قوانين الجنايات في السودان
عبد الباسط الحاج
مفهوم القانون هو تنظيم العلاقة بين الأفراد داخل المجتمع بما يحمله من صفة إلزامية مفروضة علي الناس ،طبيعة القوانين الجنائية هي أنها تهتم بالتجاوزات الجنائية التي تنال من النفس او المال او الأذي المعنوي و الضرر غير الملموس علي الأشخاص، هذه التجاوزات يجب أن تواجه بعقوبات تتناسب و طبيعة التعدي بواقعية الفلسفة الجنائية الحديثة حيث مع تطور الجريمة تباعاً تطورت المجتمعات مع تصوراتهم للجريمة و التعدي الجنائي بحسب حجم الانفتاح و الإلتزام بمعايير المجتمع المتمدن و المتحضر ، فما كان يعتبر جُرم في القرن الماضي و تجاوز في نظر إنسان القرن الماضي لا يعتبر كذلك في القرن الحالي.
قوانين الجنايات في السودان طرأ عليها تغيرات بحسب طبيعة الأنظمة السياسية التي حكمت البلاد في نموذج الدولة المهدية مثلاً فإن طبيعة الجزاءات الجنائية كانت بحسب مرجعية المهدية الإسلامية حيث إستقي المهدي العقوبات من التراث الإسلامي التي إنحصرت في (القتل قصاصاً و حداً و القطع و الحلد) فمثلا كانت تنفذ عقوبة الجلد في كل من يدخن السيجاره او يتناول التمباك فضلاً عن عقوبة الجلد المنصوصة حداً ، و رغم كل ذلك لم تهدف العقوبة إلي تحقيق الغاية الأساسية منها و هي إنتاج شخص سوي غير مستعد لتكرار الجريمة مرة أخري.
بعد دخول المستعمر الانجليزي شرع قانون 1899 الذي دخل حيز التنفيذ في العام 1925 حيث صمم هذا القانون علي ان يجعل المستعمر اكثر قدرة علي إخضاع المواطنين و تخويفهم بطريقة تخدم مصالح المستعمر ضمن تلك العقوبات الجلد و القتل بأسلوب قاسي يهدف إلي تخويف البقية و ردعهم .
فلسفة التشريعات الجنائية الوطنية قامت بحسب الخلفيات الفكرية و السياسية للأنظمة الوطنية ، فالنميري وضع قانون العقوبات لسنة 1974 بحسب ميوله الفكري الاشتراكي في ذلك الوقت ولم يغير كثيراً من الطبيعة و التدابير الجنائية التي وضعها المستعمر الإنجليزي و قد أستمر إلي ان حدث التحول الكبير في قوانين سبتمبر 1983 الذي أختزل فيه النميري بشكل تعسفي الشريعة الإسلامية في القطع و الجلد في ظاهرة كانت أقرب وصف لها هي هوساً جنونياً.
التشريعات الجنائية الوطنية إلي الآن تعتبر متخلفه قياساً علي طبيعة الفلسفة الجنائية و قياساً علي تطور الفكر و الثقافة العامة للإنسان إذ أنه من المؤسف ان تقوم الفلسفة التشريعية الوطنية علي تنظير مرهون لألف و اربعمائة عام سابقة ، هذا الوضع المختل يقوض من فكرة الدولة الحديثة القائمة علي مراعاة قيم و مبادئ حقوق الإنسان الأساسية في عصر الحركة العالمية لحقوق الإنسان و رفض كافة أنواع الانتهاكات و التي تقع بإسم القانوانين المشوهة و منهاضة كافة النصوص و التدابير الجنائية التي تجسد صلف و قساوة و تخلف الهندسة التشريعية في السودان و يجب إلغاء كافة هذه القوانين و إزالة النصوص لتتوافق مع إلتزامات السودان العالمية تجاه حقوق الإنسان عبر الإنضمام و الإلتزام بكافة الاتفاقات و العهود الدولية .