كل الشوارع سد حاول تقرب جاي تلقانا كالهبباي في لحظة تلقى الرد
د. أحمد عثمان
الثلاثون من سبتمبر ٢٠٢١م بالمواكبة لذكرى شهداء هبة ٢٠١٣م المجيدة، قالها شعبنا العظيم مجدداً، لا ردة لدولة الاستبداد العسكرية مهما كانت التضحيات، بل مدنية محروسة بدماء الشهداء. خرجت المسيرات في مدينة الخرطوم كعادتها و توحدت هادرة، و ظاهرتها مسيرات المدن ، و عززتها قطارات الثورة من مدني و عطبرة ، رغم المحاولات اليائسة لإعاقة وصول قطار عطبرة ” جينا من مدني دايرين حكم مدني” . تمكنت الجماهير من الرد المباشر و القوي على محاولات الانقلاب بشقيها ، المعلن منها عبر المحاولة الأخيرة التي لم تكشف تفاصيلها بعد بالشكل المطلوب، و المستمرة منذ انقلاب القصر الذي قادته اللجنة الأمنية للإنقاذ المتحولة لمكون عسكري معاد لثورة ديسمبر المجيدة و معيقا لخطواتها و مانعا لها من تحقيق أهدافها. جاء رد الشارع قويا على الانقلاب العسكري السافر الذي كرسه خطاب برهان و حميدتي عقب المحاولة الانقلابية الاخيرة، و الذي أعلن الوصاية على الشعب و الثورة، و تخلى حتى عن حلفائه في شراكة الدم التابعين لإرادة المكون العسكري، و المشاركين في تكريس هيمنته عبر الوثيقة الدستورية المعيبة، و كذلك عبر خرقها المستمر.
حددت الجماهير هدفها و أعلنت بأن إرادتها فوق الجميع، و أنها مازالت قادرة على صنع الحدث و تصحيح موازين القوى لمصلحة الثورة و في سبيل التحول الديمقراطي. توحدت بصدق حول شعار المدنية، و رفضت رفضا واضحا الدولة العسكرية في شعاراتها دون لبس أو تردد. و نادت بشعارات ثورة ديسمبر المجيدة، و طالبت بإصلاح الأجهزة الأمنية و العسكرية ، و أعلنت رفضها التام لأي تغول من قبل المكون العسكري، و خاطبته خطاب صاحب الإرادة العليا ، الذي يخرج سيدا من شوارع لا تخون.
كثافة المشاركة و وحدة الجماهير حول شعار المدنية و رفعها لسقوف التحدي، أكد أن الثورة جذوتها ما تزال متقدة، و أوضح للمكون العسكري – و ليته يعلم- أن إرادة الجماهير فوق إرادته و انها قادرة على هزيمته. فقياسه لقوة الشارع بقوة المكون المدني و حكومة شبه المدنية التابعة له، قياس خاطئ يستبطن فهما غير صحيح، يجعل من الجماهير رهينة لهذه الشراكة أيضاً، و توهما بأن ضعف شركاء العسكريين في شراكة الدم، ينسحب على حركة الجماهير، و تجاهلا لحقيقة أن الجماهير صانعة الثورة سابقة للشراكة و فعلها الثوري سابق لها، و أنها تبقى حكما على شراكة عجزت عن تحقيق أهداف ثورتها، و انها قادرة على هزيمة هذه الشراكة و إسقاطها إن ارادت، طالما تمسكت بوحدتها القاعدية و اهداف ثورتها العظيمة.
فاللجنة الأمنية للإنقاذ ظنت و بعض الظن اثم، أنها بعد انقلاب القصر قد احتوت الثورة بالوثيقة الدستورية المعيبة، و انها بدأت تصفية الثورة بخرق هذه الوثيقة بمشاركة التيار التسووي في (قحت)، و انها فككت الشارع و ضربت وحدة حركة الجماهير، و أن الأوان قد آن لها للتخلص من التيار التسووي الذي استخدمته، عبر الكشف عن وجه انقلاب قصرها الكالح بفرض شروطه كاملة على التيار التسووي المذعن، و إعادة هيكلته بإدخال مناصريها فيه، و تحويله لواجهة أكثر خضوعا لها، تنجز انتخابات مبكرة موجهة، تعيد إنتاج سلطة راس المال الطفيلي و تحمي مكتسبات التمكين الممنوع تفكيكها، و خصوصا تمكين المؤسسة العسكرية بشقيها من قوات مسلحة و دعم سريع وفقا للوثيقة الدستورية المعيبة و الأجهزة الأمنية، و شركاتهما المسيطرة على ٨٢٪ من اقتصاد البلاد، و الخارجة عن سلطة الثورة و الدولة.
هذه القراءة قصيرة النظر، أسقطت الشعب و حركة الجماهير المستقلة عن التيار التسووي في قراراتها و صانعة الثورة بإرادتها من الحساب. و الحراك المظفر في الثلاثين من سبتمبر ٢٠٢١م، ضرب هذه القراءة القاصرة في مقتل، و ارسل رسائل واضحة تؤكد أن الجماهير مازالت قادرة و فاعلة و مصممة على تحقيق أهدافها ثورتها.
