قراءات فى موقف الحكومة الإنتقالية من جولة مفاوضات جوبا الأخيرة مع الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال
✍🏿 بقلم: الجاك محمود أحمد الجاك
ربما فسر البعض سكوت الحركة الشعبية على تسريب مسودة الإتفاق الإطارى التى أودعها وفدها المفاوض على منضدة الوساطة الجنوب سودانية كوثيقة تفاوضية تؤطر للقضايا التى يجب أن تشكل الأساس للتسوية السلمية الشاملة فى نهاية المفاوضات بالضعف و الهوان، أو أنها لم تكن على دراية بمن يقف خلف ذلك التسريب المخل بأسس و قواعد التفاوض، لكن يبدو أنه فات على المتربصين أن السكوت كان وراءه حكمة رأتها الحركة الشعبية و أنه لن يطول ذلك السكوت فى ظل ذلك التمادى و إستمراء الكذب و سوء التقدير السياسى.
تشهد الساحة السياسية و الإعلامية أن الحركة الشعبية و من منطلق حرصها على تأكيد حسن النية و إثبات جديتها فى المضى بالعملية السلمية إلى نهاياتها المنطقية قد مارست أعلى درجات ضبط النفس، و إلتزمت إلتزاما صارما بموجهات لجنة الوساطة للطرفين المتفاوضين بعدم الخوض فى تفاصيل نقاط الخلاف فى وسائل الإعلام و ذلك حفاظا على الجو الودى الذى ساد جولة التفاوض الأخيرة. لكن رصدنا و لاحظنا للأسف فى الضفة الأخرى محاولة للتذاكى و التشاطر من قبل الحكومة الإنتقالية و عدم إلتزام وفدها المفاوض بموجهات لجنة الوساطة و القواعد الأساسية المتفق عليها بين أطراف العملية السلمية. حيث أن وزير شئون رئاسة مجلس الوزراء و المتحدث الرسمي باسم وفد الحكومة الإنتقالية خالد عمر (خالد سلك) قد أدلى بتصريحات إعلامية مفادها أن هناك توافقا تاما بين طرفى التفاوض بخصوص دمج قوات الدعم السريع فى الجيش السودانى، بالإضافة إلى الإتفاق التام حول علاقة الدين بالدولة و هو تصريح عار تماما من الصحة و فيه تضليل مقصود للرأى العام . و قد مر هذا التصريح هو الآخر دون رد من الحركة الشعبية مما شجع الحكومة الإنتقالية و وفدها المفاوض للتمادى فى إطلاق مزيد من التصريحات وصلت حد الإساءة للموقف التفاوضى للحركة الشعبية و تبخيسه علنا فى وسائل الإعلام، مع أن وفد الحكومة الإنتقالية درج أن يأتى للتفاوض خالى الوفاض فى كل الجولات السابقة و لم يشهد له أن أودع أى موقف تفاوضى مكتوب كوثيقة مرجعية لدى الوساطة.
ان عضو وفد الحكومة الإنتقالية المفاوض المدعو أحمد تقد لسان قد بلغ به الصلف و العجرفة حد وصف موقف الحركة الشعبية فى ورقة الإتفاق الإطارى – فى حوار مباشر أجراه معه تلفزيون السودان فى بحر الأسبوع الماضى – بغير الموضوعى، فيما وصف رئيسه وزير المالية د. جبريل إبراهيم موقف الحركة الشعبية بالتنصل من إتفاق إعلان المبادئ و محاولة وضع شروط تعجيزية فى الترتيبات الأمنية. لسنا هنا بصدد الرد على تصريح د. جبريل على الرغم من أنه تصريح كاذب و مغرض و محسوب سياسيا و رسميا على الحكومة الإنتقالية بحكم موقعه الدستورى و السيادى، فالرجل تبقى شهادته مجروحة فى كل ما يتصل بالشأن الوطنى بسبب ولائه الإخوانى المعلوم بالضرورة، و بحكم إنتمائه للنادى السياسى القديم صاحب اليد الطولى فى صناعة و مفاقمة أزمات البلاد و ملماتها. أما فيما يتعلق بالترتيبات الأمنية فمعلوم أن جبريل موقع على ترتيبات أمنية تخير قواته إن كانت لديه قوات بين الإندماج فى القوات المسلحة أو فى قوات الدعم السريع، ما يعنى أنه قد وقع مع الحكومة الإنتقالية شيكا على بياض و أقر بإعتراف حركته بقوات الدعم السريع كجيش مواز للقوات المسلحة، و لذلك من الطبيعى أن يرفض موقف الحركة الشعبية المطالب بضرورة توفيق أوضاع قوات الدعم السريع إما بتسريحها أو دمجها فى القوات المسلحة.
