
قراءة في مقال الدكتور/حافظ الزين (نظرية العلمانية وفرضياتها) على ضؤ ميثاق السودان التأسيسي والدستور الإنتقالي
✍️🏽متوكل عثمان سلامات
في رسالة إلكترونية نبهني الرفيق العزيز/ عبده إسحاق آدم المستشار القانوني بإدارة العدل – السلطة المدنية للسودان الجديد على مقال منشور في الوسائط الإلكترونية للدكتور/ حافظ الزين رئيس دائرة الثقافة والفكر بالمجلس الإستشاري للقائد العام لقوات الدعم السريع، بعنوان (نظرية العلمانية وفرضياتها من وجهة نظر المجلس الإستشاري للقائد العام لقوات الدعم السريع)، كما نبهني على خطورة هذا الموقف من شخص بهذه الصفة الرسمية، وبإطلاعي على المقال وجدت أن ما قدمه د. حافظ الزين في هذا المقال المنسوب محتواه للمجلس الإستشاري للقائد العام لقوات الدعم السريع، عبارة عن رؤيةً مثيرةً للجدل حول العلمانية وعلاقتها بالدولة.
ولكن السؤال الذي يتبادر إلى ذهن كل من أطلع على المقال، هل ما نقله د/ حافظ الزين بقلمه يعبر عن الرأي الرسمي لمؤسسة الدعم السريع والقائد العام لقوات الدعم السريع؟، أم يعبر عن رأيه الفردي؟ لتفكيك ما إذا كان المقال يشكل رأي فردي أم تمثيل مؤسسي، ينبغي أن نعود للصياغة التي استخدمها د. حافظ الزين في مقاله. حين يكتب شخص بصفته “مستشاراً للقائد العام لقوات الدعم السريع”، فهو لا يكتب كمجرد مثقف أو باحث مستقل، بل يحمّل رأيه عبئًا تمثيلياً، سواء كان ذلك صريحاً أم ضمنياً، خصوصاً إذا أضاف عبارة مثل (إن إجابة المجلس الإستشاري للقائد العام لقوات الدعم السريع كانت ومازالت وستبقى على الأسئلة التي تم طرحها بأعلاه على النحو التالي: …)، فهذا يرتقي بالرأي من كونه فردياً إلى كونه موقفاً شبه رسمي أو رسمياً فعلياً ما لم يصدر نفي صريح من الجهة المعنية.
سنحاول برؤية علمية ونقدية أن نحلل ما نقله قلم الدكتور/ حافظ الزين في ذلك المقال بالتركيز على الفهم العلمي للدولة العلمانية التي نصت عليها المبادئ العامة من ميثاق السودان التأسيسي في الفقرة (3)، (تأسيس وبناء دولة علمانية ديمقراطية لا مركزية، قائمة على الحرية والمساواة والعدالة، غير منحازة لأي هوية ثقافية أو عرقية أو دينية أو جهوية، وتعترف بالتنوع وتعبِّر عن جميع مكوناتها على قدم المساواة.) والمادة (4) من الدستور الإنتقالي لجمهورية السودان لسنة 2025م – طبيعة الدولة -–(السودان دولة علمانية ديمقراطية لامركزية ذات هوية سودانوية، تقوم على:
– فصل الدين عن الدولة،
– فصل الهويات الثقافية والعرقية والجهوية عن الدولة،
– المواطنة المتساوية كأساس للحقوق والواجبات.)،
كما نصت المادة (7) بفقراتها 2،3،4 على المبادئ فوق الدستورية التي تعتبر العلمانية أحد تلك المبادئ، كما في النص الآتي:
(2) المبادئ فوق الدستورية هي مجموعة المبادئ والقواعد والقيم الاساسية الدائمة والملزمة والمحصنة، التي يمنع الغاؤها أو تعديلها أو مخالفتها بأي إجراء أياً كان، وتشمل العلمانية والديمقراطية التعددية، والاعتراف بالتنوع والتعدد وحسن إداراتهما، وإقرار اللامركزية، واحترام حقوق الإنسان والمواثيق الدولية، وتجريم أي فعل دكتاتوري أو انقلابي، و حق المقاومة الشعبية، والوحدة الطوعية.
