فشل الأنظمة الإسلاموعروبية في إدارة التعددية الإثنية والثقافية والدينية في السودان.

✍️ عرفة عبد الله كرتو 

 

قضية التنوع الإثني والثقافي والديني من أكثر القضايا تعقيدا وحساسية في السودان وذلك بالنظر إلى تعدد الجوانب الإجتماعية التاريخية والسياسة المتعلقة بها. وإن الفرد في المجتمع السوداني لا وجود له كمفهوم مستقل بذاته، فهو يستمد تعريفه ومكانته الاجتماعية والسياسية من خلال إرتباطه بجماعه ما. والشائع في السودان مثلا، عند السؤال عن شخص ما، هو إتجاه السائل للإستفسار أولا عن إسم القبيلة أو العشيرة أو العائلة التي ينتمي اإليها ذلك الشخص. وللأسف تشجع العادات والتقاليد والثقافة المجتمعية هذا المنحى.

 

لقد عرف السودان على مر الزمن بتميزه في تعدد الإثنيات والثقافات والديانات بالإضافة الي الشعوب الأصلية مثل (النوبة، الفونج، الفور، والبجا، ….) وغيرها من الإثيات الأصيلة.

 

هناك أقوام أخرى مثل القبائل العربية التي وفدت الى هذه المناطق ضمن موجات الهجرة المختلفة عبر التاريخ.

 

ورغم سيادة الثقافة الإسلاموعروبية على السودان طوال أكثر من 60 عاماً، فقد تمكن أتباع الديانات الأخرى من المحافظة على هوياتهم الدينية.

 

ونتاجا لذلك فقد ورثت الدولة السودانية الحديثة منذ تأسيسها هذا التنوع العرقي والثقافي والديني، لكن أنظمة الحكم المختلفة التي توالت على حكم السودان لم تتمكن أو ربما لم تمتلك الإرادة لاقامة نظام سياسي يقوم على أساس الإعتراف الكامل بحقوق جميع القوميات والأديان ومن ثم المساواة بينهم فيما يتعلق بتوزيع السلطة والثروة. فقد إرتكزت هذه الأنظمة على الحكم الوراثي (القبلي أو الطائفي أو العائلي). ولم تعرف طوال تاريخها مفاهيم مثل المواطنة والمشاركة السياسية والاقتصادية ناهيك عن أنظمه الحكم القائمة على الديمقراطية وفصل السلطات والتمثيل الشعبي ومحاسبة الحكومات. كما إنتهجت أسلوب الإلغاء والتهميش ولم تعترف بالإثنيات الأخرى كشركاء متساوين في الوطن وفي الإرث الثقافي والتاريخي المشترك بصورة جدية. وإنما إعتبرتهم مجرد مخلفات لحضارات قديمة تكرم عليهم المجتمع العربي الإسلامي فحماهم ولم يتركهم للإنقراض والموت ومن ثم عليهم أن يشكروا ويعترفوا له بالجميل بدلاً من أن يطالبوا بحقوقهم.

 

إن من يقرأ تاريخ السودان يجد إن تاريخ الشعوب الأصلية يعرض فيها بإقتضاب ودائما عبر ربطها برموز محددة أو أحداث معينة وليس كوجود إجتماعي وثقافي وديني قائم بذاته.

 

وعلى مدى التاريخ الطويل ظل موضوع سيطرة الكيانات الدينية والعرقية ضمن قائمة المسكوت عنه، كما ظل الحديث عن هذه الكيانات وخاصة الدينية  يحوطه قدر كبير من التحفظ مع سعي واضح للتقليل من أهميته أو نفي أي وجود له قائم بذاته وكان من الشائع هو إلحاقها بالإسلام والعروبة.

 

قد إتسم تعامل الأنظمة عموماً مع مطالبهم بإحترام التنوع، بأساليب جمعت إلى جانب القسوة والحزم أساليب التذويب الإجباري.

 

لماذا تعرض الأنظمة عن الإعتراف بهذه المشكلة؟

فالدولة تبدو عاجزة في الوقت الراهن عن توفير الحل بسبب قيام أنظمتها على التسلط والتمييز.

 

ولأن الدولة تقوم على أسس قبلية ودينية ومناطقية سواء على مستوى أنظمة الحكم أو توزيع القوة والنفوذ فإنه كان من الطبيعي أن تشعر الشعوب بالحاجة إلى المطالبة بحقوقها والدفاع عن مقومات وجودها، وكان من الطبيعي أن تبدأ في البحث عن حلول لمشكلتها.

 

أصبح ليس هناك خيار سوى الإعتراف رسمياً بأن السودان بلد يملكه جميع المسلمين والمسيحيين والديانات الأخرى مهما قل عددهم أو كثر. وإنه لكل سوداني نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات وإن الدوله يجب أن تكون محايدة وواجبها ليس الإنتصار لطائفة أو دين أو إثنية بعينها وإنما الإنتصار لجميع المواطنين ووظيفتها هي إدارة هذا التنوع بصوره تضمن التعايش السلمي والخلاق وحماية حقوق وحريات جميع المواطنين الفردية منها والعامة بما في ذلك حرية العبادة وممارسة الشؤون الدينية والمحافظة على، وإحترام الخصائص الدينية والإثنية والثقافية لكل جماعة. وضمان حق التمثيل وتقلد المناصب العامة للجميع.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.