و إمعانا فى تصعيد الإستهداف الإعلامى و السياسى المنظم ضد الموقف التفاوضى للحركة الشعبية، و تماهيا مع خط الحكومة الإنتقالية تشهد الساحة الإعلامية و منابر المساجد هذه الأيام إنتظام حملة شعواء ضد الموقف التفاوضى للحركة الشعبية بالتزامن مع المؤامرة و الإستهداف الجهوى من أساطين المركز و قوى الردة و الظلام (قوى الثورة المضادة و قوى الهبوط الناعم) لدولة رئيس الوزراء د. عبدالله حمدوك فى تجسيد واضح لإصطفاف آيديولوجى و جهوى من قوى المركز. تستهدف هذه الحملة فى الأساس تضليل الرأى العام و تعبئة عاطفته الدينية لشيطنة و تكفير الحركة الشعبية و تصويرها على أنها تعمل على محاربة الدين و تسعى لهدم أركانه و إلغاء شعائره. هذه الحملة يقودها عتاة الجلابة و العنصريين من سدنة المركز و حرسه الآيديولوجى من أمثال مبارك الفاضل و أحمد السنجك و الكوز حسين خوجلى و آخرون ممن لف لفهم من فقهاء السلطان و أئمة الضلال الذين إختزلوا مسودة الإتفاق الإطارى بكل خبث و مكر و عن قصد و سوء نية فى:
١. رفض إستخدام البسملة فى الوثائق و المكاتبات الرسمية للدولة.
٢. تصوير مقترح عطلة الأربعاء على أنها إلغاء لشعيرة الجمعة.
٣. تصوير المطالبة بإلغاء قانون الزكاة و كأنها إلغاء لشعيرة الزكاة نفسها.
لقد ثبت و بما لا يدع مجالا للشك عدم إلتزام الحكومة الإنتقالية و وفدها المفاوض بإلجدية فى التفاوض و الكف عن التصعيد و إطلاق التصريحات السالبة فى وسائل الإعلام و التى من شأنها التأثير السالب على العملية السلمية و الإضرار بها. كما تنطوى تلك الممارسات غير المسئولة على سوء نية مبطنة تجاه الحركة الشعبية كطرف أساسي فى المفاوضات. لكن ما يؤسف له أن الحكومة الإنتقالية و و حاضنتها السياسية و وفدها المفاوض قد تعمدوا و هم يخوضون معركة إعلامية و سياسية مفتوحة عدم التطرق لجوهر الخلاف الذى تسبب فى إفشال الجولة الأخيرة من المفاوضات و جنحوا إلى إنتهاج أسلوب التعبئة المضادة لموقف الحركة الشعبية بالتركيز على تضليل الرأى العام و تعبئة و تحريك العاطفة الدينية ضد الحركة الشعبية. و إزاء هذا السلوك الآثم و غير المسئول كان لا بد لنا من ممارسة حقنا المشروع فى الرد الإعلامى لدحض الأكاذيب و الإفتراءات و تصحيح كثير من المفاهيم المغلوطة. و نجد أنفسنا مضطرين فى سياق التوضيح لتبيان جوهر الخلاف الذى أفشل جولة المفاوضات الأخيرة، إن لم نقل إنهيارها مع تمليك أبرز نقاطه للرأى العام.
و قبل الخوض فى تفاصيل جوهر الخلاف نرى ضرورة التوضيح للقارئ أن الحركة الشعبية قد أسست ورقة الإتفاق الإطارى التى أودعها وفدها المفاوض لدى الوساطة الجنوب سودانية على أربعة مرتكزات أساسية هى:
١. الوحدة العادلة القائمة على التعدد و التنوع و الإرادة الحرة للشعوب السودانية.
٢. إعمال و تطبيق مبدأ فصل الدين عن الدولة فى جميع مؤسسات و مفاصل الدولة ك: (التشريعات و القوانين – مناهج التربية و التعليم – الإقتصاد – توجهات الإعلام- السياسة الخارجية….إلخ.).