(3) تكون المبادئ فوق الدستورية جزءاً ثابتاً في هذا الدستور وأي دستور مستقبلي للسودان.
(4) في حالة عدم الإقرار بـ أو النص على العلمانية التي تفصل الدين عن الدولة، في الدستور الإنتقالي والدستور الدائم، او إنتهاك أي مبدأ آخر من المبادئ فوق الدستورية، يحق لجميع الشعوب السودانية ممارسة حق تقرير المصير.). – إنتهى الإقتباس من الميثاق والدستور.
أبرز ما جاء في المقال الدكتور/ حافظ الزين:
1. رفض التوظيف السياسي للدين: النقد الواضح لاستخدام الدين كأداة للوصول إلى السلطة والثروة وقمع المعارضة (الفرضيات 1، 4، 5) يتوافق مع جوهر الفكر العلماني الكلاسيكي الذي يحذر من مخاطر خلط السلطتين الدينية والسياسية.
2. التأكيد على الأخلاق والقيم: الربط بين الأخلاق واستقرار الدولة (الفرضية 3) واعتبارها أساسًا مشتركًا بين الأديان والعلمانية (الفرضية 6) يلامس حقيقة أن القيم الإنسانية الأساسية (العدل، الحرية، المساواة) هي أساس أي نظام سياسي ناجح، بغض النظر عن مصدرها.
3. التمييز بين “الدولة” و”نظام الحكم”: الإصرار على أن العلمانية هي “نظام حكم” وليست صفة للدولة أو شكلاً لها (النقطة 3).
4. الاعتراف بالتنوع وحق الأقاليم (في السياق السوداني): منح إقليمي جبال النوبة والفونج (تحت قيادة الحركة الشعبية) الحق في اختيار نظام الحكم العلماني الليبرالي (النقطة 6) هو اعتراف عملي بالخصوصية الثقافية والدينية والتاريخية لهذه المناطق.
بالقرأءة الفاحصة والتشخيص الدقيق للمقال تجد أن الدكتور/ حافظ الزين وهو ينقل إجابات المجلس الإستشاري للقائد العام لقوات الدعم السريع على الأسئلة الخاصة بالعلمانية من حيث تعريفها وهل هي دين أم فلسفة أم دولة أم نظام حكم؟ وهل تعمل العلمانية على معاداة الأديان السماوية وغير السماوية وتنادي بفصلها عن الحياة والمجتمع والسياسة والدولة؟، تلاحظ أن هناك إشكاليات منهجية وتناقضات جوهرية وقع فيها الدكتور/ حافظ الزين و المجلس الإستشاري للقائد العام لقوات الدعم السريع وتمثلت في الآتي:
أولاً: إعادة تعريف العلمانية بشكل انتقائي ومتناقض:
1. التناقض الأساسي: يدعي الكاتب أن العلمانية “لا تعني فصل الدين عن الدولة” (النقطة 4) و”لا تعمل على معاداة الأديان ولا المناداة بفصلها” (النقطة 4). هذا الإدعاء يتعارض بشكل جذري مع التعريف العلمي والأكاديمي الوارد في القواميس اللغوية المقبولة عالمياً للعلمانية، وهو (فصل الدين عن الدولة) وضمان حياد الدولة تجاه المعتقدات.
2. الخلط بين “القيم” و”المؤسسات”: محاولة الفصل بين “القيم الأخلاقية المشتركة” (التي يزعم أنها مصدرها الدين) و”فصل الدين عن مؤسسات الدولة” هي محاولة غير مقنعة. جوهر العلمانية هو منع الدين (أي دين) من أن يكون مصدراً تشريعياً ملزماً للدولة أو أن تتحكم المؤسسات الدينية في مؤسسات الدولة، وليس رفض القيم المشتركة.
3. العلمانية الثقافية”: المصطلح الذي يطرحه (النقطة 5) غامض وغير معياري إطلاقاً، ويبدو أنه محاولة من الدكتور/ حافظ والمجلس الإستشاري لاستعارة شرعية مصطلح “العلمانية” مع تفريغه من مضمونه الأساسي (الفصل) ليتوافق مع رؤية تريد الاحتفاظ بدور رسمي للإسلام في الدولة (كما يتضح من النقطة 4 حول استحالة الفصل في السودان).
