قضية المفقودين جٌرح غائر في جسم الثورة السودانية!

عبد العزيز التوم /المحامي

 

إن حالات الاختفاء القسري التي مُورست في حق المئات من بنات وأبناء الوطن في أعقاب  فجيعة مجزرة القيادة بالخرطوم لهي الأشد وقعاً وألماً لأسر المفقودين وأحبابهم ومعارفهم من جرائم القتل والتنكيل والتعذيب والاغتصابات والتحرش الجنسي ،لان ذوي ضحايا المفقودين والمختفين قسريا لا يعرفون مصير أبناءهم وبناتهم ،مما جعلهم يعيشون شعورا مزدوجا بالذعر والخوف تارة علي ما حال إليهم حالهم طيلة فترة اختفائهم ،وطورا أخري تنتابهم شعور بالأمل في إيجادهم علي قيد الحياة ، هذه المشاعر الإنسانية التي تخرج من القلوب المجروحة لا تتوقف لحظة بل تتجدد من تلقاء نفسها في كل حين ،وفي هذا تعُج ذاكرتي بصور ومواقف وبطولات لصديقنا “محمد احمد” ،خريج الفلسفة في جامعة النيلين ،الذي اختفي قسريا من ضمن  لوحة الشرف الذين رصفوا بمواقفهم البطولية طريق الثورة السودانية ، ولكن مما يؤرق الضمير الإنساني حقا ،أن الثورة بدأت تأكل بنيها ،ولم تقدم لهؤلاء العظماء ما يستحقونه من التبجيل والتقدير والجهد الجبار من اجل إنهاء  جريمة الاختفاء القسري في حقهم .

أن من اجل وأسمي الحقوق المكفولة للإنسان، أن يجد الحماية اللازمة من الاختفاء القسري، لان تلك الحرية جزء أصيل من حقوقه كانسان، ويعتبر القانون الجنائي الدولي، الاختفاء القسري ،جريمة ضد الإنسانية في حالة ارتكابها بصورة ممنهجة وعلي نطاق واسع ،ويعد الشخص الذي يتعرض للاعتقال دون إخطار محاميه وذويه ويمنع من الاتصال بالعالم الخارجي قد تعرض للاختفاء القسري ،بالإضافة  للاعتقال التعسفي ،ووفقا  للاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري التي اعتمدتها الأمم المتحدة ،فان علي الدول اتخاذ كافة التدابير والتشريعات والتحركات والفعالة لأي حالة تصل الي علمها متعلق بالاختفاء القسري أو الاعتقال التحفظي ،التي يتم علي أيدي موظفي الدولة أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بأذن أو بدعم من الدولة. ونصت المادة الثانية فيها؛ بانه لا يجوز التذرع باي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو التهديد باندلاع حرب، أو بعدم الاستقرار السياسي الداخلي، أو باي حالة استثناء أخري لتبرير الاختفاء القسري.

ومن خلال الوقائع الثابتة في مجزرة القيادة والتي في الأساس قصدت منها قتل أحلام وتطلعات الشباب الثائر من اجل الحرية والسلام ،بل وأد اجمل أحلام جميع السودانيين في استرداد كرامتهم المسلوبة طوال فترات القهر والاستبداد ،تُحمل المجلس العسكري كامل المسئولية في مجزرة القيادة وما عقبتها من جرائم الاختفاء القسري ،لأنها هي كانت السلطة القائمة وقت ارتكاب هذه الجرائم ،ولم تتحرك أيضا الشرطة الجنائية والنيابة سواء في حماية المدنيين أو استقبال البلاغات أو انتشال الجثث وجمع الأدلة الجنائية المتمثلة علي سبيل المثال في رفع البصمات واخذ العينات الوراثية ،وتشريح الجثث المٌنتشل من النيل ..الخ ،وليس محل نزاع حول مسئولية المجلس العسكري في  فض الاعتصام وجرائم الاختفاء القسري وفق مستويات المسئولية في القانون الدولي ،أو ما يعرف في القانون الدولي الإنساني بتتبع المسئولية علي تسلسل القيادة ،هذه هي الوسيلة المتبعة في الأثبات في القانون الدولي الإنساني والتي يجب أن تتبع في التعرف علي كل القوات التي شاركت في المذبحة وجرائم الاختفاء القسري تخطيطا وتصميما وتنفيذا ، ومسئولية أعضاء المجلس العسكري الفردية المتمثلة في القيادة وفي اعترافهم وسلوكهم اللاحق بعدم إيقاف المذبحة وإنهاء حالات الاختفاء القسري أو محاسبة المجرمين، وهنا تتجلي بشكل صارخ مسئولية المجلس العسكري وفق المسئولية الشخصية والمسئولية بحكم المنصب.

قد أصابني حيرة بالغة وانا اقرأ خبر مفاده رفض مسؤول في المجلس العسكري بعدم المثول أمام لجنة التحقيق، وقلت في نفسي، ماذا فعلت لجنة تحقيق في مجزرة القيادة إذا لم تتحقق مع أعضاء مجلس العسكري بحكم المسئولية والقيادات العسكرية وبعض القوات التي شاركت في فض الاعتصام؟! أليست التحقيق معهم لوحدها فقط كافية لتحديد المسئولية الجنائية حول من ارتكب جريمة مذبحة القيادة وكافة الانتهاكات الأخرى المتمثلة في أماكن إخفاء جثث الضحايا أو الاحتجاز القسري!  من هو الشخص أو الجهة التي أصدرت الأمر بتنظيف منطقة كولمبيا؟ وكم عدد القوات والتسليح والجهة التي كانت لها سلطة والسيطرة على هذه القوات في الميدان؟ ما هي كافة الجهات الرسمية ذات صلة والقادة الذين اؤكل إليهم أمر التنفيذ؟!

يا تري ماذا تنتظر “لجنة نبيل أديب” كل هذه الفترة؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.