فلسفة التشريع ما بين نظرية الحق الإلهي في السودان القديم ونظريةالعقد الاجتماعي في السودان الجديد

عبده إسحق عمر آدم(ديكارت)

 

إن القيمة الأخلاقية لفلسفة التشريع الحديث يجب ان لا تنتهك حقوق الإنسان الأساسية او بالأحرى الطبيعية لان الغاية العليا التي تقوم عليها نظرية العقاب هي إصلاح الجاني وإعادة دمجه في المجتمع ليصبح مواطن/ة صالح وإيجابي مجتمعيآ وليس التشفي والانتقام والاعاقة حتي يكون عبأ وعال على الأسرة والمجتمع والدولة كما يحدث في السودان. وذالك بسبب فرض نظرية الحق الإلهي في التشريعات والقوانين والأحكام القضائية. وأصحاب هذه النظرية يدعون بأن الله هو الذي يشرع ويحكم الكون عبر وكلاءه في الأرض(رجال الدين) وما علي الناس إلا الآمتثال والخضوع مهما كانت هذه القوانين منتهكة لحقوقهم الطبيعية والمكتسبة. وفي النقيض هنالك نظرية العقد الاجتماعي التي تستمد مشروعيتها من الإرادة الحرة للشعوب التي تستطيع الإتفاق علي مرجعيات تشريعية بسن قوانين تقوم علي المساواة والعدل بين الجميع والابتعاد عن الانحياز والظلم والعنصرية بين افراد المجتمع علي اساس الدين او العرق او النوع او الإنتماء السياسي او التوجه الفكري. ويعتبر الفرد احد اهم غايات التشريع وايضا هو يؤسس ويضمن حمايه جميع توجهاته وافكاره مع الوضع في الاعتبار الحقوق الجماعية والمنافع العامة والحفاظ عليها.
منذ خروج المستعمر الانجليزي كانت هنالك نية مبيتة مع سبق الاصرار والترصد من قبل النخب السياسية المدنية والعسكرية في فرض الايديولوجية الإسلامو عروبية القائمة علي نظرية التفويض الرباني في التعاطي معي قضايا الفضاء العمومي ومن اول المهوسين الذين عملو على تطبيق هذة النظرية هو الجنرال إبراهيم عبود في إنقلابه عام 1988م-1964م فادخل الدين
الإسلامي في المناهج الدراسية وعمل على إفتتاح الخلاوي وفي المقابل إلغاء وإغلاق الجمعيات المسيحية التبشيرية. وأول محاولة لاسلمة المرجعية التشريعية هي مسودة الدستور الإسلامي عام 1964م ويعتبر دستور 1973م هو منصة تأسيس في الاسلمة والتعريب ومرجعيات التشريعات والقوانين والأحكام القضائية واستمر هذا التوجه إلى يومنا هذا وحتي دستور السودان الإنتقالي لسنة 2005م رغم ان الحركة الشعبية لتحرير السودان كانت جزء من صياغته كنتيجة لاتفاق سلام بينها وبين حكومة السودان إلا أن مسالة فلسفة التشريع للدولة السودانية لم تحسم فاستمرت القوانين المقيدة للحريات والمنتهكة لحقوق الإنسان إلى ان إختارت وفضلت الإنقاذ الشريعة الإسلامية والهوية العربية على أرض وشعب جنوب السودان الامر الذي آدي الي بقاء وتعزيز قوانين الشريعة الإسلامية المنتهكة لحقوق الإنسان والمتعارضة والمخالفة للعهود والمواثيق والاتفاقيات والبروتوكولات الدولية والقارية. وعلي سبيل المثال:-
1/القانون الجنائي السوداني لسنة 1991م تعديل 2020م في المواد التالية :-
1/المادة 28 التي آعتمدت القصاص كعقوبة في بعض الجرائم حيث يعرف القصاص بانة (هو معاقبة الجاني بمثلة ما فعلة للمجني عليه) وتعتبر مثل هذه العقوبة تمثيل بالجثة ومرفوضة ومدانة اخلاقيا في المجتمعات الإنسانية.

2/المادة 32 التي أعتمدت الجلد كعقوبة وهذا يعتبر اهانة للكرامة الإنسانية وهذا يخالف ميثاق الامم المتحدة لحقوق الإنسان والميثاق الافريقي لحقوق الإنسان والشعوب التي وردت فى الوثيقة الدستورية للفترة الإنتقالية 2019م.

3/المادة 145 التي اعتمدت الرجم كعقوبة وهذا يعتبر تعذيب ويخالف أتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية او اللانسانية او المهينة، لسنة 1984م .

4/المادة 168 التي آعتمدت عقوبة الصلب والقطع والذي يعتبر تمثيل بالجثة وإهانة للكرامة الإنسانية وهو أمر مرفوض ومدان آخلاقيآ لابعاد إنسانية.

5/المادة 171 التي آعتمدت عقوبة قطع اليد في حال السرقة الحدية وهذا يعتبر تعذيب وآعاقة مستديمة مخالفة لمبدا السلامه الجسدية التي وردت في الوثيقة الدستورية الإنتقالية 2019م لجمهورية السودان في باب وثيقة الحقوق والحريات،.

