كلاكيت للمرة الثانية

فاروق عثمان

كلاكيت للمرة الثانية
نشر في ديسمبر ٢٠١٩

الايدلوجيا الإسلاموية والنازوفاشية

لا يمكن أن يتم اي تصالح او تعامل ثقة مع أي كيان متبني لمنهج الاسلام السياسي او الايدلوجيا الاسلاموية، لأنه منهج شبيه في بنيته وتكوينه الإقصائي والعنصري بالمنهج النازي، و الفاشستي.
ما بين الفاشية والنازية والاسلاموية السياسية .. تماثل الايدلوجي وتطابق البراديام.

يذكر التأريخ، أن أسوأ برادايم علي مستوي الفكرة التصورية، والنموذج الإدراكي، وما نجم عنه و طبق كأيدلوجيا إقصائية وقمعية علي أرض الواقع، هما النموذجان النازي والفاشستي.
فهاذان النموذجان لا يختلفان علي مستوي نتائج الفكر الأيدلوجي والاقصائي، والتصور الذاتي المتعالي للذات، والإحتقاري للاخر المختلف، لا يختلفان عن الأيدلوجية الإسلاموية السياسية أو الجهادية.
فجميعها قوميات نشأت علي فكرة الأفضلية، والعلو، والانتقاء والإصطفاء والصواب المطلق، ومثل هكذا أفكار بالضرورة الأولية، تقوم بنفي وإحتقار وأمتهان الآخرين المختلفين عن حيز براديمها، وتنزلاته الأيدلوجيا فكرا وبرامج، مما يخلق موانع هيكلية(structural barriers) للآخرين من الوصول للسلطة أو ممارستها أو التمتع بحقوق مواطنتهم الاساسية، أو من العيش وفق الكرامة الإنسانية في حدها الأدنى ، وربما شكلت هذه الموانع معضلة وجود و بقاء، وهذا عين ما حدث للمختلفين عن هاتين الأيدلوجيتين وما نتج من قتل ومحارق وجرائم، إهتز لها الضمير الإنساني العالمي وأوجبت إجراءات صارمة وقوية سوا عسكرية قانونية أو تنفيذية أو تشريعية تجاه هاتين الأيدلوجيتين، لتحجيمهما وعزلهما حتي لا يمتد ضررهما ويزيد وتصبحا نموذجا للاقتداء والتقليد ونجح العالم وفق قوانين الوضعية الإنسانية في القضاء علي النازية و الفاشية.