٣. تفكيك المركزية القابضة، و التأسيس لنظام حكم لا مركزى حقيقى فى السودان – كل السودان خلافا للنظام الفيدرالى الذى تنادى به الحكومة الإنتقالية.
٤. إصلاح القطاع الأمنى كخطوة ضرورية لبناء جيش وطنى واحد و موحد بعقيدة عسكرية و وطنية و مهام جديدة يجب أن تسبق تنفيذ الترتيبات الأمنية، واضعين فى الإعتبار أن 55 سنة من عمر إستقلال السودان المزعوم و البالغ 65 سنة هى عمر حكم الإنقلابات و الدكتاتوريات العسكرية التى حكمت السودان بالحديد و النار و عملت على تخريبه و تمزيقه شر ممزق.
كما خاطبت الورقة الإطارية إلى جانب المرتكزات الأساسية أعلاه معظم قضايا التغيير و الإنتقال فى السودان التى عجز عن مخاطبتها الإتفاقيات الجزئية التى إنبنت على المحاصصة. تريد الحكومة حصر المفاوضات فى قضايا المنطقتين و الترتيبات الأمنية لكن بعكس تطلعاتها فقد ظلت الحركة الشعبية تتمسك بطرح القضايا الدستورية و القومية ذات الصلة بالحل الجذرى للمشكلة السوداتية مثل: المبادئ فوق الدستورية – قضايا الإنتقال و التحول الديمقراطي- القضايا المتعلقة بنظام الحكم – العدالة الإنتقالية – حقوق الإنسان و الحريات الأساسية – قضايا المرأة و الطفل – قضايا البيئة – إجراء التعداد السكانى لإرتباطه بالإنتخابات و التنمية و توزيع الثروة – قضايا التعليم – الإعلام و المعلومات….إلخ.
فيما يتعلق بوحدة السودان يكمن الخلاف الجوهرى فى أن وفد الحكومة الإنتقالية هو من رفض النص المقدم من وفد الحركة الشعبية فى المادة (1 – 1) من مسودة الإتفاق الإطارى و المتعلق بوحدة السودان القائمة على الإرادة الحرة لشعوبه. كما رفض وفد الحكومة الإنتقالية النص على عمل الطرفين لجعل وحدة السودان جاذبة حسب منطوق المادة (10 – 10) من مسودة الإتفاق الإطارى، ما يعنى رفض وفد الحكومة الإنتقالية لأسس و مطلوبات الوحدة العادلة و إصراره على فرض الوحدة القديمة، الوحدة القسرية الظالمة و الطاردة لشعوب السودان المهمشة، و إلا فما هو السبب و المبرر المنطقى لرفض ذلك إذا كان هناك حسن نية و إرادة حقيقية و صادقة لتحقيق السلام العادل و صون الوحدة الوطنية التى تقنع و تطمئن ضحايا الحروب العنصرية. و هل يعقل أن تكون الحركة الشعبية قد تنازلت طوعا عن تقرير المصير لتقبل بالوحدة القديمة و المعطوبة التى لم تجلب سوى الإقصاء للآخر الثقافى و العرقى و إضطهاده و إجباره على العيش تحت إيقاع أزيز الأنتنوف و الحروب العنصرية الطاحنة التى إنتهت إلى تمزيق البلاد شر ممزق؟!