2/ قانون الإثبات لسنة 1994م الذي يمنع إستخدام ال(DNA) في إثبات نسب الأبوين للطفل بحجة مخالف الشريعة الإسلامية. وظاهرة اطفال الميقومة سببها الأول هو هذا القانون المتخلف.
وايضا رفض وإلغاء اي بينة تخالف مبادي الشريعة ولو كانت البيئة الوحيدة لإثبات الحق، مثلا ( امرأة مطلقة ولديها بنت تجاوزت سن الحضانة وتريد الضم اي البقاء معاها ورفض اب البنت في ذلك وقال لمحكمة من مصلحة البنت تجي وتقيم معاي لان امها ما أخلاقها ما كويس او وضعها المعيشي كعب انا وضعي افضل منها. هنا اذا الام قالت لا كلامك ما صح وجابت شاهد من جيران او زملاء في الشغل ولكن الشخص الشاهد غير مسلم/ة حتي لو هو الوحيد البعرف أسرار ام البنت رغم دا المحكمة ترفض الشهادة لانها تخالف مبادي الشريعة الإسلامية) فقط بسبب العقيدة.

3/قانون الأحوال الشخصية للمسلمين لسنة 1991م الذي يمنع زواج الرجل الغير مسلم بامرأة مسلمة ولكن يجوز العكس وأيضاً يمنع زواج الرجل المسلم بامراة غير مؤمنة باي دين مثل الكجورية وإيضآ يمنع الرجل الفقيرة الزواج من امرأة او أسرة غنية تحت مفهوم الكفاءة وأيضآ لأ يجوز حضانة المرأة الغير مسلمة لأطفالها من أب مسلم ولو امك او أختك او زوجتك. أيضآ لايجوز توريث الغير المسلمة للمسلم ولو كانوا آلابناء آو الام او الاب او الإخوان او الأخوات او الزوجة.
هنالك قوانين وأحكام وقواعد ولوائح ذات مرجعيات إسلامية كتيره سارية المفعول حتي الآن رغم إسقاط البشير وقيام بعض التعديلات والالغاءات التي قام بها وزير العدل فهي لا تساوي 1% من التغير المطلوب وحتي بعض المواد في القانون الجنائي السوداني لسنة 1991م تعديل 2020م التي مسها التعديل شابتها بعض العيوب التشريعية التي خرقت اهم مبدأ من مبادي القانون، وأيضا الوثيقة الدستورية الإنتقالية هو التميز بين المواطنين/ ت في تطبيق القاعدة القانونية مثلا المادة 78 ميزت المواطنين/ ت علي الدين
إذن كل التعديلات الذي أجرها الدكتور/ نصرالدين عبدالباري وزير العدل واجازها مجلسي السيادة والوزارء َو التي اثارت ضجة اعلامية وردود افعال من مؤيدة ومعارضة. ولكن إذا بحثنا ونقبنا بعمق يمكن ان نشبهها بشخص (غرس شجرة ليمون ثم اثمرت وبعض بضع سنين يريد نفس هذة الشجره ان تثمر لة تفاح واتي بعامل وقال له اقطع صفق وفروع شجرة الليمون واسقية الماء امل ان ينتج لنا تفاح في موسم القادم ،هل جذور الليمون تثمر التفاح؟) مالم يتم قطع جذور الليمون من عمق التربة وغرس بذور الشجرة التي نريد ثمارها لن تثمر الشجرة تفاح هكذا هي وضعية دكتور/نصرالدين عبدالباري مع الجلابة (قحت) رغم تفهمي لرغبتة الصادقة وإيمانة الفولازي في التغيير الشامل لقوانين وبنية ومرجعيات الدولة في فلسفة التشريع.
لذلك يتم ترويج هذه التعديلات القشرية لاغراض سياسية وخاصة النظام السياسي الحاكم فهو يريد تسويق وإظهار نفسة للمجتمع الدولي بانه تخلص من سياسات وقوانين البشير التى بموجبها تم حصار وعزل السودان خارجيآ. ولكن الآن لا يوجد ذلك النظام السياسي ،إذن يجب رفع الحصار ودعم السلطة الحاكمة وخاصة دعم الاقتصاد الذي يعتبر همهم الأول والأخير لقوي السودان القديم في هذه المرحلة.
والقضية التي بموجبها أصدرت المحكمة عقوبة الصلب مع القطع ليست الأولي منذ الاطاحة بالبشير من لجنتة الأمنية، ولن تكون الأخيرة طالما ان الوثيقة الدستورية للفترة الإنتقالية ابقت وعززت إسلامية وعروبية الدولة وترفض فصل الدين عن الدولة. إجراءائيآ وموضوعيآ ستظل هذه القوانين واللوائح والأحكام منتهكة لحقوق الإنسان.

عبده إسحق عمر آدم(ديكارت)
محامي وناشط حقوقي.

تعليق 1
  1. مصطفى آدم عيسى دمين ( اتاتورك أبو غاندي) يقول

    حسب رأيي الشخصي أن مصادر التشريع يجب أن يكون من القوانين والتشريعات التي تعلو قيمتها كلما كانت إنسانية وتواكب تطورات مع بعض الحداثة و من التراث السوداني وبعيدا من سلطة رجال الدين والعقل الفقي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.