ثانياً: المنظور الأحادي للإسلام والديمقراطية:
1. تجاهل التعددية الدينية والفكرية: التركيز على أن 97% من السودانيين مسلمون (النقطة 4) كمبرر لاستحالة فصل الدين عن الدولة يتجاهل تماماً حقوق وحريات الـ 3% غير المسلمين، وكذلك حقوق المسلمين غير المتدينين أو ذوي التفسيرات المختلفة للإسلام. وفي تقديرنا هذه إحصاءات غير دقيقة وربما أستخدمت لأغراض التبرير، لأن أحدث دراسة قدمتها الأستاذة/ عزة مصطفى أحمد في سنة 2014م أي بعد إنفصال جنوب السودان، تشير وتقدَّر في ورقتها نسبة المسيحيين في السودان بعد إنفصال الجنوب بنحو 5%، بينما تصل نسبة أصحاب الديانات والمعتقدات الإفريقية الأصيلة إلى 25% ، ومنذ ، إستمرت وتوالت الأحداث التى تُكرِّس الإنتهاكات والتمييز على أساس الدين خاصة الديانات الإفريقية الأصيلة والدين المسيحى واللادينيين. لذا فإن العلمانية تضمن حقوق جميع المواطنين السودانين بالتساوي في ظل التنوع الديني والعرقي والثقافي والفكري .
2. تحويل الإسلام إلى قانون دولة: إدعاء أن “الثابت” في الإسلام (العقائد، العبادات، الحدود) يمثل “حقاً” لمعظم الشعب وبالتالي لا يمكن فصله عن الدولة (النقطة 4 – أ، ب) ، هو بالضبط ما تحاربه وترفضه العلمانية، وهو أن يتم تحويل المعتقد الديني لقانون ملزم لجميع المواطنين بمن فيهم غير المعتقدين به، خاصة في ظل دولة متنوعة ومتعددة دينياً وثقافياً كالسودان. هذا يتناقض مع مفهوم المواطنة المتساوية.
3. مغالطة “الديمقراطية المطلقة”: القول بأن “معيار الأغلبية المطلقة” (97%) يمنع فصل الدين عن الدولة (النقطة 4 – أ) هو سوء فهم للديمقراطية التعددية. الديمقراطية الحقيقية تحمي حقوق الأقليات من طغيان الأغلبية، وضمان حرية المعتقد وحياد الدولة هو حجر أساس في هذه الحماية. هذا الطرح يشكل إمتداد للديمقراطيات التي كرست لبناء مجتمع سوداني متخلف تسيطر عليه أنماط التفكير الضيق الذي يستتر خلف أسلمة الديمقراطية بحجة الأغلبية، فالأغلبية المقصودة في الفهم الديمقراطي هي الأغلبية السياسية المتغييرة/ المتحركة، في مقابل أقلية سياسية متغيرة/ متحركة أيضاً، وهو مفهوم سليم يسمح للأقلية السياسية أن تصبح أغلبية وتحكم وتتحول الأغلبية السياسية إلى أقلية وتكون في المعارضة. أما الأغلبية الثابتة/ غير المتحركة التي يطرحها المجلس الإستشاري في مقابل الأقلية الثابتة/ غير المتحركة، لا تسمح بالممارسة الديمقراطية السليمة لأن الأغلبية ستستمر في أغلبيتها والأقلية ستستمر في أقليتها، لأنها أغلبية غير سياسية وإنما هي أغلبية دينية او عرقية او طائفية اوقبلية او عشائرية، في مقابل أقلية ثابتة/ غير متحركة، عرقية او دينية او قبلية، ….الخ.
ثالثاً: التناقض في موقفه من ميثاق السودان التأسيسي والدستور الإنتقالي لجمهورية السودان لسنة 2025م:
1. ازدواجية المعايير: منح إقليمي جبال النوبة والفونج الحق في تطبيق “العلمانية الليبرالية” بينما يرفض تطبيق نفس النظام في باقي الأقاليم (النقطة 6) يطرح سؤالاً جوهرياً، إذا كانت “العلمانية الثقافية” التي يطرحها للمركز جيدة ومتوافقة مع الإسلام، فلماذا يُسمح لإقليمي الفونج وجبال النوبة بتطبيق نموذج مختلف (ليبرالي)؟ ولماذا لا يُسمح لباقي الأقاليم باختيار نفس نموذج الإقليمين إذا أرادت؟
يبدو هذا اعترافاً ضمنياً بأن النموذج “الثقافي” المقترح للمركز لا يحقق نفس مستوى الحرية والحياد الذي يريده أهل جبال النوبة والفونج لأنفسهم.
