غوردون كونغ دوث .. الفنان صاحب الموسيقى البصيرة
أتيم سايمون
ربما شاعت اغنيته الشهيرة (سودان مجهجه) و التي يسرد فيها بلغة عربية بسيطة اقرب ماتكون الى (لغة جوبا) المعروفة ، مآسي الحرب السودانية ومعاناتها على ايام السودان الموحد قبل انفصال الجنوب في العام 2011، ربما شاعت اكثر من بقية اغانية التي يستخدم فيها آلة الطوم- شبيهة بالربابة- والتي تعلم العزف عليها منذ طفولته الباكرة، وهي الآلة التي يحاول معها الفنان صاحب الصوت الشجي غوردون كونغ دوث ان يطوع الالحان في التغني للحب و السلام و الالفة بين السودانيين عموما ، وبين الجنوبيين على وجه الخصوص ، لكن سنوات الحرب لم تنطو ، فسرعانما تجدد القتال بين الاخوة الاعداء في جنوب السودان بعد مضي اكثر من عامين على اعلان الاستقلال ، وقد كان (كونق) من اولى ضحاياها حيث اضطر لان يهجر وطنه ويغادر بعيدا الى ماوراء البحار ليستقر به المقام في قارة استراليا ، التي لازال يرسل منها الحانه شلالا رويا.
قدم الفنان غوردون كونغ دوث ، خلال فترة العقدين الماضيين من الزمان تجربة فنية متفردة في جنوب السودان ، حيث ظل يقدم نمطا من الغناء الشبيه باغاني البوب باستصحاب آلة الطوم التي يعزف عليها بمهارة عالية جدا ، فكونغ الذي لم يتجاوز العقد الخامس من عمره ، اهتم بمعالجة عدد من القضايا الجوهرية التي تهم المجتمع مثل السلام ، التعايش السلمي و الوحدة، وذلك باستخدام لغة وايقاعات النوير التقليدية – المجموعة التي ينحدر منها- بجانب العربية البسيطة و الانجليزية ، ويتميز كونغ بخامة صوتية فريدة وحب جماهيري ممتد على طول السودان وجنوب السودان ، وهو تقدير نابع من المعاني التي تحملها الاغنيات التي يقوم بكتابتها وتلحينها لوحده ، ففي احدى اغانية الملهمة و التي تحمل اسم (كلنا) التي يناشد فيها الجميع بالعمل من اجل تحقيق السلام وذلك بقوله:
كلنا ياجما
لو في زول بيقولو
ما داير سلام مننا
زول الما دير سلامو
خلي يرفع يدو فوق
نحن بنادي ليو ربونا
الزول المادير سلام
وفي تلك الاغنية يقول كونغ انه اذا كان هناك شخص لايريد ان يكون هناك سلام في جنوب السودان ، فيجب ان يرفع يده حتى ندعوا الرب للنظر في امره ، وهذا دلالة على مدى ضيق الناس بالحرب والقتال في السودان وجنوب السودان .
يتميز الفنان غوردون كونغ عن سائر الفنانين و المغنين الذين يقومون بترديد الاغنيات بلغاتهم المحلية ولهجاتهم ، هو انهم غالبا مايميلون الى تكريس اعمالهم لصالح تمجيد مجتمعهم الصغير (القبيلة) على حساب بقية المجتمعات الاخرى ، و التقليل من شانها في نشر بائن لخطاب الكراهية الذي يقلل من فرص التعايش السلمي الاجتماعي بين مختلف مكونات جنوب السودان ، بحيث تجد ان معظم الاعمال التي يغنيها كونغ بلغة النوير تدعوا للتعايش و التوعية بمخاطر بعض الامراض مثل الايدز و التراكوما التي كان هو احد ضحاياه حيث فقد بصره في سني طفولته المبكرة ، لكنه عوض بصيرته بالغناء و الموسيقي التي تنظر للمعضلات التي تواجه مجتمعات جنوب السودان واولها بالنسبة لكونغ هي كارثة الحرب.
انتج غوردون كونغ خلال مسيرته الفنية مايقارب الـ(10) البوما غنائيا ، كانت هي حصيلة تجربته التي بدأت بولاية اعالى النيل لينطلق منها الى كافة ارجاء البلاد الكبيرة ، كما قام بانتاج عدد كبير من الفيديوهات المنتشرة على موقع اليوتيوب ، كما قام بعدد من الرحلات الفنية قدم خلالها عروضا فنية في كينيا ، يوغندا ، الولايات المتحدة الامريكية وكندا و استراليا التي يتخذها حاليا مقرا اضطراريا له بعد فراره من العاصمة جوبا اثر اندلاع اعمال العنف المسلح في العام 2013 وذلك خوفا من ان يتم استهدافه على خلفيته الاثنية ، واستطاع في العام 2015 ان يحصل على لجوء في دولة استراليا ، حيث يقوم باحياء عديد من الحفلات لجاليات ومجتمع جنوب السودان المقيم هناك الى جانب مشاركته في بعض الاحتفالات المحلية بمصاحبة فرقة موسيقية استرالية من مدينة ملبورن تقوم بتقديم نمطا من الموسيقى متعارف عليه باسم (موسيقى المنفى) وهي نقلة جديدة في تجربة الفنان الجنوبسوداني غوردون كونغ دوث من المحلية الى العالمية بدليل ما افردته وسائط الاعلام الاسترالية لتجربته و الدوافع التي قادته لمغادرة البلاد اضطرارا الى استراليا بسبب الحرب التي وصفها في اغنية سودان مجهجه بقوله :
بلدنا تعبان من زمان ياربنا
تالى شوف حياتنا
بلدنا ما مرتاح
سودان مجهجه
مافي راحة لينا ..
عيالنا ميتين
بيننا ربنا
ختاما نستطيع القول ان غوردون كونغ ، هو فنان ولد في ظروف الحرب التي خلقت منه فنانا يتغنى بمآسيها ويدعوا للسلام بكل ما اوتى من الحان وموسيقى ، ذات الحرب التي اصبحت موضوعا لاهازيجه تسببت في مغادرته لبلاده طلبا للنجاة والراحة التى قد تتحق للجميع عندما يستمع العالم لرسالة