في حقل كليتنا هنا أي في السودان، قامت مجموعة بالاستيلاء علي السلطة بالقوة العسكرية ووضع برادايم، أي تصور ذهني ومن ثم أيدلوجيا لنشوء قومية أو أمة وفق تصور امتلاك الحقيقة المطلقة ، من خلال سياسات وبرامج وتشريعات محددة، وفق تصورات معينة، والخطورة هنا، أي اختلافها عن الفاشية والنازية، اللتان إعتدمتا علي رؤي أرضية اي تنظير بشري في مشروعيهما، أن ايدلوجية الاسلام السياسي بمختلف مستوياتها ومسمياتها حاولت حراسة والتبرير لقيام هذه القومية من خلال إستدعاء الماورائي اي الإلهي والمقدس الذي لا يأتينه الباطل اي الارتكاز علي السماء، وهنا مكمن الخطر والضرر، وقمة التطرف والإرهاب والكارثية ، والنفي للآخرين ،بمعني أنها تصور وتبرر أن ما تفعله وتقوم به وتنفذه هو بمباركة الله وأمره وتنفيذا لشريعته.
وبمقارنات بسيطة نجد أن فعل الأيدلوجيا الإسلاموية ، وما قامت به علي مدي ثلاثين عاما، كان أسوأ وأنكأ مما قامت به وفعلته النازية الهتلرية والفاشية الموسولينية، فقد حاولت من خلال ترهاتها المسماة المشروع الحضاري والبعث الاسلامي وصياغة وصيانة المجتمع ، إعادة صياغته وأخراجه من عمق و حيز هوياته الثقافية المتعددة والمتباينة والممتدة بامتداد الحضارة البشرية، ومن ثم إجباره علي الدخول في ثوبها الايدلوجي الضيق، بالقوة المادية الباطشة، طيرانا وقصفا ومحارق واعتقالا وفصلا و قتلا وتعذبب، او من خلال الرمزية الناعمة باعادة صياغة التعليم والاعلام والتمكين السياسي بغية فرض هذا الواقع المشوه، وهو عين ما فعلته النازية والفاشية، وكذلك حاولت تصدير هذه الأفكار الي المحيط الإقليمي بتصدير فكرها الي الجوار بالتدخل في شأنه ، بل وصلت بها الأحلام إلى نشره عالميا وهو عين ما حاولت فعلته الايدلوجيتين المقبورتين.
اما علي مستوي شعبها فان ما فعلته الايدلوجية الإسلاموية فاق فعل النازية والفاشية، فمارست قمعا وقتلا وابادة علي الآخرين المختلفين دينيا وعرقيا وثقافيا ونوعيا. ففاق عدد الضحايا الملايين من قتلي ومشردين ونازحين في جنوب السودان ودارفور وجبال النوبة ، فأنفصل جنوب السودان كحتمية منطقية، وشهدت دارفور كارثة هذا القرن من إبادات وتنزيح واغتصاب، وعاش إنسان جنوب كردفان والفونج، أوضاعا إنسانية غاية في السوء والتعقيد والمأساوية، وكما كان هناك هولوكست للنازية فإن ما حدث في دارفور تجاه إنسانها يفوق الهلوكست كما ونوعا، وهو ما أوجب تدخل عالمي، من خلال قرارات مجلس الأمن ، والمحكمة الدولية، وجعل رموز هذه الايدلوجية، مطاريد ومنبوذين، ومطلوبين للعدالة الدولية.
بل أن ما قامت به الايدلوجية الإسلاموية ، من إضهاد وقمع وتعذيب وفصل وتشريد حتي داخل حاضنتها الأجتماعية، المفترض أنها حجر زاوية ايدلوجيتها المتبناة، لم تقم به لا النازية ولا الفاشية كما ونوع.
هذا قليل من كثير جدا مما فعلته وقامت به النازوفاشية الإسلاموية تجاه انسان وشعوب السودان، وقد دمجنا الأيدلوجيتين فيها، لأن ما قامت به هذه الايدلوجية الإسلاموية هو المعادل الفعلي والموضوعي والآني للنازية والفاشية مجتمعتين.
لذا من يتحدثون عن عدم عزل هذا التنظيم وفكره أيا كان مسماه، وحظره وتحجيمه، ويتغاضون عما فعله وقام به من إحن ومحن وكوارث ومعضلات وقتل وتعذيب وفصل واخفاء قسري، وما يمكن أن يكرره تارة أخرى بصورة أشد وأفظع اذا ما قدر له العودة للحكم او سمح له بالنشاط لانه لا يؤمن مبدا ومعتقد بمفهوم الوطن وحق الشعوب، فهولاء المنادون بعدم عزلهم إما متواطئون أيدلوجيا معه أو لا يقرؤون دفاتر التأريخ. وإما يخشون المواجهة والصدام مع قوي الظلام، والتي ما نشطت في واقع إلا وأحالته إلى خراب ودمار، أو لا يعون لماذا فعلت داعش والقاعدة ما فعلت، لأنه و ببساطة لا يوجد متبني للأيدلوجيا الإسلاموية المرتكزة علي جهاد الطلب وفقه السبي، والبراء والولاء، يكون مؤمنا بالديمقراطية، و بالتعايش والمحبة والسلام وقيم الحرية الفردية والمجتمعية، لأنها في تضاد بنيوي وجذري مع ما يعتقد أو يدعو أو يرتكز .

فاروق عثمان
1 ديسمبر 2019

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.