في الرد على (منصور الهادي).. الجهل الحقيقي هو وصف “العلمانية” بـ “الكفر”. (تحالف السودان التأسيسي) خطوة مُهمَّة في الاتجاه الصحيح لإنقاذ البلاد.

عادل شالوكا

 

 

طالعنا في وسائل التواصل الاجتماعي مقالاً منشوراً باسم (منصور الهادي) الذي لم يُحدِّد صفته أو انتمائه السياسي، مُنتقداً فيه (تحالف السودان التأسيسي – “تأسيس”) الذي أُنشأ مؤخَّراً في العاصمة الكينية “نيروبي” وضم عدد من حركات الكفاح المُسلَّح وقوى سياسية ومدنية وشخصيات. مضمون المقال الذي جاء “مُهاتراً” وليس “موضوعياً” يفضح إنتمائه إلى “الفلول”، وأبرز ما فيه هو نعت قائد الدعم السريع الفريق أول/ محمد حمدان دقلو – بالجاهل وذلك على خلفية خطابه الأخير بعد توقيع (ميثاق السودان التأسيسي) وحديثه حول “العلمانية” كأحد أبرز القضايا والمرتكزات في الميثاق مما أغضب منصور الهادي وصب جام غضبه على الموقِّعين على الميثاق ووصفهم بـ “الكُفار”. وهاجم بشكل خاص قائد الدعم السريع واصفاً إياه بالجهل والغباء والمجرم الهالك وغير ذلك من نعوت.

 

كان من الأفضل أن يُجادل منصور الهادي حول مفهوم “العلمانية” وكيف يكون “كُفراً”. فهذا هو المُفيد لأنه من الطبيعي أن يكون لديه موقف سياسي ضد التحالف والميثاق والدستور وهذا من حقه، ولكن مثل هذه المقولات الجُزافية والمواقف العدائية المُتطرِّفة التي تصل حد العنصرية، هي ما أقعدت البلاد منذ خروج المُستعمرين وأشعلت فيها الحروب وأوصلتها إلى الأوضاع الحالية.

 

مصطلح “كافِر” يُستخدم في بعض الديانات لمن ليس له مُعتقد ديني. وفي الكتابات الحديثة شمل المصطلح المُلحدين والمؤمنين بتعدُّد الآلهة. وفي الإسلام يعني “نقيض الإيمان بالله الواحد” كما اتفق عليه أهل السنة والجماعة. والكُفر صفة تُطلق على الأفراد لأن ذلك يرتبط بالاعتقاد.

أما العلمانية فتعني “فصل الدين عن الدولة” – أي فصل المجال العام المُتمثِّل في شؤون الدولة، عن المجال الخاص وعلاقة الإنسان بربه والتي ترتكز على الإيمان، والإيمان مكانه الضمير وليس الدولة. والأفراد لا يكونون علمانيون، لأن العلمانية هي صفة الدولة.

 

والعلمانية تقوم على مبدأ إخراج “السُّلطة الزمنية” من الدِّين، وتطبيق منهج علمي في الحُكم قابل للقياس والتَّصحيح والتطوير. فكيف يتم تعريف العلمانية بالكُفر؟ وما هي العلاقة بينهما؟

 

فالجهل الحقيقي هو الجهل بمفهوم العلمانية، والغباء هو محاولة تضليل السودانيين وإخافتهم بفزاعة “الكُفر” وشعار: (الإسلام دين ودولة) الذي صار كالصنم الذي تحطَّم والآن يتباكَى عليه الإسلاميين كمرتكز أساسي تم استخدامه على مر التاريخ السوداني لتغبيش الوعي واستغلال الدين في السياسة والسيطرة على الشعوب.

 

ما جاء في حديث قائد قوات الدعم السريع كان صادقاً لأنه أقَّر بإن فرض الشريعة الإسلامية وتضليل السودانيين وإخافتهم من تطبيق العلمانية كان سبباً رئيساً في استقلال جنوب السودان – وهذا بالطبع بجانب أسباب أخرى. وها هو منصور الهادي يستخدم نفس الخطاب الديني الذي قسَّم السودانيين ويقول: (إن على جميع القوات “مليشيات الجيش” – فيما يسمَّى بمعركة الكرامة – إن يعلموا إن الحرب ازدادت قدسية بعد ان أعلن العدو دفاعه عن العلمانية). بمعنى إنه يريد إرجاع الحرب لتكون دينية مرة أخرى كما حدث ضد شعب جنوب السودان منذ العام 1989. وفي فتاوي أخرى مثل فتوة علماء السلطان ضد النوبة بمدينة الأبيض في العام 1992. وفتوة على عثمان محمد طه ضد النوبة في العام 2011.

 

كما حاول منصور تحريض قوات الدعم السريع قائلاً: (رأيكم شنو يا أشاوس.. تاني إياكم تتحدَّثوا باسم الله ورسوله فأنتم تقاتلون تحت راية “كافرة” اسمها “العلمانية” أكَّدها دستوركم المجرم في نيروبي وخرج قائدكم يتغزَّل فيها ويعتذر لها ويُحمِّل المسؤولية للشريعة الإسلامية).

 

من السذاجة مُخاطبة قوات الدَّعم السريع بهذه العقلية الماضوية وكأنَّهم لا يعلمون ما هي العلمانية، أو كيف تم استخدام الدِّين في السياسة بواسطة الإسلاميين، وما هي نتائج ذلك.

 

حاول منصور الهادي أن يُغالِط حول تطبيق الشريعة الإسلامية في السودان ودورها في فصل الجنوب وهي حقيقة تاريخية لا ينكُرها إلا مُكابر، فمنذ التفاوض في ميشاكوس الكينية عام 2002 اختار المؤتمر الوطني الشريعة الإسلامية مُقابل انفصال جنوب السودان ولذلك نص اتفاق إعلان المبادئ بين الحركة الشعبية وحكومة السودان التي يقودها المؤتمر الوطني آنذاك على حق تقرير المصير الذي لم يكن ليُفضي إلى استقلال جنوب السودان إذا تم القبول بـ “علمانية” الدولة. وحاول أن يقول إن الديمقراطية هي سبب انفصال الجنوب لأن الجنوبيين أعطوهم حرية الاختيار؟ فمنصور يستنكر حتى منح الديمقراطية وحرية الاختيار لشعب جنوب السودان! أي عقلية هذه؟! هذه هي العقلية الاستعلائية التي أضرت بالبلاد والتي ترى إن شعب جنوب السودان وغيرهم من الشعوب يجب أن يستمروا في العبودية ولا مجال لهم للانعتاق.

 

ما حدث في نيروبي هو أكبر تحالف سياسي بين قوى مُتعدِّدة وصِفت بالكفر والعمالة والخيانة، وهذه القوى أقرَّت ولأول مرة في تاريخ السودان على قيام دولة علمانية ديمقراطية تعدُّدية لا مركزية تفصل الدين عن الدولة، إذ تم خلال الميثاق مُعالجة أمهات القضايا من جذورها. وهذا يُمكن أن يقود لبناء الدولة على أسُس جديدة والحفاظ على وحدتها. ولكن منصور الهادي لا يرَى التعاون بين حكومة بورتسودان مع إسرائيل ولا وفتح أراضي السودان للروس لإقامة قاعدة عسكرية (كُفراً وعمالة وخيانة). فهذا هو فقه الإسلاميين الذي يُعبِّر عنهم “منصور الهادي”.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.