في إطار سلسلة منتدياتها الفكرية والسياسية بجوبا، منظمة كوش للتنمية والرعاية الاجتماعية تقيم منتداها الفكري الثاني.

 

 جوبا: ..splmn.net

أقامت منظمة كوش للتنمية والرعاية الاجتماعية بجويا منتداها رقم 2 تحت عنوان العلمانية وتحديات السلام و ذلك في اطار سياستها لتوعية عضوية الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال بماهية مشروع السودان الجديد.
و في كلمته رحب الرفيق مولانا/ حسن جمعة واجي مدير المنظمة بالحضور، و ذكر أن الحركة الشعبية طرحت العلمانية لقناعتها بأنها اصلح نظام لحكم السودان و ذلك لاستيعابها التنوع الثقافي و الديني في السودان، ولكن أعداء السلام والحرية رفضوا ذلك، و وصفوا من ينادي بها بالكفر والالحاد. كما نوه بأن المنتدى السابق تناول ذات الموضوع “العلمانية” إلا أنهم قرروا إعادتها مرة أخرى وربطها بعملية السلام بهدف تسليط الضوء على المغالطات المرافقة لمسألة تضمين العلمانية في الدستور التي تنادي بها الحركة الشعبية،

قدم ورقة المنتدى المتحدث الرئيسى الرفيق/ الجاك محمود أحمد الجاك، عضو مجلس التحرير القومى وعضو وفد التفاوض. حيث بدأ حديثه بمقدمة عن نشاة العلمانية واصفا إياها بواحدة من منجزات الثورة الفرنسية و هى ثورة سياسية شعبية أثرت على العالم بأسره بوصفها أول ثورة ليبرالية فى التاريخ: و قال إن العلمانية كحركة ظهرت فى أوربا فى العصور الوسطى كرد فعل على أفكار و أفعال الكنيسة و التى كانت جزءا من نظام الإقطاع و مؤسسة من مؤسساته. و يعتبر نظام الإقطاع من أبشع النظم السياسية و الإجتماعية فى التاريخ. و كان للنظام الظالم و مساندة الكنيسة له آنذاك أثر خطير على الحياة والفكر فى المجتمع الأوربى، فقد فرضت الكنيسة نفوذ و سيطرة شبه كاملة على أوربا لمدة ألف سنة و هى فترة إتسمت بالتعصب و عدم التسامح الدينى. تلك الصفة الغالبة فى تعامل الكنيسة مع الناس عطلت أدوات الإجتهاد و البحث العلمى فى الغرب و فرضت قيود شاملة على العلماء و حرمتهم من مزاولة أى نشاط خارج ما تسمح به مبادئ الكنيسة. و كان العلماء يتهمون بالهرطقة و الزندقة و ممارسة السحر فى حال خالفوا فتاوى و تصورات الكنيسة. و قال إن العلمانية تعنى فصل الدين عن الدولة، بمعنى أنها تسعى إلى تحييد جهاز الدولة دينيا و تنادى بضرورة وقوف الدولة على مسافة واحدة من جميع الأديان. فالعلمانية نهج علمى يضمن الفصل ما بين السياسة و الدين فى مجال الحياة العامة.
كما قدم المتحدث تعريفاً للدولة و مكوناتها الأساسية المتمثلة في الأرض، الشعب، والسلطة ذات ذات السيادة. موضحا أنه و من خلال التعريف نجد أن الدين ليس من مكونات الدولة، لأن الدين علاقة روحية بين الفرد و الخالق فهو مجال خاص بخلاف الدولة التى تعتبر مجال عام. و قال الجاك إن مهمة الدولة و واجبها هو خدمة المواطن الذى أوجدها لتكون خادما له. و خدمة الدولة للمواطن تعنى توفير الأمن و تحقيق العدالة و المساواة، و كفالة الحقوق الدستورية على أساس المواطنة. و كذلك يناط بالدولة تقديم الخدمات الضروية مثل توفير مياه الشرب النظيفة و تقديم خدمات الصحة الوقائية و العلاجية مجانا أو بأقل ثمن، و كذلك توفير التعليم الجيد و المنتج. الدولة من مهامها أيضا عمل تنمية متوازنة و إنعاش الإقتصاد و خلق رفاهية حقيقية لمواطنيها. يتعين على الدولة الدفاع عن الأرض والسيادة وتوفير الأمن والرفاهية بدلا من الإنشغال بفرض الآيديولوجيا و الوصايا الثقافية و الفكرية و الدينية، فالآديولوجيا كما يحدثنا التاريخ لم تبنى دولة قابلة للحياة. و فند مقدم الورقة مزاعم و إدعاءات خصوم الحركة الشعبية من قوى الظلام و الرجعية و القوميين العرب التى تسعى لشيطنة الحركة الشعبية و تعمد تشويه رؤيتها و خطابها. فهى تصور زيفا تمسك الحركة الشعبية بعلمانية الدولة بالتعنت و الشرط التعجيزى، و تدعى أنها دعوة