2. تحالف تأسيس والعلمانية: طرح تحالف السودان التأسيسي للعلمانية كان دائمًا مرتبطًا برفض هيمنة الإسلام السياسي على الدولة المركزية وضمان المساواة الكاملة لجميع السودانيين بغض النظر عن الدين أو العرق في إطار دولة واحدة. قبول الكاتب والمجلس لإستشاري للقائد العام “العلمانية الليبرالية” في جبال النوبة والفونج فقط يعترف بحق الإقليمين في حماية هويتهما لكنه لا يحقق رؤية تحالف السودان التأسيسي الأساسية لدولة سودانية واحدة علمانية تضمن المساواة للجميع في كل مكان. قد يُرى هذا كحل “فيدرالي” عملي، لكنه لا يلبي المطلب الأساسي للتحالف بتغيير طبيعة الدولة المركزية.
رابعاً وأخيراً: مغالطة مصدر الأخلاق: الزعم بأن “جميع الأديان هي المصدر النقي غير المزيف لمنظومة الأخلاق” (الفرضية 3) وإلحاق الأخلاق بالدين فقط، يتجاهل تطور الفلسفة الأخلاقية الإنسانية المستقلة عن الدين عبر التاريخ، وقدرة المجتمعات الإنسانية على وضع أطر أخلاقية مدنية قائمة على العقل والتجربة وحقوق الإنسان.
في تقديري، أن المجلس الإستشاري للقائد العام لقوات الدعم السريع حاول بقلم الدكتور/ حافظ الزين تقديم “علمانية” مقبولة في السياق السوداني الإسلامي، لكنه لم يوفق للآتي:
1. إنكاره المبدأ الأساسي للعلمانية (فصل الدين عن الدولة).
2. تناقضه الداخلي بين رفض الفصل نظرياً وقبوله عملياً لأحد أشكاله (الليبرالي) في إقليمي جبال النوبة والفونج.
3. تجاهله لحقوق غير المسلمين والتنوع الفكري داخل المجتمع المسلم تحت مبرر “الأغلبية”.
4. محاولة فرض تفسير محدد للإسلام (“الثابت”) كأساس للدولة، مما يناقض مفهوم حيادية الدولة او عدم إنحيازحها.
5. أعترافأ بحق الأقاليم في الإختيار هو موقف تقدمي، لكنه يكشف ازدواجية في الموقف من العلمانية الحقيقية، حيث يقبلها للفونج وجبال النوبة ويرفضها للمركز تحت غطاء “الثقافية”.
6. لا يحقق الرؤية الأساسية لتحالف السودان التأسيسي في تأسيس دولة علمانية ديمقراطية موحدة طوعياً تضمن المساواة المطلقة لجميع السودانيين في كل أقاليم السودان.
7. إخضاع تطبيق العلمانية في المركز لشروط (الثقافية، غير الليبرالية) تتعارض مع جوهر العلمانية كضمانة للحياد والحرية.
8. هذا الطرح يمثل محاولة لاستيعاب خطاب العلمانية والتعددية دون التخلي عن الهيمنة الثقافية والدينية للإسلام السني التقليدي في المركز، مع منح هامش محدود للأقاليم المهمشة (مثل الفونج وجبال النوبة) لحل مشكلاتها الهيكلية. هذا النموذج “الفيدرالي التمايزي” قد يكون حلاً سياسياً تفاوضياً مرحلياً، لكنه لا يشكل فهماً علمياً صحيحاً أو التزاماً حقيقياً بمبادئ الدولة العلمانية الديمقراطية التي تقوم على المواطنة المتساوية والحياد الديني للدولة في جميع أرجاء البلاد، والذي يسعى تحالف السودان التأسيسي لتحقيقه.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.