غرب كردفان سيناريو التصفية و العودة !!
مهند حمدي محمد زامل
في العام 1974 اصدر الرئيس السابق جعفر محمد نميري قرار بتقسيم اقليم كردفان الي ولايتين هما ، ولاية شمال كردفان و عاصمتها الأبيض و ولاية جنوب كردفان و عاصمتها كادقلي . ظلت ولاية جنوب كردفان بحدودها التاريخية ، التي تحدها من جهة الغرب اقليم دارفور و من الشرق ولاية النيل الأبيض و جنوبا منطقتي بحر الغزال و غرب أعالي النيل الجنوبيتين ، و شمالا ولاية شمال كردفان .
بعد استيلاء الجبهة الاسلامية القومية علي السلطة عبر انقلاب يونيو ١٩٨٩ ، شرعت في إعطاء الحرب التي كانت تدور رحاها في مناطق مختلفة من السودان الصبغة الدينية ، الثقافية ، و العرقية الاثنية ، حيث انتهجت اُسلوب التعبئة الدينية بإعلان الجهاد ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان و تكفير كل من يؤمن بأفكارها ، وعلي أساس انها تستهدف العرب و المسلمين ، استناداً علي خطاب الايدويولجا الاسلاموعروبية الانتهازية المهزومة .(فتوي مجلس علماء المسلمين ، مدينة الأبيض ، ولاية شمال كردفان ١٩٩٢) .
تم افتتاح معسكرات الجهاد التي كانت تحتضن ما يسمي بالمجاهدين ، و الدفاع الشعبي ، علي نطاق واسع من السودان ، حيث كان لجنوب كردفان النصيب الأكبر من معسكرات التجنيد ، اذ وجدت الفكرة رواجا ، و مناخا ملائما ، بعد ما سبقتها مليشيات المراحيل التي تم إنشاءها في عهد اللواء / فضل الله برمة ناصر ، المنتمي لحزب الأمة القومي، وزير دفاع حكومة ما بعد انتفاضة مارس/ابريل ١٩٨٥ .
في المنطقة الغربية لولاية جنوب كردفان ، وجدت الأفكار الجهادية قبولا وسط مجتمعات البدو الرعاة ، الذين بحكم عوامل الجوار لديهم نزاعات تقليدية تدور حول الموارد ، كما ان الجبهة الاسلامية أججت من هذه النزاعات ، و حولتها الي معارك سياسية ، دينية ، ثقافية و عرقية.
في العام 1994 صدر المرسوم الرئاسي العاشر القاضي بإنشاء ولاية غرب كردفان ، و الذي اقتسم الجزء الأكبر من ولاية جنوب كردفان ، و مقاطعات من ولاية شمال كردفان .
يدور التساؤل حول الأسباب الاستراتيجية التي أدت الي نشوء ولاية غرب كردفان ، المقتطعة من ولايتي جنوب و شمال كردفان ؟
لقد بررت حكومة الجبهة الاسلامية آن ذاك ، بإن الأسباب من وراء الإنشاء تتمثل في الاتي :
١/ تقصير الظل الاداري
٢/ تأمين الاستقرار السياسي بتوسيع المشاركة السياسية
٣/ توسيع مواعن الديمقراطية و الشوري
٤/ تسهيل عملية التنمية .
إلا إنني و الكثير من المراقبون يرؤن ان اسباب الجبهة الاسلامية الاستراتيجية من انشاء غرب كردفان مختلفة عن رأيها سالف الذكر ، وان الأهداف بطبيعتها ، سياسية، أمنية، ثقافية و اقتصادية . حيث انها تتمثل في الآتي :
١/ تحتوي ولاية غرب كردفان علي كميات من النفط الخام ، الذي بدأت شركة شيفرون الامريكية التنقيب عنه في فترة سابقة ، و حاولت حكومة الجبهة الاسلامية استخراجه ، كما ان الولاية غنية بالموارد الآخري، (الثروة الحيوانية، التي يقدر عددها بما لا يقل عن عشرة مليون راس) و الانتاج الزراعي الممثل في الصمغ و الحبوب والمحاصيل الآخري ، مضافا لها الكادر البشري ، الذي سيمثل القوة الضاربة التي ستعتمد عليها الحكومة في حربها ضد الحركة الشعبية و الجيش الشعبي .