و الخشية هي أن يتوهم التيار التسووي أن هذه الجماهير قد خرجت تأييداً له، فهي برغم انقسامها الناشئ عن الفرز الذي حدث نتيجة لإصرار هذا التيار على شراكة الدم، توحدت حول شعار المدنية و رفض اللجنة الأمنية الشريكة و الهجوم المباشر على رموزها، و احتفظت بشعاراتها الخاصة بها في المسيرة مثل احتفاظ تجمع جبال النوبة بشعار علمانية الدولة و وجوب إعادة هيكلة القوات المسلحة. فمحاولة تجيير هذا الحراك لمصلحة التيار التسووي لتحسين وضعه داخل شراكة الدم و حبس الحراك تحت هذا السقف المنخفض، سيعيد هذا التيار لموقعه التابع في الشراكة سريعا و لن يغير من واقعه كثيرا ، و سيؤدي حتما لخروج الجماهير مجدداً لكنسه مع لجنة الإنقاذ الأمنية، و بناء سلطة انتقال حقيقية. و بكل أسف بيان مجلس الوزراء الذي نادى بتمتين الشراكة، يسير في اتجاه تجيير الحراك لتحسين وضع التيار التسووي في شراكة الدم، بدلا من رفع السقوف و المطالبة بتعديل الوثيقة الدستورية على أقل تقدير إن لم يكن الغائها.
يلاحظ أن الحراك الأخير قد تم تنظيمه من قبل لجان المقاومة و دعمه من تجمع المهنيين غير المختطف، لذلك جاء قاعديا في تنظيمه، جذريا و ثوريا في شعاراته، واثقا من قدرته على صنع التغيير. و هو يعكس حساسية ثورية عالية، في مواجهة تحرك القوى المعادية للثورة، التي صعدت من نشاطها المعادي مؤخراً. فهي مهدت لكشف نوايا لجنتها الأمنية بخطابات برهان و حميدتي، بنشاط فضح تكتيكها الرامي لاستغلال مؤسسات المجتمع الأهلي التقليدية لاحداث بلبلة و عدم استقرار، كإستخدام عضو المؤتمر الوطني المحلول الناظر “ترك” لقبيلته، مستغلا مطالب شرق السودان العادلة لقطع الطرق و تخريب السكك الحديدية، و استخدام اسم قبيلة الجعليين لتخريب خطوط السكة الحديد لمنع قطار عطبرة من الوصول للمشاركة في فعالية الامس، بالمواكبة مع إغلاق الطريق الدولي البري في الشمالية. كذلك تحريض البعض للاشتباك مع الشرطة لتبرير فض المسيرات بالقوة، مثلما حدث أمس، و استخدام القوات النظامية بأشكال متعددة في لقمع المواطنين و استخدام العنف في مواجهتهم، مع محاولة لاستعادة سيطرة الأجهزة الأمنية و توسيع سلطاتها، مثلما حدث في حادثة الخلية الإرهابية التي داهمها جهاز المخابرات بالمخالفة لوظيفته التي قصرتها الوثيقة الدستورية المعيبة نفسها في جمع و تحليل المعلومات، و انتهت بكارثة، سوف يتم استغلالها للمطالبة بإعادة السلطات المسحوبة من جهاز المخابرات و إعادة قوته الضاربة حتى يستطيع مواجهة الإرهاب، مع إرسال رسالة مزدوجة للخارج و الداخل، بأن اللجنة الأمنية هي الفرصة الوحيدة لحماية المواطنين و منع البلاد من التحول لبؤرة مصدرة للإرهاب.
القرار الآن بيد الشعب، و هو قرر أن دولته مدنية، و أنه مصمم على الانتقال و التحول نحو الديمقراطية، و أنه مدرك أن تحركه القاعدي هو الضمانة الوحيدة لتحقيق هذا الهدف، في مواجهة مباشرة و مؤجلة مع اللجنة الأمنية للإنقاذ و من يدعمها. بقي فقط أن يتوحد في اتجاه فض شراكة الدم مع هذه اللجنة الأمنية و العمل على اسقاطها، و إقامة سلطة انتقالية كاملة بوثيقة دستورية جديدة. فالمواجهة الحتمية المؤجلة مع انقلاب القصر الذي نفذته اللجنة الأمنية، بدأت بإنتصار حركة الجماهير بالنقاط في هذه الجولة، و سوف تنتهي حتما بالضربة القاضية التي يكرس بها شعبنا انتصار ثورته.
و لجماهير شعبنا العظيم نقول، متنوا وحدتكم القاعدية ضد اللجنة الأمنية و ضد شراكة الدم معها، و اعملوا من أجل مدنية كاملة و انتقال و تحول ديمقراطي صريح.
و قوموا إلى ثورتكم فنصركم المؤكد يلوح في الأفق