أما بخصوص تطبيق مبدأ فصل الدين عن الدولة المتفق عليه سلفا فى إتفاق إعلان المبادئ الموقع فى الثامن و العشرين من مارس الماضى بين رئيس مجلس السيادة و رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال، فقد و ضع وفد الحكومة الإنتقالية مصداقيته فى المحك عندما رفض و قاوم إلغاء القوانين ذات المرجعية الدينية كرفضه إلغاء قانون الزكاة و هو قانون دينى بإمتياز. و كذلك عندما رفض وفد الحكومة الإنتقالية إعتماد النظم البنكية التقليدية و أصر على إعتماد النظام البنكى المزدوج، و لعل فى ذلك إصرار على الإبقاء على النظام المصرفى الإسلامى الذى يقوم على المضاربة و المرابحة و السنم و غيره من عقود الإذعان التى تكرس لنمط الإقتصاد الريعى و مشروع التمكين ، كما رفض التخلى عن استخدام الرموز و المدونات الدينية فى المكاتبات الرسمية فى دولة متعددة الاديان بل التمسك باعتماد عطلة أسبوعية منحازة لدين معين فى تمييز واضح بين المواطنين على أساس الدين. و هو موقف يكشف بجلاء تنصل الحكومة الإنتقالية من الإلتزام بمبدأ فصل الدين عن الدولة لأنها تريد أن تبقى هذا المبدأ كمجرد نص مدسوس فى إتفاق إعلان المبادئ و الحيلولة دون إعماله و تطبيقه عمليا فى مؤسسات الدولة و قوانينها و توجهاتها. فالصحيح هنا أن الحكومة الإنتقالية هى من تنصلت عن مبدا فصل الدين عن الدولة بإصرارها على تدخل الدولة فى فرض التشريعات و القوانين الدينية و إقحام المجال الخاص (الدين) فى المجال العام (الدولة) و هو ما نعتبره مقاومة شرسة من عقلية النادى السياسى القديم للتغيير الجذرى و تخندق واضح من خلال الإصرار على تسييس الدين و إستخدامه كسلاح آيديولوجى لحراسة الإمتيازات التاريخية و إستدامة الهيمنة و مشروع التمكين. فالحقيقة المجردة كما ذكرنا هى أن الحكومة الإنتقالية قد تنصلت من الإلتزام بمبدأ فصل الدين عن الدولة، فيما إتسق موقف الحركة الشعبية تماما مع ما جاء فى إتفاق إعلان المبادئ. فإذا كنا نسعى للتغيير الجذرى بصدق، فلا بد من إلغاء ترسانة القوانين الدينية التى تعمل على تكريس مشروعية العنف و الغلبة و إذلال و إخضاع الأغلبية المهمشة فى السودان أولا، و قبل كل شيئ.
و فيما يلى الترتيبات الأمنية، رأت الحركة الشعبية إبتداءا أن الخوض فى تفاصيلها هو أمر سابق لأوانه و هو موقف يتسق مع ما نص عليه إتفاق ترتيب ملفات التفاوض الموقع فى 18 أكتوبر 2019 و الملزم لأطراف التفاوض مع عدم ممانعة الحركة الشعبية فى الإتفاق على بعض النصوص التى تؤكد على ما تم النص عليه فى إتفاق إعلان المبادئ فى المادتين (3) و (6). كما طرح وفد الحركة الشعبية بعد إصرار وفد الحكومة الإنتقالية المفاوض على إقحام الكثير من تفاصيل ملف الترتيبات الأمنية نص جديد فى المادة (10 – 14) من مسودة الإتفاق الإطارى و الذى يقرأ: (يتم إصلاح القطاع الأمنى، و تنفيذ الترتيبات الأمنية). فإصلاح القطاع الأمنى Security sector reform تعتبره الحركة الشعبية خطوة ضرورية يجب أن تسبق تنفيذ برتكول الترتيبات الأمنية إذا كانت الأطراف جادة و صادقة فى بناء جيش وطنى واحد و موحد بعقيدة عسكرية و مهام جديدة، جيش يعكس تنوع السودان فى قيادته و وحداته و تشكيلاته و هذا بالطبع واحد من أهم مطلوبات الوحدة الوطنية التى إرتكزت عليها مسودة الإتفاق الإطارى و الموقف التفاوضى للحركة الشعبية، واضعين فى الإعتبار أن 55 عاما من عمر إستقلال السودان المزعوم و البالغ 65 عاما هى فترة حكم الدكتاتوريات العسكرية التى حكمت السودان بالحديد و النار و بتواطؤ من الأحزاب السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار فخربت البلاد و أوردتها مورد الهلاك.