٢/ ان حركة التعايش السلمي و التمازج الثقافي التي كانت تسري في فترة ما قبل اندلاع الحرب بين المجتمعات السكانية المتجاورة (المسيرية والدينكا والمسيرية والنوير من جهة الجنوب، والمسيرية والنوبة من الشرق) ، ان عمليات التعايش و المجاورة بطبيعة الحال تعوق أنشطة الحرب ، كما انها مهدد لأيديولوجية الجبهة الاسلامية (الاسلموعروبية) ، في المناطق المتأخمة التي تدور حولها المعارك (جبال النوبة و جنوب السودان) . كما إن تأثير خطاب الحركة الشعبية و رؤيتها ايضا أدي الي انضمام عدد من أبناء المسيرية للحركة الشعبية في أوقات مبكرة من عمر الحركة ، أمثال الكمندر / رحمة رحومة ، ونيس رمضان ، بري البشاري ، ياسين ملاح ، محمود خاطر جمعة ، و اخرين كثر، جعل حكومة الخرطوم تعمل بجهد لأجل توطين خطابها الايدويولجي في مناطق المسيرية .
٣/ ان الاستقطاب الديني ، الثقافي و العرقي الحاد في السودان ، و خصوصا في مناطق تخوم الحرب، ساعد في خلق مناخ ملائم لخطاب الكراهية و العنصرية ، وهي تلك الإسترتيجية التي تبنتها حكومة الخرطوم، اذ عمدت علي انشاء ولايات علي الأساس العرقي ، لا بمعاير عدد السكان و المساحة و الموارد .
في اتفاقية السلام الشامل ٢٠٠٥ تم تصفية ولاية غرب كردفان و تذويبها في ولاية جنوب كردفان ، كما تم إرجاع المقاطعات المقتطعة من شمال كردفان اليها . لم يكن لدي حكومة الخرطوم رأي واضح حول تصفية الولاية و تذويبها . الا ان هنالك اخرون يرون ان المؤتمر الوطني لديه اسبابه غير المعلنة لتصفية ولاية غرب كردفان و تتمثل في النقاط الآتية :
١/ ان الولاية أنشئت لتخدم أغراض الحرب التي كانت تدور بين حكومة الخرطوم و الحركة الشعبية ، و قد قامت بدورها ، وبما ان الحكومة وقعت اتفاق سلام مع الحركة الشعبية ، هذا يعني ان اول أسباب انشاء الولاية يسقط تلقائيا .
٢/ ان سكان جبال النوبة لديهم ولاء سياسي للحركة الشعبية ، و هذا سيؤثر علي نشاط المؤتمر الوطني بولاية جنوب كردفان ، وباعتبار ان غرب كردفان من مناطق نفوذ المؤتمر الوطني سياسيا و أمنيا ، فتذويبها يعني ان لديه معاقل في المنطقة .
٣/ في برتكول تسوية النزاع بجنوب كردفان الوارد في اتفاقية السلام الشامل ٢٠٠٥ ، ان تقوم قبل استفتاء الجنوب انتخابات في السودان ٢٠١٠ ، ينتخب فيها مواطني جنوب كردفان مجلس تشريعي يجري عملية المشورة الشعبية ، وهي المعنية بتصحيح العلاقة بين المركز و الولاية في ظل الوضعية التاريخية المأزومة لجنوب كردفان. فان نتائج المشورة الشعبية مربوطة بالاغلبية الميكانيكية لاعضاء المجلس التشريعي الولائي ، و ان غرب كردفان لديها ١٠ دوائر جغرافية من مجموع ٣٢ دائرة لولاية جنوب كردفان ، لذلك تذويبها يعني ان ١٠ مقاعد مضمونة وداعمة للقوائم النسبية للمؤتمر الوطني في مجلس تشريعي جنوب كردفان ، مما يساعد في اجهاض المشورة الشعبية في الولاية.
بعد تجدد القتال في جبال النوبة/ جنوب كردفان في العام ٢٠١١ استعد المؤتمر الوطني الي اعادة خططه القديمة ، فيما يتعلق بوضعية غرب كردفان السياسية و الإدارية . و بدأت التلميحات بعودة غرب كردفان، و توافدت التصريحات من كبار قيادات الحكومة ، و نداءات و توسلات منسوبي المؤتمر الوطني من أبناء غرب كردفان ، حتي صدر مرسوم بعودتها و فصلها من جنوب كردفان ٢٠١٣، و ذلك بعد الخسائر الفادحة التي منيت بها حكومة الخرطوم في حربها ضد شعب جبال النوبة/جنوب كردفان ،و العزوف الكبير لمواطني غرب كردفان بالمشاركة في الحرب .