لإطالة أمد الحرب فى البلاد. كما نفى أن العلمانية دعوة للكفر و الإلحاد و التفسخ الأخلاقى موضحا أن الحركة الشعبية ليست ضد الدين يصور أعداؤها و لكنها ضد تسييس الدين أو إستغلال الدين فى السياسة. الحركة الشعبية تدعو لإخراج السلطة الزمنية (سلطة الدولة) من الدين و تطبيق نهج علمى فى الحكم قابل للقياس و التصحيح و التطوير كما قال رئيس الحركة الشعبية فى حوار سابق له مع جريدة المصير الجنوبسودانية الناطقة باللغة العربية. و ترى الحركة الشعبية أنه لا يجوز للدولة أن تتبنى دين معين أو تفرض توجهات دينية معينة على المواطنين. و عزا تمسك الحركة الشعبية بالعلمانية و إصرارها على الفصل التام بين الدين و الدولة إلى تاريخ الممارسة الدينية فى السودان و التى إرتبطت بممارسة الرق منذ الدولة السنارية مرورا بالإستعمار التركى و الدولة المهدية و التى إمتدت آثارها إلى يومنا هذا. كما إرتبط تاريخ الممارسة الدينية فى السودان بإعلان الجهاد و الإبادة الجماعية و الثقافية و التطهير العرقى و الفساد و الإستبداد التى إتسم بهما نظام حكم الإنقاذ البائد كنموذج للدولة الدينية و أجندة الإسلام السياسى التى تسببت فى إنفصال جنوب السودان و تهديد وحدة ما تبقى من السودان. الدولة العميقة ما زالت قائمة و أجندة السودان القديم ما زالت متحكمة على مفاصل الدولة و هنالك ترسانة قوانين دينية و عنصرية ما زالت سائدة و نافذة فى السودان حتى الآن فى ظل رفض الحكومة الإنتقالية إلغاء أو حتى تجميد قوانين الشريعة الإسلامية و هى قوانين تعمل على قمع الناس و إخضاعهم و إذلالهم و تفرق بين المسلم و غير المسلم. كما تفرق بين المرأة و الرجل وتنكر التنوع و التعدد الموجود فى السودان، كما تعمل على أسلمة و تعريب السودان بالقوة. النظام العلمانى يضمن بناء الدولة الوطنية الحديثة فى السودان. و معلوم أن الدولة الوطنية الحديثة هيكليا و دستوريا دولة علمانية، و هى دولة يشكل أساس الإنتماء لها و أساس الحقوق و الواجبات فيها المواطنة و ليس الدين. و الدولة الوطنية الحديثة تستمد مشروعيتها من العقد الإجتماعى و هو الأساس الفلسفى لمفهوم الديمقراطية. إذا تمثل العلمانية شرط أساسى لتحقيق الديمقراطية و التداول السلمى للسلطة.كما أنها شرط ضرورى لتوفر العدالة و المساواة و سيادة حكم القانون، بخلاف الدولة الدينية التى تستمد مشروعيتها من العنف و الغلبة و إدعاء التفويض الإلهى. نحن نرفض إستخدام الدين كسلاح آيديولوجى و كواحد من محددات الهوية الوطنية لأن الهدف من ذلك هو تمرير أجندة ثقافية و آيديولوجية بهدف المحافظة على الإمتيازات التاريخية و حماية سلطة و هيمنة الأقلية و تركيز المصالح المادية و المعنوية فى أيدى الأقلية. المصالح المادية تتمثل فى إحتكار السلطة و السيطرة على مفاصل الإقتصاد، أما المصالح المعنوية فتتمثل فى فرض الهوية الأحادية الإقصائية لتحقيق وضعية إجتماعية متفوقة و تزوير حقائق التاريخ. و فيما يتعلق بالمفوضات أكد مقدم الورقة أن الحركة الشعبية أكدت جديتها فى التوصل إلى سلام عادل و شامل لكن الحكومة الإنتقالية تنقصها الإرادة الحقيقية طالما إفتقدت الشجاعة و المسئولية فى مخاطبة و معالجة جذور المشكلة، مبينا أن الخروج من الأزمة الإقتصادية مرهون بتحقيق سلام عادل و مستدام يفضى بالضرورة إلى توحيد الجبهة الداخلية و إستتباب الأمن و تحقيق الإستقرار السياسى و الدستورى فى البلاد بدلا عن التعويل على المجتمع الدولى و الركون إلى أجندة و إبتزاز قوى إقليمية و دولية الأمر الذى يضع مصداقية الحكومة الإنتقالية على المحك.

هذا و قد تحدث فى المنتدى الرفيق ياسر أحمد عبدالرحمن رئيس اللجنة الإقتصادية بمجلس التحرير القومى كمعقب على ورقة المتحدث الرئيسى.
كما أثرى الحضور المنتدى بالنقاش و الأسئلة و المداخلات.

.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.