لقد قدمت الحركة الشعبية برنامجا للخلاص الوطنى فى شكل إصلاحات ضرورية و محددة للقطاع الأمنى و فى مقدمتها توفيق أوضاع قوات الدعم السريع و مليشيات الدفاع الشعبى و هى مليشيات إسلامية جهادية ذات سجل سيئ فى مجال ارتكاب الفظائع و الإنتهاكات رغم قيام الحكومة الإنتقالية بخطوة إستباقية بتتبيعها للقوات المسلحة تحت مسمى قوات الإحتياط. خيرت الحركة الشعبية الحكومة الإنتقالية ما بين دمج مليشيات الدفاع الشعبى أو تسريحهها، و كذلك طالبت بتوفيق أوضاع قوات الحركات المسلحة الموقعة على إتفاق سلام جوبا قبل الشروع فى تنفيذ أى ترتيبات أمنية يتم الإتفاق عليها لاحقا ضمن ملفات التفاوض، ذلك لأن الحركة الشعبية تريد دمج جيشها مع جيش وطنى واحد، و هو مطلب واقعى و وطنى و موضوعى واضح لا يحتمل أى تسويف أو تأويل، و إنما المطلوب من الحكومة الإنتقالية أن تبرهن إرادتها و وطنيتها و صدق نواياها و قدرتها على دفع إستحقاقات بناء الجيش الوطنى الواحد كخطوة ضرورية لصون وحدة البلاد. و نحن نفترض أن الحكومة الإنتقالية التى جاءت بها الثورة الشعبية لإنجاز مهام الثورة و الإنتقال واعية بخطر تعدد الجيوش على الدولة السودانية و سيادتها و بقاءها.
كذلك ظللنا نرصد و نراقب مواقف و سلوك و تصرفات الحكومة الإنتقالية بشقيها المدنى و العسكرى عن كثب، فهى من قننت و شرعنت قوات الدعم السريع و جعلت منها جيشا موازيا للقوات المسلحة بموجب الوثيقة الدستورية المعيبة. كما أن الحكومة الإنتقالية هى من قامت بتتبيع مليشيات الدفاع الشعبى الإسلامية و الجهادية سيئة السمعة للقوات المسلحة تحت مسمى قوات الإحتياط. و ذات الحكومة شهد العالم أجمع قبل نحو شهرين إنسحابها و رفضها التوقيع على ميثاق تجريم فعل الإبادة الجماعية و تجريم ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية فى الوقت الذى تقوم فيه بترفيع اللواء الموجود فى أبى جبيهة إلى فرقة عسكرية مكتملة، و لا شك هذه الخطوات تنطوى على سوء نية مبطن و تغذى الشكوك، لذا كان لا بد من أخذها مأخذ الجد!
فى حال تعذر إجراء إصلاح حقيقى فى القطاع الأمنى كنتيجة لرفض توفيق أوضاع قوات الدعم السريع و مليشيات الدفاع الشعبى و غيرهما من القوات و المؤسسات شبه العسكرية ذات الصلة بالنظام البائد ضمن الإصلاحات الأخرى و المحددة التى طالبت بها الحركة الشعبية، فهذا يعنى حتمية بقاء الجيش الشعبى كقوة رادعة لحماية شعبنا و الحيلولة دون وقوع إبادة جماعية جديدة ضد الشعوب المهمشة، و كذلك بقاؤه كحارس و ضامن لأى إتفاق سلام يمكن التوصل له مع حكومة الأمر الواقع فى الخرطوم. لكن رفض الحكومة الإنتقالية لضرورة تقديم إصلاح القطاع الأمنى كخطوة ضرورية جاء من وفدها المفاوض خلال ثلاث جلسات كما جاء على لسان رئيس هيئة أركان القوات المسلحة و نائب رئيس مجلس السيادة بالصورة و الصوت و قد هدد نائب رئيس مجلس السيادة و قائد قوات الدعم السريع ب (فرثقة البلد حتة حتة فى حال محاولة دمج قوات الدعم السريع)، و هنا يكمن بيت القصيد. أما ما يقال فى وسائل الإعلام عن تعنت الحركة الشعبية و مناداتها بإلغاء البسملة و شعيرة الزكاة فلا يعدو كونه محاولة لإخفاء جوهر الخلاف و محض تضليل للرأى العام.
و ختاما، فاننى أؤمن و أعتقد بشدة أن تحقيق السلام ممكن، و أنه ما زالت هناك فرصة كبيرة و عظيمة لتحقيق السلام فى السودان و الذى يمكن أن يصحح مسار الثورة و الإنتقال و يعجل بتحقيق التحول الديمقراطى و التداول السلمى للسلطة و يسهم فى تحقيق الإستقرار الدستورى فى البلاد متى توفرت الإرادة و القدرة لدفع إستحقاقات السلام و الوحدة العادلة فى سودان يسع الجميع، و هو أمر لن يتحقق فى ظل تحكم عقلية الشنقيطى و دون القبول بإجراء عملية جراحية خطيرة كشرط ضرورى للتعافى الوطنى.
و سلااااااام يا و طن!!