فيما يتعلق بالدوافع الحقيقية لحكومة الخرطوم من وراء عودة الولاية ، أصدرت الحركة الشعبية بولاية جنوب كردفان/جبال النوبة ، تعميم صحفي بتاريخ ٢٧/١٢/٢٠١٢ . تحدثت فيه عن الدوافع الحقيقية لعودة ولاية غرب كردفان في هذا الزمن بالتحديد و تتمثل في الآتي:
“١/ استمالة المسيرية لجانبهم كخطوة أولي لإدخالهم في الحرب الدائرة في ولاية جنوب كردفان/جبال النوبة ، بعد ان فشلوا فشلا زريعا في كل مخططاتهم الرامية لإستنفار المليشيات لخوض الحرب بالوكالة .
٢/ خلق الفتن و الصراعات و الحروب بين الجماعات المحلية بسبب مشاكل الحدود التي لا مفر منها خاصة مع جبال النوبة ليستمر المؤتمر الوطني في إثارة المذيد من الحروب .
٣/ اعادة تدوير سياسة فرق تسد بعد ان بان له معارضة سكان غرب كردفان لسياساته .
٤/ إيجاد حلول تكتيكية لأزمته في المنطقة وذلك بخلق وظائف دستورية شكلية خالية من المعني لتسكين اتباعه من المنتفعين الذين ظلوا يثيرون له القلاقل منذ ان فقدوا امتيازاتهم التي كانوا يحوزنها من ضرع الولاية المذوبة ، هذا من جهة ، ومن جهة اخري تقديم الرشاوي السياسية بشراء ذمم بعض المنتفعين من المعارضين له و تسكينهم في الوظائف الجديدة .
٥/ غير ان الدافع الأهم ، بالنسبة لهم في الوقت الراهن هو عزل المنطقة الغربية و البترول تحديدا ، من اي تسوية سياسية في المستقبل و اخراجها من المنطقتين اللتين يشار إليهما في اتفاقية السلام الشامل و مقترحات التفاوض الجارية . و بالتالي عزل و حرمان مواطني غرب كردفان من اي مكاسب يمكن ان تأتي من خلال التفاوض خاصة في ما يختص بموضوع البترول ”
يري كثير من النشطاء و المهتمين بالشان السياسي بالمنطقة ان المؤتمر الوطني عمل علي عودة انشاء الولاية مجددا لانه ” بعد اتفاقية السلام الشامل كان هنالك حراك تنويري كبير في المنطقة اسهم في رفع وعي المجتمع المحلي بالظلم و التهميش كما يري مجمل سكانها ، اذ حدا بهم الي تأيد الحركة الشعبية سياسيا و عسكريا ، حيث تم تنظيم قوة عسكرية قوامها ٢٥٠٠ من ضباط و صف ضباط و جنود ، اختارت منطقة الدبب الواقعة في الاتجاه الجنوبي للمنطقة مقرا لها ، حتي تم تنتظمها ضمن قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان ، الامر الذي اقلق النظام و أربك حساباته . اي بمعني ان للحركة الشعبية قواعد في المنطقة ، مما يعوق أنشطة الحرب التي يشنها النظام علي الحركة الشعبية/ شمال . فإن عودة غرب كردفان حسب ظنه قد يوقف مد الحركة الشعبية/شمال ، خصوصا ان هنالك الكثير من أبناء المسيرية قد انضموا الي الجيش الشعبي /شمال بعد تجدد النزاع المسلح في ٦/٦/٢٠١١ بجبال النوبة/جنوب كردفان .
الجدير بالذكر ان مجلس الأمن الدولي اصدر قرار بالرقم ٢٠٤٦ في العام ٢٠١١م بعد تجدد النزاع المسلح مباشرة ، آلزم فيه الحركة الشعبية لتحرير السودان و حكومة الخرطوم بالجلوس لحل النزاع في الولايتين النيل الأزرق ، و جنوب كردفان بحدودها القديمة التي كانت غرب كردفان جزءا منها ، لذلك ان حكومة الخرطوم و الحركة الشعبية في الشمال ملزومين بحل النزاع في جنوب كردفان بكامل حدودها الجغرافية .
ان غياب الحراك الثوري في المنطقة سيمكن نظام الخرطوم من تسويف قضايا شعب المنطقة و خصوصا ان النظام لديه تاريخ طويل في التلاعب بإرادة الشعوب السودانية المهمشة ، لذا فإنني اناشد كافة شعوب غرب كردفان بمختلف مكوناتهم الثقافية بمقاومة النظام بكافة الوسائل و معلوم ان الحقوق تنزع و لا تعطي علي طبق من ذهب كما يعتقد الغير .