية عليهم.
لقد نجح التيار الإسلامى نجاحاً كبيراً فى تصوير العلمانية على أنها مرادفة للإلحاد والكفر والإباحية والإنحلال الأخلاقي، ولأن الناس في غالبيتهم متأثرين بما يسمعونه من أئمة المساجد والجماعات السلفية، بأن العلمانية كفر وإنحلال أخلاقى، وليس لديهم أدنى معرفة وثقافة عامة بشأن المفهوم الصحيح للعلمانية، ولأن الثقافة السائدة هى ثقافة السمع وترديد ما نسمعه من خطب المساجد، ونؤمن به، فقد إستقر فى وعى الجماهير المنساقة خلف ما أشاعه الإسلاميون والسلفيون عن العلمانية بشكل سلبى. لذا لايجرؤ أيدى حزب علمانى، على البوح بأنه يطرح العلمانية فى حكم الدولة السودانية، فهى كلمة مجرمة ومؤثمة. حتى ظهر القائد د. جون قرن ديمبيور، ومن بعده القائد، عبدالعزيز آدم الحلو وطرحا العلمانية لحكم الدولة السودانية بكل شجاعة ودون تردد أو مجاملة لأنها إطار فكرى َوأيديولجى فى مشروع السودان الجديد، وليس فى ذلك تراجع ومجاملة أو إستفزاز لمشاعر الإسلاميين أو غيرهم. في حين أن العلمانية وفقاً لتعريف الفلاسفة هى التفكير فى النسبى من حيث هو نسبى، وليس من حيث هو مطلق، وهذا يعنى حصر الفكر في أمور الدنيا والزمان وما يتجاوزها، ليس لنا أن نحكم فيه. وعلى هذا ليست العلمانية إنكاراً للدين، ولكن فصل مابين ما للسماء وما للأرض. وبما أن السياسة وقيام الأحزاب هى من أمور الدنيا التى تتصرف بعقولنا وتجاربنا فى الحياة، فلا يجب إقحام الدين فيها، لأن هذا خلط للمطلق مع ماهو نسبي. ولأن الدين من شأن البشر فى عبادة الخالق، أى العلاقة بين الإنسان وربه، فليس للدولة دين تعبد به الخالق، ولكن الدولة بوصفها جهاز يدير شؤون الناس عليها أن ترعى وتحترم الدين، وتكفل حرية العقيدة والعبادة. وعلى الأحزاب التي تطرح العلمانية فى برنامجها السياسى أن تعلن صراحة إنها تريد العلمانية ولا تنبطح وتخضع للإبتزاز السياسى من الإسلاميين، كما عليها نشر الثقافة العلمانية بمفهومها الصحيح، وذلك أن العلمانية لا تعنى الكفر والإلحاد والإنحلال الأخلاقى، ولا تعادى الدين والمتدينين، وكما عليها أن تَعمل على الوعى، بأن العلمانية ليست عقيدة ودين، كما أن الأحزاب الدينية ليست دستورية، ولا تخدم مصالح الدولة والمجتمع.
العلمانية لا تميز بين فئة أو أخرى فى الدولة، سواءً كانت ذات عقيدة دينية أو غيرها. العلمانية ( التوافقية) إستفاد منها الدين كتجربة فى أوربا، ولو ظلت الكنيسة مسيطرة على الدولة فى أوربا لما إنتشر الإسلام فيها، وقد جاء إنتشار الإسلام فى أوربا بعدما أصبحت العلمانية نظام حكم للدولة، وأصبحت تعرف بالعلمانية المستفيد منها الدين، لأنها تقر بحرية التدين والمعتقد، وجعلت سلطة الدين على البشر من الناحية الروحية، كما أقرت بأن سلطة الدولة فى تنظيم حياة الفرد والمجتمع بتصريف شؤونه السياسية والإقتصادية أمر يخص الدولة. إذاً ليس هناك مبرر بالخوف أو المجاملة من طرح العلمانية للشعب بقوة فى البرنامج السياسى للأحزاب التى لديها القناعة بالعلمانية